يستمر الصراع بين المذهبين اللذين يحمل كل منهما رؤية مختلفة للاسلام تاريخياً وفكرياً وعقائدياً. وعلى الرغم من ان الصراع في تكوينه جزء من حياة البشر وهو امر محمود اذا كان في المجال الفكري كما قيل عن احد احاديث النبي محمد quot;اختلاف امتي رحمةquot; سيكون هذا الخلاف ايجابياً اذا ما بقي محصوراً في الاطار الفكري والعقائدي لانتاج افكار جديدة مدعمة بالحجة والبرهان، هذا من جهة، ومن جهة اخرى ان الصراع العقائدي والفكري عادةً مايكون بين اصحاب الاختصاص والنخبة الدينية التي تطرح كل منهما حججها للدفاع عن وجهة نظرها كما كان الصراع سائداً بين الطرفين عبر الازمنة الماضية. الصراع بين السنة والشيعة تحول الى اكثر من صراع فكري عقائدي الى صراع بين دول واجندات سياسية تصل الى صراع مسلح يستهدف كل منهما ابادة الاخر وتصفيته وازالته من خارطة التنافس.

والاغرب من ذلك ان طرفي الصراع يمتلكان امكانيات هائلة في الدعم المادي واللوجستي والسياسي وحتى العسكري. ولذلك دعم الصراع بين السنة والشيعة حتى ولوكان لاهداف تسهدف اضعاف الاسلام فان النتيجة ستكون لصالح طرف ثالث بدأت ملامحه تتبلور هذا الطرف هو المسلمون المعتدلون من الطرفين الذين يرون في الانضمام الى الصراع بين المذهبين نوع من الاستهلاك الوجودي للاسلام والاستغراق بتفاصيل عبثية يومية لاتنفع، وبالتالي عليهم النأي بانفسهم عن هذا الصراع وتبني الاسلام كدين ينظم العلاقة بين الفرد وبين ربه بدون توصيات من رجال الدين سواء كانو شيعة ام سنة. هذا الفهم بالنتيجة يعتبر مرحلة نضج متقدمة تتناسب تناسباً طردياً مع احتدام الصراع بين الطرفين. النقطة الاخرى في سبب ولادة المفهوم الجديد للاسلام المعتدل او الوسطي هو ان مصادر الصراع بين السنة والشيعة ترتكز على روايات واحاديث واحداث تاريخية مر على وجودها اكثر من الف عام. وبهذا فان الحجم الزمني للصراع يجعل القائمين على الصراع يشتغلون في منطقة رخوة من افكار ومفاهيم وروايات قابلة للطعن والتكذيب والتحليل والتطويروالتعديل وحتى الالغاء بما فيها مفاهيم قديمة وجديدة لتفسير النص الاسلامي من القران والسنة القابل في طبيعته لاوجه تفسيرية عديدة تسببت في ولادة فتاوى وافكار قادت ازمات شوهت الاسلام برمته مازال يعاني منها المسلمون في كل مكان. هذه التفسيرات المنعددة انتجت فتاوى اكليروسية سلطوية اباحية مدمرة وخطرة على الواقع الاجتماعي كفتاوى الجنس والقتل والجهاد التي الغت استخدام العقل البشري واحترام الحياة وحقوق البشر.

لا احد سيوقف هذا الصراع
من هنا يطرح اصحاب المفهوم الثالث ndash;الاسلام الوسطي المعتدل- نظرياتهم التي تتناسب مع طبيعة الحياة التي تركز على الواقع المعاس وتطويره، وستنتشر كمادة غنية ومصدر معلومات علمية ومنطقية وفلسفية واقعية لتفسير الدين تغلّب جانب العقل والفائدة والواقعية والتركيز على تجميل الحياة وتطويرها للفرد والمجتمع. هذه الافكار الوسطية الواقعية المعتدلة لتفسير الدين لو طرحت بالمقارنة مع مفاهيم وحجج الجدل والصراع بين السنة والشيعة وفتاوى الاصوليين والسلفيين ستظهر عبثية الصراع وبوهيميته وسوداويته بين مذهبين اسلاميين كبيرين لايستهان بقدرتهما في التاثير على واقع الحياة في العالم الاسلامي وتحطيمها. سيستمر هذا الصراع ولا احد قادر على ايقافه وبذلك كما اسلفنا يعود السبب الى ديمومة المصادر القوية التاريخية والفكرية والسياسية والمالية والعسكرية المتوفرة له، الصراع سوف لن يقف الا بولادة الفكر الجديد وخروجه الى الحياة وقدرته على بناء مؤسساته المدنية على اساس خدمة الانسان كغاية وهدف سامي ويتحول الدين كشأن شخصي وافكار خاصة يؤمن بها الفرد ويتمتع باحترام معتقدات الاخر. هذه نتيجة نهائية سيصل اليها العقل المسلم بعد ان يستنفذ الصراع المذهبي مقوماته ويفقد جمهوره، البداية ستكون عن طريق سمو وارتقاء العقل المسلم وعدم قدرته على استيعاب او احترام هرطقات شيوخ الدين من الجانبين التي ستثبت خلال عقود طويلة من السنين عبثيتها وعدم جدوائيتها وقدرتها على توفير الاسباب لديمومة الحياة الجميلة المستقرة، بل استنفذت طاقات المسلم واستهلكته بصراع على اسس واهية يستحضر احداث التاريخ واشكالياته الغابرة لحرق الحاضر وتسميم الحياة. ومن خلال متابعتي لموقع ايلاف نشرت مؤخراً خبراً استوقفت عنده من خلال المعلقين، فمعظم المعلقين الجادين في ايلاف يعكسون صورة الواقع من خلال تفاعلهم و قرائتهم ومتابعتهم للاخبار ومقالات الرأي. الخبر يقول؛ مرجع عراقي يتهم الخلفاء بالانقلاب على علي. الخبر بطبيعة الحال يصب في خانة الصراع المذهبي، ويبدوا ان هذا الشيخ ترك تفاصيل ومشاكل الحياة في العراق واستدعى قضية تاريخية مر عليها اكثر من الف واربعمئة سنة لاشغال الاجيال الحاضرة بمشاكل جيل عاش حياة افضل من حياة المسلمين في الوقت الحاضر، وكان لهذا الخبر عدد من الردود وصل لحد كتابة هذا المقال الى 105 غالبيتها كانت تستنكر على رجل الدين خوضه بالصراع المذهبي ومن خلال كتابات المعلقين كانوا ينتمون الى الطائفتين وبهذا فقد كانت التعليقات عبارة عن استطلاع للرأي لمقياس وعي القراء الذين عكسوا استنكارهم وكشفهم لمساعي الشيخ الذي يحاول اشغال الرأي العام بقضايا لا تمت لحياتهم بصلة.

