quot;حسافةquot; هي الكلمة الأصدق لما أحس به بعد تفجير ماراثون بوسطن بالرغم من زوبعة العواطف التي أخذتني فور سماعي للخبر من صدمة إلى عدم التصديق إلى الغضب وأخيرا إلى حزن ممزوج بألم. لقد شاركت من قبل في سباق ماراثون وكان من أهم التجارب التي مررت بها في حياتي. إصرار وعزيمة وتدريب يومي من أجل الحظي بلحظة النصر بالوصول إلى خط النهاية. أتذكر جيدا شريط الذكريات حتى تلك اللحظة الحاسمة وأنا على بعد حوالي 300 متر أنظر إلى قوس النهاية لسباق مارين كور ماراثون في واشنطن قبل عامين وكل ما كنت أسمعه هو هتاف المشجعين لي مع أن أحدا منهم لا يعرفني. العديد من الناس أفرادا وعوائل يجدون في الماراثون مناسبة سعيدة لمشاركة آلاف من العدائين لحظة نجاحهم في قهر 42 كيلومترا من الجري. يقفون عند خط النهاية وعلى جانبي الطريق كشهود على عزيمة أشخاص عادين من أقارب وجيران وأصحاب وآخرين من سكان المدينة أو زائرين أتو ليستزيدوا من معين تلك النفس البشرية التي تقهر الصعاب وتذلل التحديات. أحد تلك العوائل يوم 15 إبريل كانت عائلة quot;رتشاردquot;؛ أب وأم وثلاثة أطفال أحدهم مارتن إبن الـ 8 أعوام. مشى مارتن في مسيرة السلام العام الماضي في شوارع بوسطن حاملا يافطة كتب عليها quot;لا لإيذاء الناس بعد الآن ndash; سلامquot;. في نفس الشوارع التي نادى فيها مطالبا بإيقاف إيذاء الناس وقع ضحية لشخص أو أشخاص لم يدق قلبهم بنبض الإنسانية بل فقط بالحقد والكراهية التي تتشفى بمآسي الآخرين. من المقلق أن يكون المجرم الإرهابي الذي أقدم على تفجير الماراثون شخصا ذا أصول عربية أو عقيدة إسلامية. حينها تتحول الحسافة إلى غضب وتخبّط أتسائل فيه quot;ما الذي حدث لذلك الشخص ليقنع نفسه بأن هناك ما يعلل مثل تلك المذبحة؟!rdquo; حدث ذلك عدة مرات خلال السنوات الماضية وفي كل مرة تتحول الصدمة إلى صدمتين: صدمة من جراء العمل الإرهابي وأخرى حين تتكشف الحقيقة لنرى وجه الفاعل الذي يشارك الملايين منّا في أمريكا بأصوله العربية أو عقيدته الإسلامية. في فجر اليوم التالي لماراثون بوسطن بدأت وسائل الاعلام تداول خبر توجه الشرطة إلى شقة طالب سعودي للتفتيش والمساءلة. سقط قلبي إلى الأرض راجيا أن تُعلن التفاصيل عن خطأ الخبر كنتيجة تخبط المعلومات الأولية في معمة البحث عن خيوط الحقيقة في الساعات الأولى. كان لي ما تمنيت حين اتضح تعاون الطالب وزميله في الشقة ومن ثم تحديده كـ quot;شخص ذو أهميةquot;؛ أي على الأقل أنه ليس مشبوها أو متهما حتى ذلك الوقت. الاستنتاج الأبسط بعد أن أعلنت السلطات بأن الطالب السعودي ليس متورطا في العمل الارهابي وأنه ضحية كغيره من المشجعين هو أنه إمّا أنه أقدم على تحركات مشبوهة جعلت السلطات تضعه في الاعتبار أو أن السلطات الأمريكية ترتاب في أي شخص بناءً على تمييز عنصري. تبيّن في نهاية الأمر أنه ليس أيا من الاثنين وأنها كان حالة كلاسيكية من quot;التواجد في المكان الخطأ في الوقت الخطأrdquo; كما تنص المقولة الأمريكية المشهورة. أتمنى أن لم تستثني السلطات الطالب السعودي في بحثها وأنها نظرت إلى كل شخص بعين المُسائلة ذاتها. وأتمنى أن يكون الطالب كغيره من عشرات الألاف من الطلاب السعوديين في أمريكا يضعون في الاعتبار الفوارق الإجتماعية والقانونية وأن لا يجلبوا إلى أنفسهم أي نوع من الاهتمام السلبي. يبقى أن تفجير المارثون لم يفرق بين أمريكي وسعودي ولا بين مسيحي أو يهودي أو ملحد أو بوذي أو مسلم فأصاب من أصاب وقتل من قتل دون تمييز. مازال العديد من الأبرياء في المستشفيات بعضهم قد بترت أرجلهم وآخرين لن يعودوا إلى حالهم التي كانوا عليها قبل ذلك اليوم كما هو حال عائلة رتشارد. لم يقتل الطفل quot;مارتن رتشاردquot; فقط بل ترقد أمه في حالة خطيرة في المستشفى وكذلك أخته الصغرى التي بترت ساقها بسبب الضرر الذي لحقها من قوة الانفجار. الألم الجسدي أصاب قرابة المائتي شخص توفي منهم ثلاثة ولكن الجرح النفسي أصاب الولايات المتحدة وكل شخص في أرجاء المعمورة ممن أحس بالألم لما حدث في بوسطن. لا يوجد ما يبرر قتل البراءة باستهداف المواطنين في أي مكان على وجه الأرض. العبثية التي تعطي أي شخص الدافع لقتل الأبرياء بتعليلاتها المنحرفة هي تأكيد على قانون الغاب وهو قانون لا يوجد له مناصر في هذا العصر سوى من أصحاب السادية الدموية. أن يعطي أي إنسان لنفسه تصريحا أو إجازة ليحكم بإنهاء حياة إنسان فإنه يلعب دور الخالق وذلك دور أكبر من حجم أي بشر.
- آخر تحديث :
التعليقات