هذا هو الموقف بعد أن توارى تماما الفصيل الرئيس، أى هؤلاء الشباب الأنقياء الأبرياء الذين أذهلونا وذهلوا أيضا معنا وأذهلوا العالم كله من حجم الانجاز الذى فعلوه، وبينما هم لازالوا فى مرحلة سبات ما بعد الدهش فاغرى الافواه، مشدوهين بما حققوه كانت النموس القابعة هناك خلف التلال تترقب المواقف وتتحين الفرص لتوجيه أتباعها على الساحة لإقتناص الثمار الناضجة المتساقطة بكثرة، أما من هم هؤلاء النموس؟ فهم كثر:

اولا: هم المتربصون التاريخيون لأى بادرة قد تؤدى الى قيام نظام حتى ولو شبه ديمقراطى فذاك خط أحمر قان فقيام نظام كهذا كفيل باشعال النار فى كل أنظمة الاستبداد التاريخية الهشة الجاثمة على صدور هذه الشعوب،لأنه وحتى هذه اللحظة لا ولم يوجد نظام ديمقراطى يمكن الناس من حكم أنفسهم فجميع الانظمة التى ورثت الحكم بعد خروج الانجليز والفرنسيين جميعها بلا استثناء جمهوريات وممالك كانت تختلف فى كل شيئ عدا واحد متفق عليه أن هذه الشعوب لا يجب أن تقرر مصيرها أو تنال حريتها ولعل استضافة بن على والبكاء على حسنى مبارك والخروج الآمن لعلى صالح قد يفسر ولو بعدا واحدا من ابعاد المؤامرة.

ثانيا: هم تيارات الاسلام السياسى المتاجرة بالدين وهم الآداه الرئيسة العميلة لهذه النظم الحاكمة الذين شعروا بان الزمن قد تجاوزهم وهم قد جربوا قبلا مرارة الفرص الضائعة وأظنهم استوعبوا الدروس المستفادة من إهدارها وأمسكوها هذه المرة ويعضون الأن عليها بالنواجز.

ثالثا:هم تيارات الفاسدين المحترفين الذين هبوا لاقتناص الفرصة وتلوينها باللون الجديد والبحث عن لحم الكتف وهم يعرفون من أين يؤكل.

رابعا: هم تيارات المهرجين ومدعى البطولة فى الميدان وخارجه الذين هرعوا لتسجيل المواقف وتوثيق تواجدهم فى مشاهد الفضائيات وحوارات الزعامة ونسوا ما أنتجوه من الهراء طوال نصف قرن وهو الذى عضد قوة النظام وساهم فى استفحاله.

رابعا: هم أقطاب النظام السابق الذى يعتقد البعض أن حل حزب هذا النظام أو حرق مقاره سوف يلغى نفوذه، وهو وهم كبير فرموز هذا النظام هم كبار العائلات وزعماء القبائل وما دامت الانتخابات القادمة ستتم بالنظام الفردى المقيت فهم لاشك قادمون ربما بوجوه أخرى وأسماء جديدة لكن هم قادمون للدفاع عن مصالح ومراكز ومناصب ومكتسبات عائلاتهم وقبائلهم ولن يسمحوا لأحد من الاقتراب منها.

خامسا:هم البلطجية وتجار المخدرات وتجار السلاح ومافيا الاراضى وأولئك أخفهم ضررا نظرا لوضوح أهدافهم.

سادسا:هم كل اللاعبين فى ملعب النظام السابق وما كان يطلقون على أنفسهم معارضين من أحزاب وصحف وشخصيات وكلهم تمويلهم مشبوه ولم ينجزوا شيئا على الساحة سوى شرعنة الفساد والظلم.

سابعا:هم كل من وقعوا تحن طائلة القانون فى عهد مبارك وحكم عليهم بالحق أو بالباطل وهم يظهرون الان يتباكوا كضحايا مضطهدين يبحثون عن الانتقام والتعويض.

هؤلاء جزء على سبيل المثال من قطيع النموس أو قطيع الذئاب التى كمنت للثورة فى مصر وتونس وأوصلتها لهذه المرحلة البائسة من التناحر والاقتتال الطائفى المقيت ودخول النفق المظلم الذى أصبح الخروج منه يحتاج الى أكثرمن معجزة.

