في شبابنا عندما كنا نستمتع بسمفونيات (بيتهوفن وباخ وموزارت) ونذوب مع موسيقى فيردي وتشايكوفسكي وشوبان،لأن الموسيقى كانت ومازالت تخترق الحدود من دون عوائق.وعندما كنا نطرب لكوكب الشرق أم كلثوم والعندليب الأسمر عبدالحليم وصداح الجبل وديع الصافي وسفيرة العرب الى النجوم الرائعة أبدا فيروز، لأن الصوت الجميل كان يخترق الأسماع دونما حاجة الى ترجمة، فأحاسيس الفنان وصوته الشجي يدخلان الى القلب من دون إستئذان أو حتى من دون فهم لمعاني الكلمات والأشعار. قبل سنوات كنت أحترق وأذوب تماما عندما كنت أستمع الى أغنية صينية تعرضها إحدى القنوات الفضائية،شدني إليها صوت المغنية الشجي واللحن الجميل،وإن كنت لا أفهم كلمة من كلمات تلك الأغنية الرائعة.

وأتذكر ونحن صبيان صغار أننا كنا نعشق الأفلام الهندية من دون أن نفهم كلمة واحدة من حواراتها،ولا حتى القدرة على فهم تلك الحوارات عبر شرائط الترجمة أسفل الشاشة، ولكن كنا نرتاد السينمات لنشاهد فيلما هنديا لعشرات المرات،وأنا عن نفسي شاهدت فليلم ( سنكام) لأكثر من 30 مرة،رغم أن قصتها كانت مأساوية ومنيلة بستين ألف نيلة كما يقول عادل إمام بمسرحيته الشهيرة شاهد ما شفش حاجةquot; حيث كان الكيل يعيط؟!

الشابة الكردية برواس حسين إخترقت أسماع المشاهد العربي وغزت قلوبهم بمجرد أدائها لمقاطع من الأغاني الكردية والعربية،حتى نالت إعجاب الفنانة الجميلة نانسي عجرم التي دفعها إعجابها بأداء هذه الفتاة الكردية الى أن تصمم على تعلم اللغة الكردية لكي تفهم معاني كلمات أغانيها.

إستطاعت برواس وبجرأة غير معهودة وهذه نقطة تحسب لها،أن تخترق أحد أنجح البرامج الفنية بالعالم العربي،وهو برنامج (آراب أيدول) الذي يعتبر اليوم مصنع النجوم والنجمات، وتخرج منه عدد لا بأس به لحد الآن من أصحاب المواهب الرائعة بعالم الغناء، فإذا إستمر هذا البرنامج فسيكون له دورا كبيرا في رفد الساحة الغنائية بأصوات شابة جديدة تضخ الدماء الى الفن العربي الأصيل،الذي كاد في الفترة الأخيرة أن ينقرض بسبب كليبات العري والفرفشة الفارغة وعرض الأجساد الخليعة لأصوات لا تستحق رميها حتى في حاويات الزبالة.

إن وجود أصوات رائعة مثل برواس وغيرها من المشاركين بهذا البرنامج الناجح، من شأنه أن يعيد الرونق والبهاء للغناء العربي والطرب الأصيل الذي نفتقده نحن جيل الستينات، ففي ذلك العصر الذهبي عندما كنا نرهف أسماعنا لأجمل الأصوات القادمة إلينا عبر الأثير مثل الهرم الأكبر محمد عبدالوهاب،وكوكب الشرق أم كلثوم، والعندليب الأسمر عبدالحليم،وأصحاب السلطنة أمثال محمد قنديل ومحمد رشدي وفائزة أحمد ونجاة الصغيرة وعفاف راضي وفيروز ووديع الصافي ونجاح سلام وصباح فخري وغيرهم كثر من ممن أطربونا في ذلك الزمن الجميل، لم نكن فعلا نحتاج الى الترجمة لنفهم معاني الكلمات، وكانت أصواتهم وألحانهم كافية لتهز مشاعرنا وتذيب أحاسيسنا.

اليوم تقف شابة كردية من مدينة أربيل وبالكاد تفقه اللغة العربية لتشدو بأجمل ألحان ذلك الزمن الجميل، وكذلك بـألحان كردية خالدة لجيل عباقرة غنائنا الكردي مثل رائعتها الأخيرة quot; ست فاطمةquot;وهي من ألحان سيد المقام الكردي علي مردان وشعر الشاعر الرقيق أحمد هردي، والتي هزت بها قاعة البرنامج كما هزت مشاعر كل من إستمع إليها بالعالم العربي.

إن هذه الفنانة الراقية والجميلة تحتاج من العراقيين اليوم الى دعم ومساندة لكي تتوج بجائزة البرنامج،فكما كان العراقيون يقفون وراء منتخباتهم الوطنية في اللقاءات الرياضية الدولية،ومنهم بالطبع الشباب الكردي، ينبغي على جميع العراقيين أن يسموا على خلافاتهم وأن يصوتوا لإبنة العراق وكردستان برواس حسين، لأنها في المحصلة تمثل العراق الذي غاب عنه الفرح والسرور لزمن طويل، وحان الوقت لكي يستعيد هذا البلد الذي أعطى الإنسانية الحضارة والرقي، بهائه وعشقه للجمال وحبه للطرب الأصيل.
برواس سفيرة كردستان العراق الى النجوم..

[email protected]