أكاد أكون على يقين بأن أجابة المواطن ستتفق مع أجابتي عن قيام بعض سياسيي العراق بتلويث البيئة الأنتخابية القادمة بدل تنظيمها قبل أن تبدأ. لن يكون من السهولة معرفة مستقبل العراق بما يصرح به مسؤولين عن الأنتخابات القادمة لصعوبة تعليمهم سبل الأنتخابات النزيهة، ولن يكون من السهولة أمتصاص غضب المجتمع المدني الشعبي العراقي والتقليل منه بعد جملة الأزمات التي وضع قالبها وصاغها سياسيو عصر الحرية والأحتلال منذ عام 2003، وشهية القتل السياسية للمرشحين الجدد للأنتخابات ومن سبقهم، وتوتير المواقف وتخّيل النظريات وتغليفها بغلاف الدين، الشرعية، والديمقراطية.
الكتل السياسية العربية والكردية نقلت شعب العراق من محنة الى محنة ومن صراع الى صراع لم تستطع أن تضمن مجتمعاً تتحقق فيه العدالة، وليس بأمكاننا كشعب أمتصاص أزماتهم ووزرة أخطائهم من أرهاب وقتل و تهديد بالأنفصال و صراع قومي وخلاف على من يمسك بدفة القيادة ويحاسب على سرقات أموال الدولة. أنه صراع لا نتحكم فيه، وجرونا ( كشعب ) أليه بأخطائهم وذنوبهم، ولايعترفون أطلاقاً بمسؤوليتهم فيها.
أسراعي بكتابة هذه المقدمة تتعلق جوهراً وموضوعاً بمثال حي عن أخفاق مسؤولين عراقيين، في فهم الأمر البسيط لِما طرحه مارتن كوبلر رئيس المفوضية العليا للانتخابات بالتساؤل والأستفسار(كرجل مهمته لاتتعدى مراقبة الأنتخابات العامة ومنع التزوير) عن إمكانية اجراء انتخابات نيابية مبكرة كما أقترحه البعض، ولحل نزاع مبكر بين مادعا أليه رئيس الوزراء نوري المالكي لتقديم الموعد، ورفض رئيس مجلس النواب بتقديمه.
قدمَ مارتن كوبلر أستفساره الى السيد أُسامة النجيفي بصفته رئيس مجلس النواب الذي أهدانا وأياه جواباً (يطير العقل ) كما يقال بالعامية، ويعبر عن معاناة فكرية في فهمه (والأخرين من الكتل الأخرى) لأوضاع العراق الدستورية الشاذة. فقد أضاف بجوابه كوم جدل مشاكس لا يجادل المرء به رجل ( كالمفوض الدولي الذي لاعلاقة له بما يوجد من معاناة قديمة وجديدة لشعبنا)، حيث قال لكوبلر quot;أن هذا الامر مشروط بوجوب تشكيل حكومة موقتة لا تمثل أي جهة سياسية ولا يطمح اعضاؤها في الترشح للانتخاباتquot;.
الأمرُ مشروط مِن مَن؟ حكومة موقتة لاتمثل أي جهة سياسية؟؟ والممثل الدولي لايستطيع جمع أعضاء مجلس النواب وغياب معظمهم عن حضور جلسات تشريعية. الأفكار التي يعبر عنها النجيفي بصفته الشرعية تحتاج الى شرح وتفسير وانتقال الى سكة مسؤوليته لقطار متوقف عن الخدمات. ولا أظن كوبلر (الرجل الذي لاعلاقة له باي حكومة دينية، علمانية، رجعية، ديمقراطية، ينوي العراقيون أنتخابها)، ولا يهمه( وبصفته الرسمية) من سيجد هذه الجهة الحكومية الموقتة. بكلمة أخرى المبعوث الدولي يقول لكم quot; قرروا موعد الأنتخابات وأتفقوا على تاريخها والمفوضية الدولية ستراقب نزاهة الأنتخاباتquot;.
