تدهور الأحوال في بلدي سوريا أصبح يخيف العدو قبل الصديق، ولكن الخوف يختلف في مضمونه واتجاهاته، تصعيد العمليات العسكرية والتطرف الديني المذهبي المستورد إلى سوريا بازدياد مستمر، والمزيج العجيب الذي صُنع من الحالة الأفغانية والصومالية والعراقية والسلفادورية، كلها معاً، وخلطها مع حالات أخرى غيرها من الدول التي خاضت حروباً أهلية، مذهبية، دينية، سياسية، عسكرية، ومافياوية، خلق نموذجاً جديداً من الحروب الطاحنة، الذي لم يرحم لا الطفل ولا المرأة، لم يرحم الإنسان بمعناه ومحتواه.. حرباً طاحنة خلقوها وخلقوا معها مصطلحاً سيستعمل في حروب قادمة، quot; السورنة quot;.. فتم تحضير هذا المزيج بحرفية وبحنكة لم يسبق لها، ووضِع داخل صندوق العجائب السورية، وجُمل بشعار يدغدغ مشاعر كل مواطن يحلم بالحصول على أقل قدر من حقوقه، شعار quot; الحرية والديمقراطية quot; هذا الشعار الذي يدعونه ويزعمونه، وفي الحقيقة، هم لا يريدونه لنا.. هذه الحرية والديمقراطية التي صنعوها خصيصاً لسوريا وغير سوريا من العرب، والبسوا كل بلد على مقياس اختاروه حسب عرض وطول ومؤهلات هذا البلد أو ذاك.. ولا تجد أي وجه مقارنة ما بين الحرية والديمقراطية التي يتمتعون بها، أو لا يتمتعون بها حتى، وما بين ما صنعوه وما صاغوه لهذه المنطقة، ويرفضونه رفضاً قاطعاً في بلادهم..

quot; راح البلد quot;..quot; راحت سوريا quot;...
ما تسمعه اليوم بلسان حال السوريين، في النقاشات والجدالات الجارية فيما بينهم، إن كان في الخارج المجروح أو الداخل المحطم المدمر، معارض كان أم مؤيد، مثقف كان أم مواطن بسيط، تسمع كلمتين في بداية الحديث وفي نهايته، quot; راح البلد quot;..quot; راحت سوريا quot;... ولا أحد يختلف على هذا، مع الأسف، بل الكل متفق.. ولو لمرة واحدة..
مأساة لا يعرف بها ولن يفهمها إلا السوريون..

في مقالات سابقة تكلمت عن المبعوثين الدوليين وتتاليهم واحد تلو الآخر وعن ارجحية استمرار هذا الأمر، وعن المعارضة ومشتقاتها، حيث بات الجميع يعرفها، وليس هناك من داعي لذكرها ولكثرتها بالحقيقة، وتكلمنا عن مدى شرعية تمثيل أطراف معارضة معينة للشعب السوري، التمثيل quot; الوحيد quot;، وعن ثقتنا باستمرار هذه اللعبة بتشكيل مجالس وطنية وائتلافات، وقوى معارضة سورية جديدة، وحكومات انتقالية، بغض النظر عن التسميات، المهم هنا التبعية والطاعة، وإلا !!.. وذكرنا أنهم سيدفنون ما شكلوه إن كان في اسطنبول أم الدوحة أو في غيرها من الدول، وسيدفن ما سيشكل فيما بعد إن لم تقدم الطاعة، وسيتم تغيير أسس اللعبة على أساس التحولات والتغييرات على أرض الواقع، وعلى أساس اختلافات أو اتفاقات اللاعبين الأساسيين أو القوى العظمى وquot; كومبارساتهم quot;، وقلت أن هناك أشخاص يُجهَزون، وهناك وجوه جديدة سوف تظهر وتخرج على الساحة السياسية، وجوه غير معروفة للشعب السوري، وها هو شخص جديد ينزل quot;بالبراشوتquot; من حيث لا ندري، لا بل ندري جيداً، ويصبح رئيساً لما سموه quot; حكومة انتقالية quot;، تشكلت بالطريقة نفسها، وهنا اتكلم عن السيد quot;غسان هيتوquot;، الذي لم يسمع عن اسمه وحتى لم يسمع صوته منذ بداية الصراع، على الأقل ليس معروفاً للأشخاص البعيدين عن الساحة السياسية، وللمواطن السوري البسيط، وأيضاً للكثير من المعارضين السوريين والذين قدموا استقالاتهم، على هذه الخلفية، معترضين على الطريقة التي انتخب بها، لا بل على الطريقة التي فرض بها هذا الشخص على المعارضة، ومعارضين تشكيل هذه الحكومة الغير توافقية، وها هو اليوم الشيخ أحمد معاذ الخطيب يقدم استقالته أيضاً، وقبله جاء رفض الجيش الحر، الاعتراف quot; بهيتو quot; وما سموه بحكومة انتقالية..

السؤال يراود كل سوري، من هو quot; غسان هيتو quot;، وما هي خلفيته السياسية، ومن يمثل؟.. وهل هو مرسي جديد لسوريا؟..
أهو رفض لشخصية السيد quot; هيتو quot; أو رفض الطريقة التي فرض بها على المعارضة؟..
أم فرض (( الإرادة القطرية )) على سوريا وعلى ما يجري في سوريا، فرضت نفسها مرة ثانية؟..
هل لغسان هيتو الحق بتمثيل سوريا في الجامعة العربية؟.. مع العلم أن الجامعة العربية لا تقدم ولا تأخر، ولكن بكل الأحوال السؤال يطرح نفسه، وفي نفس الوقت تعتبر لعبة سياسية لسحب الشرعية العربية الكاملة من النظام السوري..

إن هذه الحكومة غير التوافقية التي شُكلت بأيدي من تزعم دعمها المعارضة السورية، واليوم جزء ليس بقليل من هذه المعارضة نفسها تحارب هذه الاطراف، هل تمثل الشعب السوري؟..
مرة أخرى يلعبون بالسوريين وبمصير السوريين، ولا يأبهون للدم السوري، ولن تتوقف هذه الالعاب إلا بلحمة السوريين وبوحدتهم، وخروجهم من هذه اللعبة القذرة التي ستنهي سوريا وشعب سوريا ووجود سوريا ومحبة أهلها لها.. أن تصل متأخراً أفضل من أن لا تصل أبداً، فلا يعرف سوريا ولا يفهما إلا السوري، أبن ذلك الوطن quot; سوريا quot;..

[email protected]