بات واضحاً لشعب العراق الخديعة وسحرها اليومي التي تمارسها تكتلات عراقية تحت التسمية الرمزية quot; الشراكة الوطنية quot;، التي هي في حقيقتها شراكة التعثر والتأمر وتبادل المراكز والمقاعد وتثبيتها لمن ترك سجلهم آثار تخريبية على العراق وأهله. وبات واضحاً أن أختيارات عمل بعض قادة الكتل معوقة لأي دور خدمي أصلاحي ومضرة بأي أنجاز وتقدم يسعى المواطن لرؤية تحقيقه.

اثارت زيارة صالح المطلك نائب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ضجة وأستياء في أوساط جبهته بسفرته المفاجئة الى لبنان والأجتماع بمقتدى الصدر. وسواء سافر المطلك ووفده المرافق، حيدر الملا والكربولي الى لبنان بالطائرة quot;للسرعة المطلوبةquot; والرجوع الى بغداد ببساط سحري ونوايا أصلاح ذات البين وأقناع الصدر بتوصية من المالكي بضرورة أرجاع وزراء الصدرية الى الحكومة، أو كانت دوافعه شخصية بوعود المالكي له، منحه حقيبة وزارة الدفاع وسيلان لعابه لها، ففي كلتا الحالتين، فأن النظرة الجدية لمباحثاته الحارة مع مقتدى الصدر لم تُثمر بنتائج، وهي أصلاً وأساساً تدخل في أطار مداولات شخصية مصلحية لايمتد عمرها عادةً لأكثر من أيام وتختفي بعدها الغاية والهدف والسبب، وهي وبعلم الجميع،ولا تصب في مصلحة شعب العراق مهما تم تلميعها بالفضائيات المُسيُرة بالخديعة الأعلامية و سحرة الدين ونشرهم لشرائع سماوية جديدة.

لذا، فلن يكن مستغرباً ردة فعل قيادة الجبهة العراقية للحوار الوطني التي يرأسها صالح المطلك نفسه وبيانهم الأنذاري له بأقالته أِن لم يتراجع خلال 72 ساعة عن أتفاقاته الخاصة مع رئيس الوزراء نوري المالكي خلافًا لرغبة قادتها، والتي فُُصِل على أثرها حيدر الملا من عضوية جبهة الحوار quot; بسبب الانحراف عن الخط الوطني للجبهة وتصريحاته غير المتعقّلة وهجومه على باقي الشركاء السياسيينquot;. وقد هددت الجبهة في أجتماعها الطارئ على لسان الجميلي (أن انحراف رئيس الجبهة المطلك سببه الرئيسي رئيس حركة الحل، جمال الكربولي واشقاؤه المعروفون بعقدهم الصفقات السرية مع طهران ومخابراتها).

ولتأكيد أهمية زيارة المطلك بالدراما التي أسرع فيها رئيس الوزراء العراقي بأرسال طائرة خاصة بوفد خاص يمثل حزباً ومذهباً الى رجل دين يمثل حزباً ومذهباً، فقد أعاب عليهم الكثير حرصهم الكاذب ومسؤوليتهم المنمقة على مصلحة العراق التي تبديها الأطراف المتكالبة على الحكم والسلطة والتفرد بالقرار. وأعاب نوابهم وممثليهم وأتباعهم عليهم والقبول بالأهانة والغباء والطفولية السياسية والأجتماعية والخضوع الى زعيم حزب أو طائفة يقوم رئيسها بأعطاء التوجيهات والتعليمات الحزبية من خارج البلاد، ويحذرون ويتوعدون شركائهم بأن أيقاعهم في مصيدة الشراكة الوطنية سيأتيهم قريباً.

المصادر المقربة الى الكتل الحكومية الرسمية والمراجع والهيئات الدينية تستهجن مايطلق عليه (الأخوة والشراكة الوطنية ) التي في ملخصها ضريبة يدفعها شعب العراق بدماءه لمجموعات من سحرة علماء الدين والمذاهب. وقد جوبهت مبادرة المطلك ومقابلته الصدر بالأنتقاد والأستهجان والوعيد من داخل أعضاء قائمته، لكونها عمل من أعمال التخدير والتبخير وغش شعب العراق بأختيارات ضارة ومعوقة لأي تقدم ممثلة في أجتماعات جانبية لا قيمة لها. أضافةً، الى كونها فتح طرق جديدة للتهديد والأرهاب والتفجير والقتل والأبتزاز والتعويق والتأمر الذي يجرونها خارج المحيط الأقليمي للسلطة التشريعية المخولة، وتتم بأجتماعات غامضة وصلفة في أسطنبول وطهران وعمان والدوحة وبيروت وعواصم دول لاعلاقة لها بقرارات أدارة العراق تشريعياً وتعمل على تخريب حضارته بتغذية خلافات وقتال الوثنية والعبودية.

