على مدى عقود طويلة من الزمن يرزح الشعب الكردي في سورية تحت هيمنة سياسة بعثية شوفينية غاشمة بقيادة الأسد الأب والابن، حقبة اتسمت ليس فقط بالاضطهاد بل بإلغاء الهوية والوجود و بالإقصاء من كل ماله علاقة بشؤون البلاد، لم تكتفي السلطة الحاكمة بذلك بل تعمدت سياسة التجويع والإرغام على التبعية الاقتصادية من خلال الاستيلاء على الأراضي ومصادرتها،حكر الوظائف وإصدار قوانين خاصة بالمناطق الكردية، كل هذه الممارسات تجعل من النظام المذكور في مقدمة أعداء الكرد وينفي كل زعم بإمكانيته العدول عن سياسته الشوفينية وبالتالي تحوله الى صديق للكرد يمكن الوثوق أو الاعتماد عليه، هذا حتى لو فكّر المرء من وجهة نظر كردية صرفة وتجاهل آلام النزف الشديد التي تعانيها سورية بطولها وعرضها. ايديولوجية حزب البعث وإصراره على الغاء كافة المكونات الأخرى وأيادي النظام السوداء التي لوثت بسفك دماء الكرد قبل العرب من المفروض أن تشكل الحافز للحركة الكردية وتجعلها في صدارة المعارضة السورية وفي قيادة انتفاضتها ضد بغي هذا الحكم الشمولي. ابتعاد الحركة الكردية عن الالتحام مع المعارضة السورية يغيب ليس فقط التأثير الكردي على نهج وخطى المعارضة بل يضعف ان لم يغيب أيضا حتى أصوات من هم أصدقاء للكرد وللتعددية السياسية داخل المعارضة وتساهم في تقوية شوكة من هم مناهضين للتعددية السياسية وإشراك الآخر، هؤلاء الذين في حقيقة الأمر لا فرق بينهم وبين النظام القائم سوى سعيهم الحثيث الى تبديل سلطة بأخرى.
اليوم القرار الكردي السوري يجب أن كرديا سوريا صرفا، ذلك لن يكون ممكنا مع تواجد معظم قيادات الأحزاب الكردية في كردستان العراق. اليوم، ليس غدا يجب أن يدق ناقوس الخطر لدى الأحزاب والقيادات الكردية وأن تشعر بالابتعاد الحقيقي عن مراكز التأثير،عن المشاركة في عملية صياغة دولة سورية القادمة و بضرورة الخروج من الضبابية بل ربما من الأصح تسميتها بالميوعة السياسية التي صبغت المواقف السياسية للحركة الكردية لا الشعبية.
مرة أخرى سؤال يجب أن نصارح أنفسنا به ومن ثم شركائنا في الوطن هل نحن كردستانيون أم كرد سوريون؟
دخول الثورة السورية عامها الثالث وتجاوز أعداد الضحايا المائة ألف من أرواح المواطنين السوريين، يبرهن دون شك مدى اصرار الشعب السوري العظيم على المضي قدما في طريق العزة والكرامة وتصميمه على انتزاع حريته، بذلك يستمر في وضع المسمار تلو الآخر في نعش النظام الغاشم وقيادته المهترئة.
منذ قرابة عقد من الزمن عندما أعلن عن وفاة الأسد الأب في ما يسمى بمجلس الشعب بدأت الدمى الموجودة هناك وعلى رأسهم رئيس المجلس آنذاك ببكاء وعويل من يفقد ولي نعمته ! ذرفوا حينها دموع التماسيح، الرجل الوحيد في سورية الذي ليس بإمكان سوري آخر أن يسد الفراغ الذي سيخلفه لولا أن الله سبحانه تعالى أنقذهم بواحد من سلالته و أفسح المجال الطبيعي للرئيس الحالي ليقود البلاد، حتى يأتي أطفال درعا ويعرّفوا هؤلاء معنى الشجاعة والرجولة الحقيقية، وبأن سورية فيها ما يفوق عشرون مليونا من البشر ويستطيعون قيادة بلادهم وطنا للجميع لا مزرعة لعائلة أو فئة أو عصبة.
على الرغم من الجرح الذي لا يندمل والنزيف الذي لا ينضب في جسد الوطن والمواطن جراء تشبث الأسد وحاشيته بالسلطة وجراء مواقف الدول الكبرى التى لا ترى المنطقة الا من منظور مصالحها السياسية،على الرغم من كل ذلك نستطيع أن نقول بأن التحرر قد بدأ فعلا، فليس هناك سوري واحد في الداخل أو في الخارج الا وبدأ يعتز بنفسه كانسان لقد انتهى عهد تأليه الأشخاص ولقد سقطت الأوثان، سورية اليوم جديدة بكل شيء وبقدر ما تقوم به آلة النظام الهمجية من تدمير وتحطيم للبنية التحتية للبلاد بقدر ما تقدم في الوقت عينه خدمة تقوية روح الإباء والإصرار والتحدي عند السوريين وتمنحهم المزيد من الثقة بمسيرتهم النضالية،مصداقيتها ضرورتها وتعرّي النظام، تجرّده من آخر أوراقه اليابسة حتى بين من كانوا يوما ما من الموالين له.
الحركة الكردية في سورية عليها الخروج من تقوقعها وأخذ مكانتها في الصفوف الأمامية للحراك المناهض للسلطة مكانة تليق بالكرد كمكوّن أساسي وهام في سورية بدل الامتعاض من قرار هنا وتسمية هناك، المكان الطبيعي للكرد هو تواجدهم حيث يصنع القرار وبالتالي شركاء في صياغتها بدل الولولة السياسية التي لا تقدم ولا تؤخر في الأمر شيئا.
ستوكهولم
مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
التعليقات