النجيفي، ويؤيده في ذلك أياد علاوي المُطالب الدائم بأستقالة الحكومة، من جانبه، ولأمر يعلمه الله، حثَ المفوضية العليا للانتخابات على الاستمرار في نهجها المستقل والنأي بنفسها عن التدخلات السياسية بوصفها المؤسسة الوحيدة المسؤولة عن عدالة ونزاهة العملية الانتخابية. وهذا الحث على النهج المستقل متضارب في المعنى. ويعني أن النجيفي يثق بالمفوضية العليا الأجنبية أِن أستجابت له ويثق بها أكثر من ثقته بأي جهة عراقية مستقلة وبأعضاء المجلس النيابي والمرشحين الذين يمثلهم، وعدم ثقته لأي مرشح عراقي ومن أي جهة كانت، والأهم أن السيد كوبلر لايحتاج الى تعريفه بمسؤوليته الاخلاقية.
وواجبه كرئيس للمفوضية العليا وتدخله هو تنظيم وأدارة الأنتخابات العامة ومراقبتها من التزييف والغش. والأكثر أستغراباً، دعوة المفوض الدولي كوبلر بتاريخ 11 آذار أبريل 2013، إلى محافظة نينوى وعقد اجتماع مع المحافظ أثيل النجيفي، وليتليه دعوته لأجتماع آخر مع المتظاهرين، ومن ثم ممثلي الكيانات السياسية الانتخابية.
هل هذه الدعوات هي كسب ولاء موظف محايد، ضغط، قلة معرفة سياسية، قلة منطق، أم هو منهج محو الذاكرة العراقية لمطالب المتظاهرين التي ينبغي أن توجه الى حكومة فشلت لأربع سنوات عن فهم الشارع العراقي وحاجاته و تُقدم الآن الى مندوب مفوض عن الأمم المتحدة وليس له السلطة على سياسية الأرهاب والدمار والقتل والتفجير اليومي ومطالب الجماهير العراقية من حكومتها المنتخبة ومجلس نوابها المنتخب.
من جانبه، دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يوم السبت الماضي إلى اجراء انتخابات برلمانية مبكرة قبل موعدها المقرر مطلع العام المقبل بثلاثة او اربعة اشهر واعتبر تشكيل quot;حكومة اغلبية سياسيةquot; هو الحل لكل ما يواجهه العراق من ازمات ومشاكل. ولايستطيع اي شخص أن يفترض نجاح حكومة أغلبية سياسية هي الحل الموعود لأزمات تختلقها الكتل السياسية المشاركة في السلطة لنفسها.
وتأخذ المسألة تعقيداً أكثر بعد قرار مجلس الوزراء في 19 آذار أبريل 2013، تأجيل انتخابات مجالس محافظتي نينوى والانبار لمدة أقصاها ستة أشهر.
المتابع لعملية تأجيل أو أبقاء الأنتخابات وأجرائها في موعدها لايستطيع أن يفهم علاقة كوبلر بها. لا أنا ولا أنت نستطيع تعليم مسؤولينا أن واجب المبعوث الدولي هو الأشراف على الأنتخابات وأدارتها فقط عندما تقررها السلطات العراقية وفق تشريعات دستورها وأتفاقهم على موعدها، وأن عملية أحضاره لأجتماعات مع المتظاهرين والمحتجين ليس من صميم أختصاصه وعملية أشراكه في أجتماعات مع المتظاهرين تبدو مضحكة للغاية أِلا أذا كان الغرض المخفي التأثير عليه وتحييد نزاهته.
معاناة المؤسسة السياسية العراقية هي أن معظم سياسيي العراق يحملون نفس الأفكار السياسية السوقية الحادة المزاج منذ صنع العملية السياسية في الستينات من القرن الماضي بالنسبة للأمانة الأنتخابية وشرف الترشيح الأنتخابي والولاء الحزبي والقومي والسبل الصحيحة للتوجه الى صناديق الأقتراع وموعدها التي سببّت تصدعاً ونقمة بين كتل سياسية
قبل أن تبدأ. وتتماثل تصرفاتهم بعدم أنجاز أي مشروع وطني يستحق الذكر وأختلاف طروحاتهم للدولة الأمثل.