السكوت المطبق للمرجعيات والهيئات الدينية السنية والشيعية الأسلامية وخضوعها التام ( لهذا النوع من المسلحين وهذا الشكل من مليشيات التخريب المجتمعي وأرهابهم)، جعل من هذه الهيئات الشيطان الأخرس الآخر وجعلَ علمائها في وضع المسايرة والمشاركة والمقايضة اللاأخلاقية على صفة الأرهاب والأبتزاز، وفي حالات أخرى قامت بالتهليل للمتطرفين الذين يحملون كذباً وأدعاءاً شعارات الله أكبر. أنها الظاهرة التي أدت الى 10 سنوات من التخريب والفوضى وأعجزت الدولة من السيطرة عليها.

وهنا أرغب بالتذكير، بأن منهجية هيئات علماء الدين الحقيقية وتعاليمهم لنا ولشبابنا وشاباتنا كانت دوماً هادفة ومرتبطة بوعي أخلاقي تربوي يدخل في كل حديث متزن ملتزم ورد في رسالة الرسول الأعظم، والدخول الحالي لبعضهم حقولاُ سياسيةً ملغومة،مغلفة ومؤطرة بالأحاديث والتصريحات الغيبية عن علاقة العراق كدولة وتنظيمها الأداري لعلاقاتها مع الدول الأخرى كالولايات المتحدة، روسيا، الصين، اليابان وكوريا، وفرنسا، وتدخلهم بشؤون العلاقات الخارجية، يسيئون فيها الى أنفسهم قبل غيرهم، كما أنها أساءة للأسلام الحقيقي و يفهمه العالم المتحضر على أنه فقر فكري مضطرب وتشويش على شعب يطمح بالحياة الديمقراطية والتطور الحضاري.

لا يتقدم بلد بالسحر وفنونه، ولا بمشاركة السحرة وأزدياد أعدادهم، خاصةً أذا كان السحرة رجال دين يحملون السلاح وأفترشوا الأرض لسحر التزهد والبساطة وأسباغ صفة القدسية على أنفسهم ومايصرحون به وأثقلوا الناس بالهم والغضب وروح الأنتقام وهو مايعني الغباء السياسي والأجتماعي والأخلاقي، وأظهار طفولية سحر الكلمات، وتتملكهم رغبات التباحث والنقاش في أمور تنظيم عمل الوزارات العراقية الخدمية وتمشيتها بالزكاة والقدرة الربانية والدعاء، وتفضيلهم للمدولات والمباحثات أن لا تجري وتتم داخل وطنهم ( أرض الرافدين وربوع العراق الواسعة)، ولا في المحافظات التي أنتخبتهم ولا في المجلس النيابي المفترض في غرضه التشريعي شراكة القرارات لا شراكة المصالح وأعلان التشريعات على شعب العراق، و يفضلون رحلات الأصطياف النيابي في لبنان وتركيا وطهران رغم النصح الشعبي للتقليل منها بعد أن أصبحوا علة وعالة ثقيلة الظل على الدولة المستضيفة والعراق في عالم سياسي سريع التغير.

دبلوماسية الصدر من جهة والمطلك ومناوئيه من جهة ثانية والاشادة بشعب العراق الجائع الذي يطمح للعلم والتعلم وملاحقة التطور وبناء صرح الحضارة المخرب، لم تعد الورقة الرابحة. فلا تصريحات المطلك الخدمية لها أذن تسمع وتصدق ولا مايصدر عن الصدر من كلام، مفهوم للناس، كالنص التالي (quot;اذا كان انسحاب او تعليق وزراء كتلة الاحرار يعني تدخل امريكا فانا مستعد لأدعو الى حوار وإن كان تحت قبة مجلس الوزراء من دون الغاء التعليق لكن مشروط بالعمل الجدي لأجل امور معينة وفترة معينةquot;، داعيا الى quot;تشكيل لجنة امنية لها الشأن المباشر في قضية تأجيل الانتخابات دون ايكالها لفرد واحد، ودون اهمال مفوضية الانتخاباتquot;. ويآمل الكثير من العراقيين على فهم هذه التصريحات وخاصة عقب زيارة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي المخصصة دبلوماسياً لغرض لاعلاقة له بأنتخابات المحافظات المحلية ولن يهمه نجاحها أو فشلها.

أنها الفوضى السائدة والجهل المطبق، و الخروج تام على العمل الخيري الأنساني لعمل الهيئات والمرجعيات الأسلامية والتي يفترض مدها يد العون ومساعدة الكثرة الكثيرة من الفقراء وحثهم على التعليم والدراسة والعلم والنأى بالنفس عن خديعة وشِرك المشاركة السياسية الضالة أو المُضلِلة.

أن شعب العراق يطمح الى التكافل المصيري والوحدة الأجتماعية ويرون أنها ستكون مبادرة يمتدحها الملايين ويرتاح لها المجتمع المدني لو طلبت المرجعيات والهيئات الدينية أبعاد رجال الدين وممثليهم عن الأفتاء والتعارض مع خطوط السلطة التنفيذية السياسية وعمل الوزارت وموظفي الدولة وأدارات الجامعات ومصلحة العراق، والنأي بالنفس والأرادةعن التصريحات الشاذة وخروجها عن طابعها الديني الأنساني المُبشر بتربية الأنسان وتحسين مداركه العلمية ومعتقداته الخاصة، وربما نصحهم أيضاً، بأنهم quot; ليسوا علماء ولايبتون للعلم بأي صفة مُعرّفة أو مَعروفةquot;.

باحث وكاتب سياسي