زعماء الصراع المذهبي الذين يوظفون مشايخ الاسلام من الطائفتين كان لهم جمهورهم واتباعهم المكلفين بمهام اعلامية وسياسية وعسكرية، اي ان تكوين الصراع المذهبي يتالف من زعماء اغنياء يمتلكون اموال ومناصب عليا في دول تسخّر امكانياتها لدعم الصراع، وهؤلاء الزعماء او قادة الصراع يقومون بدورهم بتعيين مشايخ الدين المختصين بالبحث والتنقيب عن مفاهيم تاريخية تثير الفتنة وتوظيفها من خلال الخطب الرنانة والمحاضرات والمقابلات في الوسائل الاعلامية، والطرف الثالث في المعادلة هم الذين يتولون التعليق والاستفزاز والتهجم من خلال التعليقات في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومهمتهم ايضاً وضع تلك الخطب الاستفزازية على اشرطة فديو في موقع اليوتوب ومواقع التواصل الاجتماعي. هذا العمل المتقن في التخطيط وتوزيع الادوار يتعاون معهم شريحة واسعة من المتبرعين بقصد او من غير قصد من المتأثرين بافكار الشيوخ ادوات الصراع المذهبي. وهكذا سوف يستمر هذا العمل ويتضاعف ويتخذ اشكالاً اكثرتعقيداً في اوجه الصراع الطائفي ومن الصعب جداً ايقافه لان هناك دوائر عالمية واقليمية ومحلية سوف تبعث فيه الحياة كلما آل الى التهدئة.

فقدان المسلمون القدرة على التعايش
من نتائج الصراع المذهبي ان المجتمع المسلم فقد القدرة على التسامح والتعايش واحترام اتباع الديانات والافكار المختلفة، فالمسلمون غير قادرين على التعايش حتى مع المسلمين الذين يختلفون معهم في المذهب او الرأي، ولوعملنا دراسة للمجتمع المسلم وسبب وصوله الى هذه النتائج من الصراع المذهبي ونمو التيارات الاصولية والسلفية وانحسار الاعتدال والوسطية نجد مجموعة عوامل وراء تلك النتائج منها اولا,ً الاضطهاد السياسي والدكتاتوريات التي غذت طبقة من وعاظ السلاطين صادرت العقل البشري وحلت محله بافكار ووصفات جاهزة مستوحاة من الدين والتراث، والعامل الثاني هو الفقر وانعدام الفرص وانحسار الطبقة الوسطى وسوء استخدام ثروة الدول الاسلامية لتطوير شعوبها. والعامل الثالث كتحصيل حاصل هو الوضع المتخلف الذي احتله المسلمون في سلم الحضارة والمدنية والتكنولوجية الحديثة والذي اظهر الفارق الكبير بين الشرق والغرب في مجال السياسة والاقتصاد والصناعات والتكنولوجيا وبناء المدن الحديثة كل ذلك وفر بيئة مثالية لنمو التيارات الاصولية والسلفية المتشددة التي تنتعش بصناعة الصراع المذهبي وفقدانها القدرة على التعايش مع الاخرين. هذه البيئة سوف توفر حاضنة لاستمرار وانعاش الصراع المذهبي الذي تتورط به دول ومؤسسات ومشايخ لكن هذا الصراع سيكشف عورة المتشددين رعاة الصراع الى الرأي العام. اخيراً ستكون النتيجة لصالح ولادة التيار الاسلامي المعتدل الجديد باول مهامه في تخفيف الدين الذي اثقل كاهل الناس، فهم يتنفسون وياكلون ويشربون ويتعاملون ويتحدثون ويفكرون في الدين ليل نهار حتى نسوا انفسهم وساءت حياتهم واخلاقهم واستعدوا بعضهم بعضاً، وتحولت الشريعة من سهلة سمحاء الى شريعة موت ولطم واباحية وقتل وجلد ورجم وتفجير وتهديد ووعيد وارهاب لكل من تسول له نفسه في مخالفة شيوخ الدين...