تكررت التلميحات إلى تكوين جغرافية مستقلة تضم المناطق العلوية، الأساسية والمستعمرة، والخطط التي رسمت وخرجت بشكل غير مباشر على الملئ، إما عن طريق بشار الأسد في مقابلته مع الجريدة التركية أولوصال، أو الإعلام السوري، تبين على أن هناك خريطة مغايرة لجغرافية سوريا الحاضرة، تمحص في أروقة داخلية ودولية، كمقدمة لإزاحة بشار الأسد من السلطة، ومن ثم أعطاء ضمان لمستقبل الطائفة العلوية، وأمان للمجموعات التي انغمست في الجرائم الجارية بحق الشعب السوري، بل وآمان للطائفة كلها.

هاجم الأسد التقسيم الجغرافي لمعاهدة سايكس بيكو، في مقابلته مع الجريدة التركية، بأنها رسمت حدود المنطقة بدون مشورة القوميات والشعوب المتواجدة فيها، والخريطة القادمة التي ستكون عليها الشرق الاوسط الجديد، ستكون بيد الذين يملكون القرار في المنطقة، وحسب مطالب الشعوب والقوى الموجودة، والتصريح واضح في أبعاده، اعتمد بكلامه على مخطط لتقسيمات تدرس بينهم، وهناك من يشتغلون على تحقيقها، ويهيؤون الظروف الإقتصادية والسياسية والعسكرية لولادتها.

دفعه للجريدتين بالتركيز على المنطقة الكردية ومطالبهم، كقضية رئيسة في مقابلتيه، تدفعنا بأن نطالب المجموعات العروبية والعنصريين، الذين يتهمون الكرد عادة، بالنظر إلى عملية تقسيم سوريا من منظار آخر، وأن يوجهوا أصابع أتهامهم إلى الساحل السوري، ومعهم الشمال اللبناني، والسلطة الغارقة في الإجرام. فالكرد لم يطالبوا بالتقسيم يوماً، والحركات السياسية التي أتهمهم الأسد باللاوطنية أكثرهم تشدداً ضدها، والمطلب الأوسع طرحاً في الشارع الكردي الآن هو النظام اللامركزي الفيدرالي لسوريا القادمة، لكن بشار الأسد ومعه مستشاريه من الهلال الشيعي، يحثون الكرد وبشكل غير مباشر بالعمل على التقسيم، وبناء الدولة الكردية، وما تشديده وتكراره لحقيقة تاريخية، على أن الكرد يسكنون في المنطقة منذ آلاف السنين، سوى تنبيه على إنه لهذا الشعب العريق الحق بوطن مستقل، وغايته من وراء هذه التصريحات المفاجئة، والتأكيدات التاريخية، أن يظهر من وراء المطلب الكردي، مخطط الدولة العلوية إلى العلن.

تحدث بشار الأسد، بفلسفة سفيهٍ، فيرى المتلقي بجهالة فكرية، وعتم الرؤية، يجعل من ذاته الملهم والمعلم والمفكر بلا منازع، ولما لا، فلا محاور يقف امامه، ولا يجلس على طاولة فيصل قاسم، ليثبت له ابسط مجادلٍ، دونية تحليله ومفاهيمه. بحث حسب غاياته ومفاهيمه في القضية الكردية ومشاكلهم في سوريا، حصرها في مشكلة الاحصاء، وبجهالة في العرض والحل، وحول اللغة مثلها، مخفيا الغاية الكلية، والوجود الجغرافي التاريخي الكردي في المنطقة، والتي اختزلها بتلاعب في التحليل لديمغرافية أفسدها البعث في المنطقة منذ عقود. وتناول القضية الكردية في تركيا، كشعب يحق لهم الحصول على مطاليبهم، والغاية منها ليس الكرد وقضيتهم، بل لإثارة القضية العلوية في تركيا، وطرحها مستقبلاً كإمتداد لعلويي سوريا، وذلك على خلفية الصراع الجاري بين السلطة السورية والدولة التركية.

لا شك أن وراء طروحاته هذه دعوة غير مباشرة للحركة السياسية الكردية للحوار معه على الوضع الكردي العام، والتي كانت في حكم العدم حتى البارحة، واصبحت في اللحظة الحاضرة وفي عهد الثورة خيانة، ولا يتجرأ أي طرف كردي من تجاوز خطوط الثورة، رغم وجود أطراف كردية تتعامل بتروي مع السلطات المحلية، على بنية استراتيجية أوسع من جغرافية سوريا، إلا أنها لا تمثل الشعب الكردي، والمطالب الكردية المطروحة من قبل هذا الفصيل لا يختلف في منهجيته عن تحليل بشار الأسد للتداخل الديمغرافي المذهبي العرقي للمناطق الكردية، والتي اتى بها كمثال على السؤال المطروح، حول مطالب الكرد بتحديد جغرافيتهم في سوريا، ونظريته المشوهة حول تكوين العرق والقومية.

تندرج التقسيمات الإدراية الجديدة للمحافظات السورية، ضمن هذا الإطار، والأساس هي تجزئة محافظة حمص، لضمها إلى جغرافية المنطقة العلوية، ومعها تدرس جزءً من شمال لبنان، أما بقية التقسيمات كانت عملية تغطية للمطلوب. والقتال الشرس الذي يدور في حمص وريفه للسيطرة عليهما واضحة من خلال السبب المطروح. وهي كانت منطقة مستعمرة مثل كل سوريا من قبل الطائفة العلوية، الأستعمار العلوي الذي كان قد رسخ أركانه في كل زاوية من زوايا الوطن، ونهبهم للوطن كان أسوء بكثير من نهب الأستعمار الفرنسي، فالسلطة العلوية كانت استعماراً اقتصادياً سكنياً وعسكرياً امنياً شاملاً، ومعها كان قادتهم يبيعون الوطنيات ويزايدون على الجميع بمستقبل الشعب، وهم الان لا يريدون التنازل عن هذه المستعمرة، لكنهم وبسبب ظهور بوادر ضياعها من تحت سيطرتهم، يخططون على بناء الدولة العلوية المؤمولة، فلم يجد بشار الأسد سوى الكرد وقضيتهم لطرحها على مزاد المتاجرة السياسية، متنسايا نقاء وطنية الكرد.

الولايات المتحدة الأميريكية

[email protected]