ليس خافياً على أحد الاضطراب السياسي الذي تعيشه المعارضة السورية الخارجية منذ تشكل تعبيرها السياسي ممثلاً بالمجلس الوطني السوري وانتهاءً بانتخاب هيتو رئيساً للحكومة المؤقتة، إذ تشكل المجلس الوطني بعيداً عن قوى الداخل معتمداً بشكل أساسي على قوى سياسية تقليدية وشخصيات سورية نهضت من بين أنقاض الغربة.
أخفق المجلس منذ البداية في أن يكون تعبيراً وطنياً وسياسياً للثورة، فيما كانت التشكيلات المدنية تتقدم في الداخل وتحرز انتصارات مدنية وسياسية أحرجت النظام كثيراً وأفقدته مصداقيته أمام الرأي العام المحلي والدولي. هكذا كان المجلس الوطني يعيش حالة تشرذم داخلي لاهثاً وراء تعبئة الغرب من أجل تدخل عسكري مباشر في سوريا، وهو ما لم ترغب به أو تعلنه أية دولة باستثناء تركيا التي دفعت الأمور بقوة نحو تعميق أزمة النظام عبر الترويج بعدم سكوتها عن تكرار مأساة حماة أو رفضها لتجاوز المهجرين أرقاماً محددة ما دفع ببعض القوى للاعتقاد أن تركيا ستكون حليفة الدم إلى النهاية ليتضح بعد ذلك أن تركيا لم تكن كذلك وأن جل اهتمامها وتصريحاتها كانت من أجل فرض تسوية على النظام تعزز بها موقع الإخوان المسلمين الذين تلكؤوا كثيراً قبل أن ينضموا إلى الثورة منتظرين تلك التسوية التي رفضها النظام.
فشل المجلس الوطني أولاً في توحيد الجهد السياسي وفي تبني خطاب وطني يجمع كافة أطياف المجتمع، ثم في مرحلة لاحقة فشل في توحيد الجهد العسكري والاغاثي عندما تطور الأمر إلى العمل المسلح، هكذا ادعى أنه مظلة سياسية للثورة وتعبير عن إرادة الثوار إلا أنه سرعان ما تحول إلى مظلة ابتلعت الثوار وعززت مواقع القوى والشخصيات الدخيلة على الثورة وبقي يدور حول نفسة وأكلته الخلافات الداخلية فأخفق في إنجاز مؤسسة وطنية تعبر عن إرادة الشعب السوري، وهدر الأموال التي منحته الدول للثورة عبر اجتماعات وإعادات هيكلة وتوسيعات وترقيعات حملت في رحمها مولوداً مشوهاً جديداً سمي ائتلافاً عجز بدوره عن توليد حالة مفارقةحتى الان.
الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة كان امتحاناً ثانياً ولد من رحم المجلس الوطني السوري حاملاً كل أخطائه وعثراته وترعرع في غرفة انعاش وخرج منها كسيحاً محكوماً بالقوى ذاتها التي عرقلت المجلس عن أن يكون مظلة وطنية وديموقراطية، هكذا عين الائتلاف، المتشدق بكل مكوناته بالديمقراطية، ممثلي المجالس المحلية تعييناً طغت عليها المحاصصة والشللية وغابت عنها أي معايير منطقية أو تمثيلية، ولم يستطع إقناع المكونات السياسية الأخرى مشاركته وأخفق في إقناع الكرد الذين يعتبرون بيضة القبان في الأزمة السورية بالانضمام إليه، كما أخفق حتى الآن في المهمة الرئيسة وهي توحيد الجهد العسكري بحسب ما صرح به رئيسه معاذ الخطيب وبقيت عمليات الاغاثة مرهونة بأشخاص وقوى محددة تبتز الثوار في الداخل.
وبناءً عليه يطالعنا اليوم طرح جديد أو وصفة قديمة سبق أن جربها الرحم العاقر للمجلس الوطني مفادها إعادة توسيع الائتلاف عن طريق زيادة نسب التمثيل فيه معتقداً أن الكسيح يمكنه المشي بمجرد ارتداء حذاء، فيما هو حقيقة الأمر يشهر إفلاسه وترهله.
على أية حال، إن كان ثمة جدية في تفعيل الائتلاف فهي مرهونة بتوفر الارادة السياسية لديه وقدرته على إقناع جميع القوى خارج الائتلاف بالمشاركة، الديمقراطية منها كالمنبر وتيار التغيير والتحالف الديمقراطي، أو القومية والأثنية وبشكل رئيس القوى الكردية التي ما تزال حتى الآن تقف في منتصف الطريق مبدية مخاوفها التي ربما تكون محقة في بعض منها إزاء خطاب المعارضة الذي لم يخرج حتى الآن من النسق الثقافي والسياسي للنظام، ناظراً إلى الكرد كانفصاليين ومسوفاً كل مطلب يتعلق بالكرد إلى ما بعد الانتصار وراسماً الخطوط الحمراء ذاتها والدوائر ذاتها التي سبق للبعث أن رسمها ورسخها.
يبقى غسان هيتو هو صاحب المهمة الأصعب، فرغم أن الحكومة المؤقتة لم تحز على إجماع سياسي من قبل أطياف المعارضة السياسية التي وجد بعضهم فيها أنها خطوة متسرعة وفي غير أوانها وبعضهم الآخر أنها محاولة لإفشال الائتلاف ورئيسة معاذ الخطيب فيما ارتأى قسم ثالث أنها تكريس للتقسيم، إلا أنني أعتقد بضرورة دعم هذه الحكومة لأنها تشكل الحلقة الأخيرة للمعارضة للخروج من عنق الزجاجة الحلقة والأمل الأخير للمواطن السوري الذي بات يعيش حالة يرثى لها نتيجة التدهور الأمني والاقتصادي، وبفقدانه لهذا الأمل، وحتى قبله، قد يستولي عليه حنين إلى الماضي، وربما يندم على إقدامه على الثورة.
يبقى نجاح هذه الحكومة مرهوناً بجملة من القضايا أولها أن تصبح فعلاً حكومة وطنية مهنية بعيدة عن التجاذبات والمحاصصات السياسية تعمل بجدية في التنسيق بين فعاليات الثورة في الداخل بشكل أساسي وعلى الأخص توحيد وتنسيق الجهد العسكري ورهنه بيد القادة العسكريين المحترفين وربط كافة العمليات العسكرية ضد النظام بهم، وثانيهما ربط كافة عمليات الاغاثة بهيئة أو وزارة تشرف عليها مباشرة وتنظم أعمالها وفق آليات وطنية بعيدة عن تدخل وتجاذب القوى السياسية، وثالثاً إعطاء الفرصة الكاملة لهيتو ليقوم بمشاوراته وتشكيل فريق عمله من قوى الداخل وخاصة فيما يتعلق بالوزارات الأساسية، بعيداً عن التجاذبات السياسية لأنها حكومة طوارئ وتحتاج إلى المرونة وسرعة الحركة واتخاذ قرارات ميدانية تخدم المواطن السوري.
لكن وبكل أسف بيان الائتلاف حول عدد الوزارات وعدم تضمنها وزارة المالية يشي بالإفلاس، ويهدد بتشكيل حكومة تشريفات ومراسم، وبذلك تكون يا أبو زيد كأنك ما غزيت، ونكون حصدنا خيبة أمل ثالثة.
كاتب وإعلامي سوري
- آخر تحديث :
التعليقات