الجزء الثاني

تطرح الحركة الثقافية أفكاراً متناقضة، وجهت وتوجه الحركة السياسية إلى طرق ودروب متقاطعة، غير واضحة للجهتين، البعض لا يزال مستمراً في ترسيخ ثقافة الحرب الكلامية، الخالية من النقاشات الفكرية الحضارية، وبلغة غير أدبية على الساحتين الثقافية والسياسية، ويعمقون الصراعات الجارية، والمواقع الإلكترونية الكردية لا تخلوا يوماً من مقالة هنا وهناك من تهجم وانتقادات لاذعة شخصية، إلى درجة أن السياسيين والحزبيين انفسهم لا يصلون بصراعاتهم حدود ما تصل إليه الحركة الثقافية الكردية، من خلق النعرات وإثارة المعارك السياسية، كما وأن الأغلبية في الحركة الثقافية يحملون في ذاتهم مفاهيم السلطة الشمولية، ويطبقونها في كتاباتهم وتهجماتهم، أوسع بكثير من الاحزاب السياسية الكردية التي خلقت وتربت على شمولية الفكرة وإلغاء الآخر المنافس، وعليه نجد أن معظم الكتاب لا يتقبلون الآخر المنافس لهم فكراً أو توجهاً سياسياً، وكثيرا ما تسيطر على كتاباتهم أسلوب التهجم إلى حد التخوين وألغاء الآخر، بل وأنهم لا يقبلون الطرف الثالث في هذه المعادلة، فإما معي أو ضدي، والأصعب فيها هو أنهم لا يبحثون عن نقاط التفاهم، بل يطرحون وبشكل دائم نقاط الإختلاف بأبعد مسافاتها.

والغريب في كل هذا أنهم بذاتهم ينقدون التاريخ الكردي السابق المتلاطم، ويتهمون الأجداد لأنهم لم يتفقوا، وكانوا في صراع دائم يوم كانت الظروف ملائمة لبناء كيان كردي، وهم الآن وفي هذه الظروف رواد حركة الإنشقاقات والصراعات وخلق المعارك السياسية بأقسى شرورها، يطالبون الجميع بالتلاحم وترك الخلافات وهم بذاتهم يخونون جهات على حساب جهات أخرى، علماً بأن الكل الحزبي كانوا ولا يزالون يأخذون أوامرهم من خارج جغرافية كردستان الغربية، ولا تتجه الحركة الثقافية إلى توضيحها، بل يزيدونها تبعية، وهم يجب أن يدركوا قبل غيرهم بأنه وبسبب هذه العوامل الموضوعية والأجندات الذاتية الخارجية، خرجت العديد من التحالفات السياسية بين الاحزاب، وانتقلت بعضها من تحالف إلى آخر، إلى درجة أن البعض منهم ينتمي إلى ثلاث تجمعات، لكل منها هيئة وقيادة.

ليس هنا المطب، المشكلة عدم قدرة الحركة الثقافية على أعطاء تحليل لاسباب ظهور هذا الخلط، وهذا الإنفصام في حزب واحد، وسكوت الكتاب على بعض الجهات وأتهام جهات أخرى، أعتماداً على نظرة أو تحليل أو رغبة ذاتية وليس رؤية موضوعية للواقع الكردي، وبمحتوى وطني قومي أوسع من المجال الحزبي، والتي أدت إلى الإنحياز المخالف لمنطق المثقف الواعي، فتندرج هذه الاعمال إلى تفتيت النضال وتقزيمه، وغياب وحتى ضياع الغاية السياسية الوطنية على حساب الحزبية، وكل ذلك بدون رادع فكري حضاري ديمقراطي. لا شك، إن أطراف من الحركة الثقافية استطاعت أن تعري البعض من المفاهيم لدى قادة الحركتين، وتكتيك الأحزاب، وكانت لغرف البالتاك الكردية، مع مشاركة العديد من المثقفين المستقلين، دور في توضيحات عديدة، رغم المواجهات البشعة التي واجهتم من قبل الأحزاب، إلى حد الاستهتار بالشرف الشخصي للبعض من روادها، مع ذلك قدموا الكثير وأثاروا العديد من القضايا المهمة، ونبهوا قدر الإمكان، إلى أخطاء الحركة السياسية وأسباب تراجعها وخلفيات الإنشقاقات، والسيطرة الانفرادية لبعضهم.

لكن النتيجة الحاضرة، دون مستوى القضية في زمن الثورة السورية، فلا يزال التشتت في مواقف الحركة الكردية، في الوقت الذي استطاعت فيها المعارضة السورية من لملمة اشلائها الى حد ما، ووضع دساتيرها المؤقته، وتكوين مؤسساتها بدون مشورة الحركة الكردية، وذلك لأن الحركتين الكرديتين الثقافية والسياسية مشغولة، بتقزيم بعضهما البعض، وتخوين المخالف فكراً أو تكتيكا أو استراتيجية، وفي الطرف الآخر تهميشهما معاً للشباب الثوري.

تهافتت إنتقادات الكتاب والمثقفين على الشباب الثوري، وحاولوا قيادتهم لا توجيههم. مثلما منعتهم الآطراف السياسية من ريادة الشارع، وكثفت النشاط لعزلهم عن قيادة المسيرات الثورية، أدت ذلك إلى ابعادهم عن الساحة النضالية، ونبذهم، ومن ثم تهجير الأغلبية إلى خارج المنطقة الكردية، وبها قضوا على الكثير من امكانيات وقدرات الشعب الكردي على المعارضة السورية.

والنتيجة هجرة أكثر من ثلث الشعب الكردي إلى الخارج، ومعظمهم من الشباب الثوري، أي أفراغ الجغرافية الكردية على حساب هجرة معاكسة قادمة من خارج المنطقة. والقرار الأخير الصادر تحت أسم الهيئة الكردية العليا، بمنع الهجرة أو تحديدها، صائب بمجمله، لكنها تأتي بدون دراسة لخلفية الهجرة والتي لأطراف من الحركة السياسية الكردية وأخطائها على أرض الواقع دور فيه، ووقف الهجرة يجب ان تحصل بدون أرضاخ، كما كانت تفعلها الدول الأشتراكية سابقاً، بل بنشر الأمان والأستقرار، وخلق الثقة بين الشعب بالقوى المسيطرة على المنطقة.

تتزايد هوة الصراع بين الحركة الكردية، تشتت قوتها وتضعف في الداخل والخارج، تتناقص الإهتمام بالقضية الكردية ومطالبهم القومية والوطنية من قبل المعارضة السورية عامة والدول المعنية بالثورة السورية. تنعدم ثقة الشعب بوجود أمان في ظروف الصراع الكردي ndash; الكردي، وإذا استمرت مسيرة الحركة الكردية على هذا الدرب فإنها ستؤدي بالكرد في كردستان الغربية مستقبلاً إلى الواقع القديم حيث المطالبة بحقوقهم بنفس الاسلوب الماضي، في الوقت الذي كانوا فيه على أبواب تحقيقها بذاتهم دون استجداء.

الولايات المتحدة الأميريكية

[email protected]