أحزن جدا حينما أقرأ لإحدى أشهر الصحف العربية محاولتها المبطنة للترويج بأن بن لادن كان شهيدا للأمة الإسلامية.. وتشكيكها في الرواية الأميركية عن قتله.. بما يغذي القارىء العربي بالتبرير المتواصل عن تخلفة وإنغلاق عقلة بنظرية المؤامرة.. بمعنى مؤامرة الغرب على كل ما من شأنه أن يرفع من شأن الإنسان المسلم المقهور..

ترى هل ما فعله بن لادن باي شكل من الأشكال كان لرفع الظلم أو لرفع شأن المسلمين والإسلام.. هذا السؤال الذي من حق كل مسلم سواء في الدول الإسلامية أم مواطن له كامل الحقوق في الدول الغربية أن يسأله.. هل ما فعلة تنظيم القاعدة برئاسة بن لادن.. سواء في نيروبي.. دار السلام.. برجي التجارة العالمية في نيويورك.. هجماته في العراق.. وفي سوريا الآن.. قتلة لبشر سواء في الغرب أم في الشرق يصب في مصلحة الإنسان المسلم حاليا وحتى مستقبلا؟؟؟

هل إنتشار مقراتة ووجوده الفعلي لا يتعارض من هيبة الدولة ( وإن كانت متهلهله ).. وهل يخدم مصلحة الإنسان.. هل وجودة في اليمن.. والعراق وأفغانستان والصومال وشمال أفريقيا ومنطقة الساحل الكبرى (كما جاء في الصحيفة ) لا يهدد سكان هذه الدول بما rsquo;يعرضهم للقصف سواء من القواعد العسكرية ألأميركية.أم من الدولة ذاتها؟؟ إضافة إلى الخطر الإقتصادي.. ولكن الأهم الا rsquo;يشكل تفكيره ( القاعدة ) خطرا على هذه المجتمعات نفسها لأنه يحمل أيدلوجية عنصرية.. rsquo;مفرقة.. تمييزية تعمل على إقصاء المرأة وظلمها وقتلها !!! ألا rsquo;يعتبر وجوده في سوريا (rsquo;متمثلا في جبهة النصرة ) خطرا على السوريين أنفسهم.. وعلى مستقبل سوريا.. ومستقبل المواطن الإنسان السوري الذي يقع الآن بين مطرقة النظام ومطرقة جبهة النصرة؟؟؟

تقول الصحيفة بأن من أسباب إنضمام الشباب للتنظيم تغول السياسات الأميركية والغربية في الهيمنة على العالم الإسلامي أو بعض اجزائه وتبنيها للمجازر الإسرائيلية المتواصلة في فلسطين المحتلة quot;quot; وهو محق إلى حد ما في هذا التحليل.. ولكن أليس هذا التغول هو بإذن من حكومات هذه الدول. نعم تبنيها للمجازر الإسرائيلية يؤكد إزدواجية المعايير التي تتبناها.. ولكن أيضا أليس أحد أهم الأسباب هو تقاعسنا عن حمل قضيتنا كقضية إنسانية أولا.. ومنذ بداية النكبة والصراع وقبل أن تتبدل السياسات الإسرائيلية إلى أطماع وحشية ولا إنسانية بحق الفلسطيني.. وتتبدل معها السياسات الغربية إلى سياسة مزدوجة في التعامل مع قضيتنا خوفا من النفوذ اليهودي.. حتى بعد إقرارها سابقا بشيء من الحقوق الفلسطينية في قرار التقسيم 181.

تستمر الصحيفة لتقول بأن quot;أيديولجيته ( تنظيم القاعدة ) مغرية للإنضمام وخاصة للشباب quot;..ولكني أؤكد بأن إنضمام الشباب ليس بسبب الأيدلوجية وحدها وإنما بسبب البطالة المتفشية في كل المنطقة العربية والإسلامية.. مسؤولية هذه البطالة على الأنظمة الحاكمة وعلى الفساد المتفشي فيها.. فحسب تقرير منظمة العمل العربية بأن هناك حوالي 20 مليون عاطل عن العمل في المنطقة العربية.. (بينما تؤكد منظمات عربية ودولية بأن الرقم الحقيقي يتجاوز الخمسين مليونا ).. يجعلني أود الصراخ باعلى صوتي بأنه من المخجل والمعيب في منطقة تمتلىء بالموارد وتعتبر من أ غنى المناطق في العالم أن يكون هناك هذا العدد من العاطلين.. بلا أمل.. هؤلاء العشرون مليونا هم من تستقطبهم القاعدة وتستعملهم كوقود للكره الإجتماعي بحيث تبرر قتلهم لإخوتهم من نفس البلد ( كما حدث في إنفجارات السعودية التي قطعت ساقي الصحفي البريطاني فرانك جاردنر قبل سنوات ).. وكما يحدث في العراق وغيرها من الدول المسلمة ز. باكستان مثلا... ناهيك عن تحليل قتل الكافر الاخر..!!!

ففي بلد كالسعودية مثلا لا rsquo;يعقل أن يعيش أكثر من 60% من السعوديين تحت خط الفقر.( كما جاء في في تغريدة الأمير الوليد بن طلال في خبر إيلاف قبل يومين ).ولا يعقل أيضا أن تعجز دولة بثراء السعودية عن تأمين فرص عمل ل 11 مليون سعودي خلال السنوات القادمة!

ما اود قوله وهو أهم من التذكير بموت بن لادن.. بأن الإنتفاضات العربية لم تخرج من اجل تطبيق شريعة بن لا دن.. بل إن الفقر والإختلالات الإجتماعية.. والطبقية التي تجاوزت حدود العقل.. وسوء التعليم والفساد.. الزيادة السكانية التي،يروج لها الفكر الديني تقف عبئا على خطط التنمية إن كانت موجودة أصلا.. هي من أخرج الإنسان العربي عن إستسلامه.. ولكن تسّلم أحزاب لا تختلف كثيرا في فكرها العقائدي عن فكر بن لادن.. وإن كانت تحاول الإختباء في عباءة تتظاهر بالتدين والحكمة.. لن يقضي على فكر القاعدة. ولن يحل أزمة التزايد السكاني ولا أي من مشاكل الإنسان العربي.

نعم الغرب لا زال يستعمل سياسة مزدوجة في التعامل مع القضايا العربية والإسلامية.. ولكن التخلف والفساد والفقر والبطالة ليست من صنع الغرب. بل هي صناعه محلية بالكامل.. وهي أهم بكثير من بن لادن ومن rsquo;عقم تفكيره.. وrsquo;عقم تفكير أي حزب يتلفح بأي دين أو شريعة.. شريعة القرن الحادي والعشرين هي القضاء على الفقر.. والأمية والتخلف.. والمساواة بين الجنسين.. وعدم تعزيز فكر الغاب.. وعلينا أن لا نتنصل من هذه المسؤولية إذا أردنا الإنضمام للدول المتحضرة.. والدول الراقية..

عندها فقط نستطيع أن نكّون قوة تستطيع التفاوض مع الغرب ومع العالم على قدم المساواة.

منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية