رغم كل سنوات الجدب التي مرت بكوردستان الجمال والحياة والإصرار على التميز والتألق، إلا أنها بمجرد أن حققت ذاتها بعد انتصار انتفاضتها في ربيع 1991م، بدأت تألقها واختياراتها المدنية في التطور، رغم تحديات كبيرة واجهتها وأدت إلى إشعال حرب داخلية كادت لولا العقلاء والحكماء من شعبها أن تحرق الاخضر واليابس، لكي تنطلق وهجا يديم شعلة كاوه التي أضاءت سبيل الحرية أمام الملايين، وما تزال تضيء دروب التقدم والبناء في كوردستان اليوم التي غدت نموذجا للبناء والأعمار والتقدم والإخلاص.
ليلة أمس شاهد عشرات الملايين من المشاهدين في الشرق الأوسط، واحد من أشهر برامج التلفزيون على إحدى قنوات شبكة MBC الشهيرة وهو برنامج ( عرب آيدل ) للسباقات الفنية، الذي تألقت فيه الفتاة الكوردستانية برواز حسين في أجمل فقرات البرنامج، وتميز هذه الموهوبة من جيل الانتفاضة التي عاشت أنسام الحرية والإصرار على تحقيق الذات الذي كان واضحا في أدائها المغمس بالتفرد والإحساس العالي المعبق بالتواضع والحياء والإبداع القادم من بلد الجبال والجمال، يعكس هذا الإصرار على الانطلاق إلى آفاق التقدم والنجاح رغم أنها لم تكن تجيد لغة البرنامج العربية إلا أنها نجحت في توليف لحن عربي ونص كوردي، لتكون فعلا مدرسة إحساس كما وصفتها الفنانة الخليجية أحلام، وهي تعبر عن أدق مشاعرها في الحان عربية وكلام كوردي يصنع نسيجا رائعا للتلاحم الإبداعي عربيا وكورديا، بما يخلق مشهدا متميزا من الأداء الفني لشابة لا تجيد العربية لكنها تجيد الصدق في الإحساس واللحن وصناعة الجمال والإبداع بلغة إنسانية
هي الأرقى والأجمل، تلك هي لغة الفن في أشكالها الرائعة لحنا وموسيقى.
برواز حسين زوجة شاب كوردي من اربيل وفنان متعدد المواهب، عرفته مصورا تلفزيونيا كان يقف وراء الكاميرا التي تصورني حينما كنت أقدم برنامجا حواريا في فضائية كوردستان، انتابني ذات الشعور الذي انتاب المحكمين الأربعة لبرنامج عرب أيدل وهم يشاهدون برواز حسين، كنت اشعر إن وراء هذا الشاب عالم من الإبداع والتفرد في انهماكه بالتصوير ونقل البرنامج على الهواء مباشرة، أحسست فعلا بصدقه وإخلاصه وحرصه، كان يترك الكاميرا لينتقل إلي لينظم اتجاهي وحركة حواري مع الضيف، وكم من مرة اختلف مع المخرج والمنفذ لأنه كان يحتوي على كم هائل من الإبداع المعدد الأشكال، انه الفنان المبدع كروان صالح الذي أصبح من أشهر المطربين الشباب في كوردستان رغم صغر سنه!
حقا أنه الإنسان في تطوره النوعي وأدائه المهني، وفعلا أنها كوردستان في خيارها الأهم بالتنمية البشرية منذ غادرت القيود والقهر، تنهض متألقة في بناء الإنسان وصناعة الحياة واعمار الأرض، وها هي بأقل من عقدين من الزمان حققت ما عجزت عنه كل حكومات العراق طيلة ما يقرب من مئة عام منذ تأسيس الدولة وحتى يومنا هذا!
كان الفقر يتجاوز أكثر من نصف سكان الإقليم قبل عشر سنوات فأصبح اقل من سبعة بالمائة اليوم، وكانت الأمية تقترب من ثمانين بالمائة فانحدرت إلى اقل من عشرة بالمائة، وكانت الكهرباء لا تتجاوز أربع ساعات يوميا فأصبحت اليوم ما يقرب من 24 ساعة ويزيد أحيانا ليكتسح ظلامات كركوك والموصل.
وكانت وأصبحت.. حتى لم يعد مجالا لذكر كل تألقاتها الجميلة لكي اتركها لعشرات الآلاف من العراقيين القادمين من كل أنحاء البلاد لقضاء أجمل أوقاتهم بين أحضان الجميلة كوردستان، فهم أفضل الشهود وأفضل من يصف الحياة هنا كيف كانت وكيف أمست وأصبحت؟
ومهما تحدثنا فلن نزيد على ما قدمته المبدعة برواز حسين ابنة الانتفاضة وجيل التحرر والانعتاق، وليس أجمل مما قاله زعيم الاشتراكية الدولية وهو يخاطب الرئيس مسعود بارزاني قبل يومين في اربيل حينما قال:
حقا إنكم صادقون ومخلصون ولذلك فقد كانت بلادكم أكثر تميزا في تطورها ونموها في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
التعليقات