رافقتُ بعض الأخوة المسيحيين الى كنيستهم بمناسبة عيد القيامة المجيد يوم 31 نيسان مارس الماضي. وفي صلواتنا ودعواتنا وصلواتهم ودعواتهم ناشدنا الله أن يسود السلام وتحقن الدماء في سوريا والعراق ومصر ودول مضطربة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لاتحمل معتقداتها ألأجابة الواضحة على الأيمان quot; وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهماquot; ولا تفهم قيم الطوائف و الاخوة الأنسانية بالشكل الصحيح.
في ذات اليوم، كانت دعوات بابا الكاثوليك الجديد فرانسيس تنطلق من الفاتيكان سائلاً وملتمساً الى الله أن يعم السلام وتتوطد روح المحبة، وخصَّ بالذكر، دولة كوريا ودول المحرقة اليومية في سوريا العراق والآمل أن يسودها الأمان والسلام وتأخي الطوائف الأسلامية، ثم قام وأمام الملأ بغسل قدم طفلة عربية.
وعلى النقيض من هذه الدعوة الحنونة المباركة تتقاطع دعوات القرضاوي والعرعور وسحرة رجال الدين المسلمين مع دعوات البابا في رسالة السلام والمحبة، وتبرز توجيهاتهم في حث شباب سوريا والعراق ولبنان وتأكيد سحر القتال والجهاد والذبح. ولايكاد أي من التربويين وقادة المجتمع العارفين بأمور الدنيا والدين أن يفهموا فيما أذا كان الواجب الديني لسحرة تفسير القرآن، جمع المتطوعين الشباب من مختلف بقاع الأرض و تجنيدهم وحثهم على القتال والجهاد في سوريا والعراق ولبنان لتتعارض تفسيراتهم مع بعضها ولايُفهم منها أذا كانت دعواتهم الأثمة الملوثة برغبة الحصول على المال، القتال ضد دكتاتور يحكم سوريا، ضد نظام بعثي، ضد طائفة علوية، ضد أقليات
مسيحية أو قومية كردية ودرزية، أم أنهم بطبيعة شريرة مريضة لدعوات القتال، والوقوف الى جانب مع من يصل الى السلطة لتطبيق شريعة الله على الأرض!!
ورغم عدم معرفتي الدقيقة في بعض التفاسير للآيات القرآنية، أقول أليس ماأكرمنا الله بهذه الآية الكريمة quot; وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما..... quot; تكفي علماء الدين والمجتمع للألتزام بالحرص والواجب والمسؤولية والرشد لفض الصراع والدعوة بكل أمانة لوقف الوحشية البشرية والجرائم المرتكبة ضد الشعب السوري الذي يدفع الثمن؟
أما الحديث عن دور السلطة السورية للنظام الحالي وتربية البعث وشبيحة نظامه وجرائم قصف المدن والقرى، فأنه قد يأخذنا الى ما أرتكبه والده حافظ الأسد و رئيس بعث العراق صدام من جرائم موثقة عنصرية وقومية ضد المدنيين.
وماأسعى الى قوله هو أن صنع السلام و البناء والحفاظ عليه عمل يتقنه رجال ذو مواهب فذة في أمور رعاية الدولة ومواطنيها والتفاوض والحوار وفن الدبلوماسية وفهم عناصر نجاح السلام الذي يؤدي الى منع أقتتال المسلمين. أن صنع السلام عمل لايتوفر في أنظمة لاتؤمن بقيمة الأنسان، كما لايتقن صناعته القتلة من حملة السلاح ممن سلبوا بأرهابهم أرواح الناس في كل بلدة وقصبة ومدينة ومسحوا الحق الطبيعي للأنسان وأستخدموا حريته ومعتقداته وتوجهاته المستقبلية للسخرة في قنص أنسان آخر.
وقد لايصل مقالي هذا الى قلوب الخير والمحبة بالشكل الذي أتمناه في عالم عربي مضطرب وملوث بالأفكار الغيبية وأساطير الجنة التي تحرسها الملائكة لهم. عالم عربي لم يظهر فيه شخص مدرك واحد من حراس العدل والوعظ ومن أجتمع منهم في مؤتمرات القمم العربية، بأستطاعته أن يتفهم بحكمة وفطنة الحالة التعسة للحرب الدموية الأهلية السورية وآثارها التخريبية التي سببت تهجير ألاف العوائل السورية بلا ذنب أو أثم، ولاتزال احصائيات عدد القتلى والجرحى منهم غير مثبته وتتصاعد كل يوم. أ
ن عالم الرغبات والتمنيات والدعوات الدينية لوحدها لايؤدي الغرض الذي نحبو اليه وهناك جموع تنزح عن أوطانها قبل أن تهدر دماءها ودماء أبنائها في موجة الرعونة وغباء أستثمار الأنسان العربي وتوجيهه كسلعة رخيصة ملتصقة بمذهب ديني وينتقل بتوجيه ديني من دولة الى دولة.