ولعل ماحدث فى ليبيا ويحدث فى سوريا لهو أبلغ دليل على ما نقول، فقد خشى المتربصون أن تسبقهم الاحداث كما فى تونس ومصر فقرروا أن يسبقوا هم الاحداث فدفعوا عناصرهم مبكرا كرؤوس كبارى للسيطرة على مفاصل الحراك الشعبى الذى بدأ سلميا فى البلدين،فالذين يعتقدون ان ما آلت اليه الامور فى سوريا اليوم هو استمرار فعاليات ثورة هم كاذبون، فقد فقدت الثورة غطائها الاخلاقى عندما قفزت سريعا من مرحلة الاحتجاج السلمى المشروع والمبرر لازاحة نظام فاسد ورث كرسى واعتقد انه ورث معه شعب وجثم بغباء على حاضرة الشام، نعم كان يمكن لهذا الاحتجاج السلمى أن يحصد دعم العالم وربما كان الجيش السورى قد قام بحسم المعركة لصالح الشعب كما حدث فى مصر، أما اليوم وقد اخترقها هؤلاء الارهابيون بدعوى دعمها ومؤازرتها والحقيقة الناصعة انهم اخترقوها للاستيلاء عليها وتدمير آخر جيش يواجه العدو الصهيونى، نعم فقدت الثورة فى سوريا الدعم المعنوى من العالم بعد ان فقدت غطائها الاخلاقى يوم ان اصبح منهج العنف والدم هو السائد، العنف الدخيل على سلوك السوريين، وكما توارى الفصيل الرئيس فى مصر توارى أيضا الفصيل الرئيس فى سوريا أما من على الساحة الآن فهم خليط من قطعان الذئاب الجائعة المترقبة حتى يحين موعد نهش جسد الغنيمة، وأصبحت سوريا ملعبا مفتوحا للسعوديين والايرانيين والقطريين ومعهم أوربا الساذجة وأمريكا الغبية،والذين يعتقدون بأن كل هذا التجييش فقط لاسقاط الاسد هم أصحاب أدمغة مغسولة غسلها الاعلام المضلل، والحقيقة انه افشال ثورة واجهاضها فى الشهور الاولى، فالاسد وصالح ومبارك وبن على والقذافى كانوا طرف أول فى اتفاق فاسد مع بقية ألنظم الحاكمة فى المنطقة اتفاق يضمن أن تظل هذه الشعوب محكومة بنظام القطيع والسمع والطاعة وحرمة الخروج على ولى الامر.

وبدلا من اسقاط نظام الحكم فى سوريا تم اسقاط نظام الحياه فى سوريا ومازال الاسد فى القصرمعززا مكرما والسوريين فى المخيمات يلقون ذلا ومهانة، وفى حال سقوط الاسد وهو سيسقط ستطول اقامة السوريون فى المخيمات لحين انتهاء التناحر والاحتراب بين الفصائل والصراع على السلطة وينضم السوريون الى أشقائهم فى كل الهلال الخصيب العراق ولبنان ومصر مشروع دولة طائفية على فوهة بركان برعاية السعوديين والايرانيون والقطريين والامريكيين وغيرهم اصحاب المصلحة فى بقاء الوضع على ما هو عليه، فمادمتم مصرين على التخلص من مبارك والاسد وبن على وبشار فها هو البديل ديكتاتوريات أبشع وأضل سبيلا ستتجرع هذه الشعوب فى عهدها مرارات فقر وتخلف وبداوة ستعيدها للقرون الاولى وستنتشر موجات الندم والحنين الجارف لأيام هؤلاء الذين ثرنا عليهم ثم اكتشفنا بعد فوات الاوان أنهم كانوا ملائكة ولعل تظاهرات التأييد والتعاطف مع مبارك لهى أبلغ دليل على ما نقول.

نقطة أخيرة: أعرف جيدا أننى فى هذا الطرح اغرد خارج السرب، ليس سربا واحدا بل خارج كل الاسراب من كل الفصائل لكن اغلبها فصائل جوارح تحلق مترقبة فى انتظار سقوط الفريسة لتنهش جسدها وتلعق دمائها،لكنى لاأملك سور الصراخ: لاتسقطى ياسوريا الجميلة كما سقطت مصر الجميلة وكما سقط لبنان الجميل وكما سقط العراق الجميل، لاتسقطى ياسوريا فقد كنت أتمنى أن يسقط الاسد ولا تسقط سوريا لكن الهدف الواضح هو أن الاسد ومبارك وصدام كانوا مجرد وسيلة لاسقاط حواضر الثقافة والعلم والنهضة والقوة فى كل المنطقة واذا كان هؤلاء الحكام استحقوا مصيرا يوازى جرمهم فلماذا تعاقب هذه الشعوب على انتفاضتها وتلقى هذا المصير البائس قتال ومخيمات وتهجير ومصير مظلم أليس هذا عقابا من السماء على الخروج على ولى الامر؟ أو هكذا تروج بقية النظم المستبدة فى المنطقة تروج لشعوبها الكذب والتضليل ليظلوا جاثمين على صدورهم الى الابد حتى لا يفكروا مجرد تفكير فى التطلع الى الحرية والا ها هو المشهد البائس أمامكم تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن.