في المفاوضات التي جرت قبل عام من الآن مع احدى المجموعات المسلحة التي اختطفت، غدرا وغيلة، القيادية الكردية quot;نوجين ديريكquot; في حلب، اشترط أحد مسؤولي تلك المجموعة على الجانب الكردي عدة شروط، كانت على الشكل التالي: عدم رفع الاعلام والرموز الكردية في عموم منطقة عفرين، واغلاق المدارس التي تٌدرس باللغة الكردية، وحل (وحدات الحماية الشعبية) وازالة السيطرات والحواجز، وquot;الانخراط في الثورة السوريةquot;، والاكتفاء برفع quot;علم الاستقلالquot;!. بمعنى استبدال سوط نظام بشار الأسد بسوط المعارضة المسلحة!. ومن الواضح ان الطلبات كانت تركية صرفة، تمت صياغة بنودها من وحي توصيات مجلس الأمن القومي التركي (MGK)، وهذا لن يمر على كل حصيف متابع. اما في حال رفض هذه المطالب/الاملاءات فان هذه المجموعة ستنفذ حكم الإعدام في الأسيرة الكردية. فكان الرد الكردي كالتالي: نحن لن ننفذ تلك المطالب، ومستعدون للحيلولة دون حدوث ماتريدونه تقديم 10 آلاف شهيد، وquot;الرفيقة نوجين ديريكquot; ستكون أول هؤلاء الشهداء! منذ انطلاقة الثورة السورية قبل أكثر من عامين وحركة حرية كردستان تستعد للحظة الحاسمة وهي تحرير كل مناطق (غربي كردستان/المناطق الكردية في سوريا) من سيطرة النظام السوري، وكذلك الحيلولة دون توغل مجموعات المعارضة المسلحة الممولة من قبل تركيا في تلك المناطق والتمدد فيها. فكانت هناك جهود جبارة سابقت فيها هذه الحركة الزمن، من اجل تنظيم صفوف الشعب الكردي وتوطيد مشروع (الادارة الذاتية الديمقراطية/الحكم الذاتي/الفيدرالية...) على الأرض، وبناء قوة عسكرية قوامها عشرات الآلاف من الشابات والشباب المدربين، لرد العدوان وحماية المناطق الكردية من كل عدو غدار. ورغم الصعوبات والأخطاء التي ظهرت هنا وهناك، في مجتمع لم يمارس هويته، ولم يتعرف على الديمقراطية الحقيقية، وظل مغيبا من جانب سلطة ديكتاتورية عنصرية طيلة نصف قرن، الا ان النجاحات كانت كبيرة، وهو الامر الذي دفع باعداء الوجود الكردي في الخارج والداخل الى الاسراع في الانقضاض عليها لتخريبها، فكان في البداية حملة التشويه والاساءة باعتبار كل تلك المنجزات لم تكن لتتم لولا وجود quot;ضوء اخضرquot; من النظام المجرم في دمشق. وكانت مركز تلك الحملات تركيا، وبعض مجموعات المعارضة المرتبطة بها والتي تأتمر بأوامرها (اضافة الى تشكيلة واسعة من المعارضين والمثقفين القوميين واليساريين والإسلاميين، منهم عن قصد فرضته سوء الطويّة، ومنهم عن جهل وقلة دراية بالواقع الكردي)، كما شارك فيها البعض القليل من الرهط المفلس من ابناء الكرد من الحاقدين على حركة حرية كردستان، ومن الباحثين عن مقعد لدى اطراف المعارضة المرتبطة بتركيا. واستمرت حملة التشويه تلك الى ان ادخلت الدولة التركية المجموعات المسلحة المرتزقة الى مدينة quot;سري كانيه/رأس العينquot; السورية الشمالية، من اجل تخريب الواقع الكردي الجديد في محافظة الحسكة، فكان الاصطدام مع (وحدات الحماية الشعبية) والتي ابلت البلاء الحسن، متسلحة بخبرة 30 عاما في حرب العصابات والتكتيكات العسكرية الميدانية. وتكبدت المجموعات المرتزقة خسائرا كبيرا رغم الدعم العسكري واللوجستي التركي المباشر لها، وخسرت المئات من عناصرها ممن قتلوا او اخرجوا من معادلة الميدان جراء الجراح التي اصيبوا بها. يقول الدكتور quot;إيهان ترفانquot; مدير المشفى الحكومي في مدينة quot;سري كانيه/جيلان بنارquot; في الجانب التركي بانهم اسقبلوا 800 مصاب من المسلحين وquot;المدنيينquot; خلال المواجهات بين المجموعات المسلحة والقوات الكردية في مدينة quot;سري كانيه/رأس العينquot; في الجانب السوري ( تقرير بعنوان: السلام الهش في المناطق الكردية السورية، نشرته اسبوعية {دي تسايت} الألمانية بتاريخ 04/03/2013). وهذا يعني بان المجموعات المسلحة قد تعرضت لضربات قاصمة شلت قدرتها على القتال ومتابعة مخطط ما تسمى ب(جبهة تحرير الجزيرة والفرات) التي شكلتها المخابرات التركية، وضمت اليها بعض quot;المعارضينquot; و نفر قليل من رؤساء العشائر العربية ذوو الولاء السابق للنظام السوري، في احتلال كل بلدات ومدن محافظة الحسكة واذلال الارادة الكردية الحرة( للأنصاف: انشق الكثير من الشخصيات العربية عن هذه quot;الجبهةquot; حينما تأكدوا من الأهداف الخبيثة للحكومة التركية من وراء تشكيلها). لكل ذلك لم يتم. لقد كانت حركة حرية كردستان الأسرع في التحضير لرد كل عدوان محتمل من جانب تركيا وعملائها في المعارضة المسلحة، بينما كان غيرها من البعض الكردي يهتف quot;العتاباتquot; وquot;الميجاناquot; وquot;السكاباquot; تحت علم quot;الاستقلالquot;، تدفعهم السذاجة وقلة الخبرة في عالم السياسة للتصور بان سوريا ستتحول الى جنة تجري تحتها أنهار من السمن والعسل قريبا، وستعترف المعارضة الممولة من انقرة ومشيخات الخليج بquot;الفيدرالية الكرديةquot; وquot;بحقوق الشعب الكردي على أرضه التاريخيةquot;! ارادت حركة حرية كردستان ان تتوحد القوى الوطنية الكردية في سوريا تحت راية واحدة وهي (الهيئة الكردية العليا) والتي تشكلت في أربيل بحضور مسعود البرزاني رئيس اقليم جنوب كردستان( كردستان العراق) ورعاية من حكومة الاقليم والأحزاب السياسية هناك، فكان هذا الاطار ورغم العديد من العثرات والمثالب، واجهة للعمل المشترك في مناطق غربي كردستان، وممثلا عن الكرد في المحافل الدولية. لقد اعلنت ( وحدات الحماية الشعبية) ولائها لهذه الهيئة، وكان ذلك خطوة جيدة حاول الكرد السوريون من خلالها تفادي التجارب السلبية الأولية لأخوتهم في اقليم جنوب كردستان: حيث قوات البيشمركة تابعة لحزبين سياسيين رئيسيين والمعابر الحدودية/الجمركية تٌدار من الأحزاب المسلحة وتٌخضع لها، وهو ما أدى الى خصامات واقتتال اسفر عن مقتل الآلاف من الكرد وتقسيم الاقليم الى ادارتين. فقد اعلنت القوات الكردية السورية ولائها لاطار سياسي جامع معين، بينما وضعت المعابر الحدودية/الجمركية تحت اشراف هذا الاطار، وشارك في الاشراف على الواردات مندوبين من كل الأحزاب السياسية الكردية. حتى الآن نجحت (وحدات الحماية الشعبية) في تشكيل قوات مدربة يزيد تعدادها على 30 ألف مقاتلة ومقاتل، أصبحت باعتراف مراكز الدراسات الاستراتيجية الدولية القوة الثالثة في سوريا بعد جيش النظام ومجموعات quot;الجيش السوري الحرquot; ( يٌنظر في هذا الصدد آراء الدكتورة مورييل أسبيرغ، الباحثة في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمن)، وهذه القوات قدمت حتى الآن في المواجهات التي وقعت مع المجموعات المسلحة في quot;سري كانيه/رأس العينquot; ومع جيش النظام السوري في الأحياء الكردية في حلب، وفي مدينة قامشلو، حوالي 40 شهيدا. ودلت طريقة ادارتها لمواجهات الشوارع على خبرة عالية تزداد مع كل اشتباك جديد. تقوم استراتيجية حركة حرية كردستان وحزب الاتحاد الديمقراطي على خلق واقع كردي في سوريا يفرض نفسه على اطراف الحرب الداخلية: على النظام والمعارضة المسلحة على السواء. بمعنى خلق واقع يكون فيه الكرد قوة ثالثة موجودة لايمكن تخطيها أو فرض الإملاء عليها، بل محاورتها من منطلق الند وقبول الحقوق والهوية الكردية في سوريا الجديدة تحت ضغط ميداني ووجود حقيقي وفعّال على الأرض. القوات الكردية لم تتراجع أمام هجمات المعارضة المسلحة، وكذلك ردت بكل اقتدار على اعتداءات جيش النظام وكبدته خسائرا كبيرة. ونتيجة لهذه القراءة الاستراتيجية الثاقبة، فأن الكرد في سوريا تحولوا الى رقم صعب لايمكن تخطيه أو اهماله حين الحديث عن مستقبل الوطن السوري. على الصعيد الاقليمي: بدأت القضية الكردية في كردستان الشمالية ( تركيا) تتحرك باتجاه الحل السلمي، حيث كان للحراك الكردي السوري الدور الأكبر في رجحان كفة الحوار لدى حكومة حزب العدالة والتنمية التركي على كفة الحرب والقمع. فهناك في سوريا واقع كردي جديد وقوات مسلحة يزيد عدد مقاتليها على عدد مقاتلي قوات حزب العمال الكردستاني بعشرة أضعاف!!. ودفع هذا التطور الجديد النظام السوري إلى زيادة قمعه في المناطق الكردية فقامت قواته بقصف الأحياء الكردية في حلب، واعتدت شبيحته وعناصر استخباراته على حواجز القوات الكردية في قامشلو. وكان رأس النظام بشار الأسد قد حذر حين استقباله وفدا من المعارضة التركية من quot;سيطرة حزب العمال الكردستاني على شمال سورياquot; وامكانية quot;الانفصال وتشكيل اقليم كردي مستقل على الحدود التركيةquot;!. وهو تصريح تخريبي يهدف الى صب المياه في طاحونة المعارضة التركية العنصرية الرافضة للحوار الحالي بين حزب العمال الكردستاني وحكومة حزب العدالة والتنمية. الأيام القادمة ستشهد المزيد من التصعيد على جبهة النظام السوري تجاه الكرد في سوريا. قد يستعين النظام بسلاح الطيران لقصف المدن والبلدات الكردية في شمال البلاد، وهو مايتطلب من القوات الكردية ومن (الهيئة الكردية العليا) الاستعداد والتحضير له جيدا. والمطلوب من كل المجموعات التي كانت تنادي بضرورة مواجهة النظام السوري عسكريا في المناطق الكردية، المشاركة في المعركة لا الاكتفاء باصدار البيانات من فنادق دول الجوار ودول الغرب. وعلى الصعيد الداخلي يجب تقوية الروابط بين فئات المجتمع في المناطق الكردية من سريان وآشوريين وأرمن وعشائر عربية. وهذه الروابط بدت قوية بعد تصدي القوات الكردية للمجموعات المسلحة في quot;سري كانيه/رأس العينquot;، وكان بينها عناصر أجانب من quot;القاعدةquot; عاثوا تخريبا في كنائس البلدة وسرقوا مخازن الحبوب والمباقر، وقتلوا العشرات من المواطنين العرب الذين دافعوا عن قراهم ومحاصيلهم في وجه حملات النهب والسلب. بينما كانت تتصدى لهم القوات الكردية وترد عن المسيحيين والعرب جرائم هؤلاء القادمين من وراء الحدود، وهو ما أدى الى تزايد شعبية هذه القوات بين المواطنين المسيحيين والعرب ( انظر تصريحات المطران متي روهم، مطران الجزيرة للسريان الأرثوذكس لفضائية quot;روناهيquot; الكردية). هناك واقع ايجابي يجب استغلاله لسد كل الثغرات التي يمكن ان يدخل منها النظام السوري وغيره من القوى المعادية لأخوة الشعوب والعيش المشترك لتخريب واقع محافظة الحسكة. تقوية الجبهة الداخلية في المناطق الكردية والمزيد من الثقة في (وحدات الحماية الشعبية) هو ضمان الخروج من الأزمة الحالية بأقل الخسائر، وهذا يتطلب العمل من الجميع: كردا وعربا وآشوريين/سريان وأرمن وبقية المكونات الدينية والقومية...
- آخر تحديث :
التعليقات