سوريا دولة تحتضر. والدمار الذي يضرب سوريا، يبشر له رجال دين لم يحصلوا على الأحترام داخل بيئة أوطانهم وهللوا له وشجعوا عليه بنفس الطريقة التي هللت له فرق القتل الأسلامية وأمراء السلفية بعد كل دمار وتخريب بأن النصر آت لهم من الله. ولعل سماع الرابط أدناه يوضح الأثم والجرم الذي يرتكبه من ركب موجة سحرة علماء الدين و دعواتهم الشباب للقتال والجهاد في أرض سوريا وذبح أعدائهم بعد نجاح الثورة : http://youtu.be/JW04Vvxx0ac
وفي السياسة المفروضة على المنطقة والخطط الغربية والأسرائيلية الشرسة المتفق عليها لتدمير العالم العربي والأسلامي، لم يعد السؤال كيف أصبحنا عصابات مُسلحة في دول، أو دول العصابات المسلحة، ولم يعد سماع رجل الدين له قيمة بقدر القيمة التي يعطيها الأرهاب لتفجير مسجد أو سوق والنجاح في قتل من فيه. وما على المواطن أِلا الأنتماء و الخضوع الى أحدى هاتين العصابتين. الخوف والتهديد والأبتزاز والأرهاب هو الذي أعطى للمواطن العربي خيارين لاغيرهما: الرضوخ والمسايرة أو الهجرة ونسيان الوطن.
النظام السوري يتأكل يوماً بعد يوم لدرجة الانهيار القريب وتتزايد فيه قوات جهادية أسلامية متطرفة عاطلة عن أي عمل أجتماعي وتنطي نواياها على تأسيس دولة الشريعة الأسلامية السورية التي ينتمي أليها الإخوان المسلمين وتنظيمات القاعدة بعد أن تتم التصفيات الجسدية بينها وتشكيل قيادات منافسة. وصراحة ً، وبموجب هذه المنافسة، تم عزل و تشكيل قيادات جديدة كما جاءت بعض التصفيات مبكراً بعد تمويل قطر للمجلس الوطني للجيش الحر و تلتها خطة وضع عبوة لاصقة تحت مقعد سيارة العقيد رياض الأسعد وأنفجارها به ونقله إلى تركيا للعلاج حيث تم بتر ساقه، وأتهام الجيش الحر له وفق مصادره الموثوقة التي أزاحت النقاب عن قيام العقيد الأسعد باخفاء 4 ملايين دولار كان يُفترض صرفها على المقاتلين الثوار بأعتبارها من أموال الثورة.
الصراع للوصول الى السلام ونيله من أصعب حلقات الأختبار، والقادة الذين لايمتلكون مَلكة جمع شمل الشعب السوري كثيرون ومن المؤسف أنهم يشكلون العناصر الرئيسية في المعارضة.
لم تختمر بعد الطرفين المتصارعين المناوئين لبعضهما، والشعب السوري يدفع الثمن، أنه ليس من السهولة جمع أطراف مُلطخة أيديها بدماء السوريين للتفاوض والحوار بغرض نقل السلطة سلمياً وبهدوء والحرص على أنجاح المفاوضات باي شكل يخدم التكافل ووحدةاللحمة السورية، فالأئتلافات المسلحة أرتأءت أن توصل أشخاصاً، رغم عدم كفاءتهم السياسية والأدارية والمجتمعية الى تشكيلاتها العسكرية لتبدأ بعدها نظرية المفكر الألماني quot; نيتشه quot; في التصفية والطرد والتنظيف وعزل العناصر القديمة بعد الأنتهاء من التخريب والسيطرة على العاصمة دمشق.
تصريحات بشار الأسد لصحيفة laquo;صنداي تايمزraquo; لاتدل على قبوله للحوار والتفاوض مع المعارضة الآن، ويعني أنه قد غيّر رأيه، مع أنه لم يكن يوماً يعترف بها، ويقول في أحدى تصريحاته لصحيفة صنداي تايمز laquo;قد يفهم البعض أني غيّرت رأيي لأنني لم أعترف بالكيان الأول للمعارضة ومن ثم اعترفت بالكيان الثاني، في الواقع إنني لم أعترف بأي منهما، والأهم من ذلك أن الشعب السوري لا يعترف بهم ولا يأخذهم على محمل الجدraquo;.
