شبح الحرب الأهلية يقرع أبواب العراق بقوة. يدعوا للاستجابة لغوايته الوحشية الدموية متزعمو الطائفتين. ذلك سيكون مشيناً ومخزياً لهم، لكنه سيكون مدمراً للعراق ولأهله، وبشكل لا يمكن إصلاحه لأزمان طويلة!
متزعمو الطائفتين هم المسؤولون عن هذه الجناية التاريخية الكبرى. وبالطبع فإن الوزر الأكبر في ذلك يقع على من يمسكون بزمام الحكم والذين بيدهم مفاتيح الحل والربط. أي هم وبكل وضوح أقطاب الطائفيين الشيعة الذين هيمنوا على الحكم منذ سقوط النظام السابق بإرادة وحماية أمريكية إيرانية، وهم الذين يجأرون بعقدة الاضطهاد المرضية، والمظلومية الموهومة منذ ألف وأربعمئة عام!
هذا لا يعني أن مسؤولية أقطاب الطائفية السنية قليلة، فهم قد تعاملوا مع العهد الجديد بخفة وطيش ودون حكمة، أو نضج و روية، ولم يتخذوا مواقف تتسم بالموضوعية والواقعية، فكان عليهم أن يحصدوا الثمر المر لتوانيهم وتفريطهم بالفرص الضائعة! إنهم اليوم بموقع الضحية والطرف الخاسر؛ لا يمتلكون سوى قوة الضعفاء، بينما خصمهم في غطرسته وعماه السياسي يعاني من ضعف الأقوياء المتنمرين! والمعادلة على كل حال ليست في صالح الشعب والوطن!
الواقع اليوم يتفجر دماءً وأسلحةً، وقدد غاب عن المشهد ملايين الناس المحسوبين على الطائفتين. لا يبرز فيه سوى غلاة المتعصبين من الطائفتين، أولئك الذين أثبتت الوقائع أنهم لا يمتلكون أية جدارة للقيادة، ولا حتى أية مؤهلات للإدارة البسيطة. لا نرى من جباههم سوى باذنجانة التقوى المزيفة.
غاب حكماء الناس وعقلاؤهم، غاب مثقفوهم وورثة الحكمة والرأي الحصيف،لا وجود للمتمرسين من أصحاب التجربة السياسية الطويلة. أغلب المتحكمين هم مراهقو سياسة، تعلموها لعباً بمصائر وأموال العراقيين.
لم نعد نسمع من القطبين سوى صيحات الجهلاء والمنفعلين وأصحاب نزعات الحقد والضغينة المبيتة؛ متأهبين أو مدشنين الحرب الأهلية. هؤلاء يصولون ويجولون بطائراتهم السمتية وبالدبابات والمصفحات. وأولئك يجولون ويصولون بسيوفهم وسكاكينهم وآلات الدرباشة والطعن على الطريقة النقشبندية!
أين العراق وأهله؟ أين تاريخه، وشواهد حضارته العريقة؟ أين روح المحبة والود العميق التي كنا نعرفها ونشأنا عليها،وضحى من أجلها الآلاف على المشانق وفي السجون والمنافي؟ ذهبت كلها اليوم، كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا!
يقع المرء بسذاجة مهينة إذا ناشد هؤلاء المهيمنين على الشبكة العصبية للمجتمع من الجانبين بأن يحتكموا للعقل والشرف والنزاهة. ذلك سيكون عبثاً، فاقد الشيء لا يعطيه. ومن السذاجة أن تنادي بحل العملية السياسية كلها، والبدء من صفحة بيضاء؛ فذلك لم يعد ممكناً، وقد امسك الحاكمون بمباهج السلطة وخيراتها الكثيرة،ولم يعودوا يكترثون لفسادها وانحطاطها.
من السذاجة الدعوة للاحتكام لدستور كتب بدم فاسد من محبرة الطائفية والعنصرية، أو للاحتكام لديمقراطية تقوم على صناديق الاقتراع الملوثة، و الناخبين الذين لا يجدون أسماءهم في القوائم، بأماكن مهجورة إلا من رجال الحكم تحت قعقعة السلاح ومنع التجول! سذاجة حتى أن تحاول النفخ في روح الشهامة والأخلاق الإنسانية!
لا خلاص للعراقيين من الحرب الأهلية سوى رفض التجنيد فيها. الحرب الأهلية هي الحرب التي من الواجب والوطنية دائماً الهرب منها! لا حل للعراقيين في هذه الأيام العصيبة سوى أن يقفو بوجه الداعين للحرب الأهلية من الطائفتين ليقولوا لهم بازدراء وحزم:إنها حربكم، اذهبوا إليها وحدكم!
التعليقات