بدأت تتشكل فكرة واضحة لدى معظم الناس عن طبيعة quot;الأناquot; الضخمة التي تصيب معظم السياسيين؛ فحب الوطن بالنسبة لهم هو قناع فعال لتبرير الأخطاء الكارثية التي يرتكبونها بحق البلاد. والحقيقة أن مصالحهم الشخصية هي الاستثناء الوحيد عندما يتغنون بحب الأوطان. ومثل هذا الشعور يتعزز لديهم لإيقانهم بغياب العقاب.

كلنا يعلم أن الأردن يمر بأزمة خطيرة، ومعظم قرارات الساسة الداخلية والخارجية تقودنا إلى الانهيار، وعلى ضوء هذه السلسلة الطويلة من الأخطاء، خرجت آلاف المسيرات المطالبة بالاصلاح منذ أكثر من سنتين، لكن لم تتقدم الدولة خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح، ويثار هنا سؤال جوهري حول مدى ملائمة مطالب المسيرات مع سياسات التكيف لدى السلطة التي تستغل وعي الشارع لعواقب التعمق في المظاهرات.

لكي تتحقق الاصلاحات السياسية والاقتصادية، لا بد لها من بيئة خصبة هادئة، لكن تفاقم الأزمة السورية، أدى إلى خلط الأوراق، وأصبح الأردنيون أمام ما يربو على مليون لاجىء سوري؛ ينتشرون بين الناس، ويستنزفون كل المصادر الشحيحة مشكلين خطراً كبيراً على المجتمع؛ ابتداء من ارتفاع نسبة الجرائم بشكل غير مسبوق، وانتهاء بتفشي الأوبئة حيث لم يكن يتوفر للسوريين في بلادهم نظام حماية صحي ضد الأمراض السارية والخطيرة.

اليوم، السيناريو الأفضل هو أن تهدأ الحراكات الشعبية، وتعيد ترتيب أولوياتها، بحيث تركز على الأزمات الاقليمية وخطورتها على الأردن. وأرى في هذا السياق ضرورة ابرام اتفاق مؤقت مع السلطة المتعثرة، من أجل اتخاذ مواقف حاسمة تجاه كل تبعات الأزمات الاقليمية. بالإضافة الى ذلك يجب أن يقف كل مواطن أردني يُقر بمواطنته إلى جانب المنظومة ككل ريثما تنتهي الأزمة السورية تحديداً وتتضح معالمها تماماً.

في سياق متصل، هناك غموض بشأن الموقف من فلسطينيي سورية، حيث أن مقاتلي المعارضة يصرون على اقحام أهل المخيمات من الشمال إلى الجنوب في الحرب من أجل تشريدهم، خاصة في مخيم اليرموك. وبما أن الفلسطينيين يدركون اللعبة الخطيرة والمؤامرة على حق العودة، فهم يصرون على تحمل أقسى أنواع الضغط من أجل البقاء في أماكنهم، لكن إلى متى سيتحملون في ظل هذا الصمت العربي والدولي؟

تكمن الخطورة هنا في لجوء فلسطينيي سورية إلى الأردن قسرياً، ومن ثم استحالة اعادتهم إلى سورية كباقي السوريين. ولن تستقبلهم سورية لاحقاً -بصرف النظر عن النظام الحاكم- فهم ليسوا سوريين. أي قد نستيقظ على 600 ألف فلسطيني في المخيمات الجديدة. صحيح أن الأردن منذ وقت طويل هو بالفعل وطن بديل (بمفهوم أولي) حيث أن نصف السكان هم من الفلسطينيين، لكن الأردن هذه المرة سيعيش حالة غير مسبوقة من الشعور باستحقاق الوطن البديل أمام كل هذه التركيبة من اللاجئين.

لقد أصبحت بوادر الحرب الدولية على سورية واضحة، خاصة بعد جلوس معاذ الخطيب بدلاً من بشار الأسد مع القادة العرب في مؤتمر القمة، وحتماً سيشارك العرب بها، حيث أن quot;هيكل المعارضةquot; أصبح هو الدولة الجديدة، وبات لزاماً عليهم الدفاع عنه ضد النظام السوري، وضد المتشددين الإسلاميين لاحقاً. وهنا لابد من موقف أردني صريح بشأن الحرب، خاصة مع تزايد المخاوف من صعوبة ضبط مليون سوري خلال الحرب، اضافة إلى المخاوف من انتقال عدد كبير من مقاتلي القاعدة إلى الأردن.

الآن، يجب فرض حالة الطوارئ، وعلى الجميع دون استثناء تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية، والقانونية، والاتفاق على هدف واحد مشترك، وهو الحفاظ على البلاد.


[email protected]