نظرة رئيس النظام ألاستعلائية لا يستشف منها رؤية أيجابية للخروج من الأزمة. ثم يأتي الهم الآخر للأزمة وأستمرارها المؤسف على شكل أعلان الجيش السوري الحر عن تشكيل قيادة عسكرية جديدة يترأسها العقيد أحمد حجازي، وهي ( القيادة العسكرية لحماية الثورة)، وهي جهة تعلو الجيش الحر ولا تلغيه، حيث تضم أعضاء من الجيش الحر وسياسيين سوريين يعيشون في تركيا، وأعضاء من المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري ليكتسب الكيان الجديد شرعية ما ولاتعرف تفاصيل تشكيل قيادة التنظيم الجديد، حفاظًا على أعضائه، خاصة أن كثيرًا منهم موجودون بالداخل السوري. ثم يأتي تأكيد مستشار الجيش الحر وقوله أن تشكيل هذه القيادة الجديدة، يهدف ( لمواجهة محاولات سرقة الثورة السورية بالإعلان عن تشكيلات عسكرية لا يرضى بها الجيش الحر ولا المعارضة السورية) وهي تصريحات جاءت بعد الإعلان عن تشكيل الجيش الوطني السوري بقيادة اللواء محمد علي الحاج المنشق حديثًا عن نظام الأسد،حيث يرى مستشار الجيش الحر إن (( الجيش الحر لا توجد له صلة بهذا الكيان))، واصفًا اياه بأنه (( يهدف لتشتيت المعارضة السورية وليس توحيدها كما يدعي أعضاؤه)). الأمر الذي يراه الكثيرون من النشطاء السوريين في المعارضة السياسية أن سوريا ستواجه الدمار بعد سقوط النظام.
والهم الآخر، هو الخلافات الحالية بين من يريد الحوار مع النظام وبين من يرفضه، الى جانب الصراع الداخلي بين تنظيمات القيادات السورية المعارضة لنظام بشار الأسد وأتهاماتهم لبعضهم بان أِئتلافهم مؤقت وسيجري عليه غربلة أفكار وأضافة أو تجميد مشاركة بعض ألأعضاء المتفردين بالقرار،أضافة الى بعض القيادات الكردية و أتهامها بأنها ليست ذات عروق وأصول عربية أسلامية ولاتريد الأرتباط بدول عربية سلفية تطالب بتنفيذ الشريعة.
في وقت يجري ذبح الشعب السوري وتشريده بغباء لامثيل له، تتنافس سوريا النظام ( الأسد ) وسوريا المعارضة ( هوتو والخطيب وغيرهم ) على التأييد والتسليح الدولي وتطلبه من دول لايهمها دمار سوريا وتهجير شعبها.
ماذا يريد النظام السوري من روسيا وفرنسا والصين ( وهي الدول التي نفضت يدها عن التدخل لجمع الأطراف المتقاتلة)؟ وماذا تريد المعارضة من جامعة موظفي الدول العربية وقممها المتاجرة بالمقعد السوري ومن له أحقية الجلوس عليه لألقاء خطب عقيمة ليس لها نضج أو برنامج سياسي يحمي شعب سوريا في حللِ فوري للخروج من أزمة عربية معروفة واضحة وهو مايراه الكثيرون أن القمة العربية تنفض يدها من مهجري الشعب السوري وتعمل على تحويل معاناته الى المنظمة الدولية في نيويورك؟
ماذا تريد سوريا المعارضة وقادتها من ألتماسها تدخل حلف الناتو وتركيا ودول الخليج؟ هل أن الأطراف المتقاتلة وصلت بمعتقداتها الى حضيض العالم السياسي والأجتماعي بالمراهنة على مواقف دول لايهمها مصير الدم السوري؟ وهل وصلت الى أسفل النتانة ولم تعد تفهم بأن التعلق الشكلي بالجامعة ومقعد سوريا فيه أوالتعلق والتوسل بالأمم والمنظمات الدولية لا يشكل لأبن سوريا أنجازاً أو شرعية؟
الصوت والصدى في عالم عربي مشرذم ومقطع الأوصال، نراه في شعب سوريا الذي يدفع ثمنا باهضا لأخطاء قادته، وكل من يظن أن الأسد من جهة وهيتو والخطيب من جهة أخرى لهم القدرة والحنكة والحكمة السياسية ويصلحون لأتخاذ مبادرة سلام تضمن للشعب السوري الوقف الفوري لحمام الدم والوقف الفوري للتدمير وأحترام أرادة الجانب الآخر للبدء الفوري بمقترحات لتفاوض سليم يخدم ويصون مصلحة الشعب السوري عامةً، لابد وأن يكون قد مسه نوع من الجنون. فالقوى المشاركة ( ذات التأثير ) كانت قد تجاوزت تلك المرحلة كما أن الأطراف الخارجية غرضها أكمال دمار سوريا عسكرياً وأقتصادياً وموت مدنها وحضارتها.
نعم، الشعب السوري الجليل لم يدفع الثمن بعد، وصراخه لا يُسمع. أنها المحنة التي مررنا بها في العراق بخطأ أعطاء مصير دولنا ومؤسساتنا لقناعة ذاتية لشخص واحد وضع شعبه في جحيم 3 حروب طاحنة وأخطاء دولية أرتكبتها الأحلاف الحليفة.