شعبنا، سيكون في حال أفضل لو تخلى بعض هؤلاء عن العمل السياسي، شعبنا كان قد مُثِّلَ له و مُثِّلَ به، وشوهوا له الطرق السليمة للعمل السياسي الديمقراطي الحر، وقيل له أنه الطريق الأمثل للدولة الدستورية والأنتخابات الحرة هو عملهم وحبهم للعدالة والأستقامة.
والحقيقة أن التراث الأنساني الذي فهمته دول العالم قبلنا هو أحترام تراث اللغة أحترام العرق والعنصر والأقلية ألأثنية والقومية احترام المذهب والدين وكل المعتقدات مادامت لاتدخل في حقل الأجرام وأيذاء الناس وستلاحظ أن الأنتخابات العراقية القادمة مثلاً أن قادة الكتل السياسية يسفهون ويستهزئون ويسخرون من بعضهم وفق هذا الفراغ الأنساني ويغلفون سخريتهم بأتهامات لامحل لها في العمل الوطني.
وهنا نرى أسقاط المجتمع العراقي الى أدنى درجاته في زمن تُخنق فيه أصوات الصادقين، ويتم فيه غياب وتغييب الثقافة والتعلم والتربية لنشأة المجتمع وشبابه وكبح جماح طموحهم في أسترداد عملية سياسية ديمقراطية ناجحة وتفعيلها بالخدمات والبناء الحضاري. أسقاط المجتمع وتغييب ماهو مرجو منه ومن حكومات ذات مؤسسات حازت المراتب الأولى في الفشل هو عمل غير صادق والترويج من جديد للكراهية والعنصرية وتشكيك المواطن بالمواطن وبالمرشحين مقدماً وألأعلان بعدم أمكانية أتفاق الرؤوس ( المالكي والنجيفي وعلاوي ) بأن العملية السياسية تتراوح في مكانها مهما كانت عبارات التغيير. أنه مراسيم تشييع العمل النيابي الديمقراطي الأنتخابي ليدفن قبل أن يولد، وتتوضح في اشارات عديدة منها مايتعلق بأن الجهة المقابلة لاتصلح لتحمل المسؤولية واشارات أخرى غير مفهومة فيما
يتعلق باجتثاث البعث ( انصار النظام السابق وأنصار النظام الجديد) لأبقاء العراقيين في دوامة.
وصراحة،أن قادة العراق في أمس الحاجة الى تعلم الغرض من دخولهم العمل السياسي والتوقف عن الاشادة أو التنكيل بخصومهم بحجة أنصار البعث القديم أو خصومه لتكون المحاسبة وفقاً للجرم. فالبعث أحتضر وأنتهى وقياديوه وأنصاره يريدون صنع مجد العراق وتصنيع ماتلفته أيادي أشخاص. والأنتخابات هي الطريق، وصراحة، أن أول أجتثاث لقيادات حزب البعث تمت على يد قائده نفسه في بداية تسلمه القيادة عام 1979( أجتماع قاعة الخُلد للقيادة القطرية للحزب) وسبقها وماتلاها تصفية عبد الخالق السامرائي وفؤاد الركابي والدكتور عزت الدوري والدكتور فائق التكريتي وغيرهم. ولم يكن للأنتخابات المزورة أصلاً، أي قيمة للعمل الديمقراطي المطلوب. وفي العقد الأخير من حكمه تولدَ لديه احساس تنامي الشعور الديني عند العراقيين سواء السُنة او الشيعة وبدأ يلمس سأم وملل الشعب العراقي من شعارات حزب البعث العربي العنصرية التي اصبحت مستهلكة بكثرة ترديدها، ثم أنقلاب دول الخليج العربي ومصر وسوريا ضده.
كاتب وباحث سياسي
التعليقات