قديما قيل : جزى الله المصائب كل خير، لأنها تظهر العدو من الصديق !، ولعل هذه المقولة الحكمة تنطبق أشد الإنطباق على واقعنا العربي المؤسف وعلى حالة التشابك الخطيرة بين الرؤى و الأفكار و التطلعات وحتى المذاهب و الطوائف، وحيث أسفرت التدخلات الخارجية و الهجمة الإيرانية العقائدية و الفكرية على الشرق العربي لصور مؤسفة من التردي و الإنحطاط و التراجع الحضاري و تغليب المصالح الأنانية و تحريف حتى الأفكار النقية و الدوافع الإنسانية لأهداف ومصالح ذاتية بحتة، ولعل الثورة السورية الكبرى التي دخلت عامها الثالث بزخم دموي شديد، وبهجمة عدوانية متوحشة سافرة من قبل نظام القتلة السوري، قد شكلت ساحة واسعة للإختبارات و التجارب للقيم و الحقائق و المواقف ولمعادن الرجال وأصالتهم.
لقد إلتف حول النظام السوري وهو يمارس حرفة القتل الشامل و تقطيع الأوصال و الإبادة البشرية الممنهجة حلفائه الطبيعيين وفي طليعتهم النظام الإيراني الذي يعتبر دمشق بمثابة خط الدفاع الأول عن تخوم طهران نظرا لعلاقات العمل التخادمي الواسعة التي رسمها مع النظام السوري طيلة ثلاثة عقود ونيف من السنين، وكذلك وقفت مافيا الروسية بكل جبروتها و أسلحتها مع ذلك النظام الذي كان يتكا دائما وأبدا في كل أزماته الداخلية وبدءا من عام 1970 على الدعم الروسي ومنذ أيام الإتحاد السوفياتي الراحل، أما مجاميع الأحزاب الطائفية التي تدور في الفلك الإيراني في العراق و لبنان والخليج العربي خصوصا فهي لا تملك من أمرها شيئا سوى تباع أوامر و نواهي الولي الإيراني الفقيه، فحلاله حلال ليوم القيامة و حرامه كذلك؟ وقد رأينا و تابعنا تدفق الميليشيات الطائفية العراقية على تخوم الشام و تشكيلها لعصابات ( أبو الفضل ) وغيرها من فرق الشبيحة و المرتزقة دفاعا عما أسموه عن ضريح السيدة زينب ( رض )! و كأن المعركة في دمشق مع الأضرحة و المزارات و ليست مع نظام طاغي و باغي و قاتل و لص لا علاقة لأهل بيت النبوة به و بجرائمه!... ولكن حالة حزب الله اللبناني ذي المرجعية الإيرانية و تحت قيادة ( حسن نصر الله ) تشكل وضعا خاصا ضمن الرؤية المذهبية و الطائفية للصراع في الشام، فالحزب الذي كانت له شعبية في الأوساط العربية و الإسلامية بسبب حالة الصراع مع الإحتلال الإسرائيلي للبنان و تعديات الآلة العسكرية الإسرائيلية على لبنان وشعبه، قد فرط بكل رصيده الكفاحي لدى الشعوب الإسلامية و داس على سمعته الطيبة بعد أن إنخرط في الحرب القذرة ضد الشعب السوري وثورته الشعبية، بل وتحول ليكون رأس حربة ولمركز عمليات تعبوي متقدم في الدفاع عن النظام وفي إستئصال مناوئيه من احرار الشام بذرائع وحجج غير مقبولة ولا منطقية و تفتقد للمصداقية فضلا عن إبتعادها الفظ و المؤسف عن التبريرات الشرعية، والكارثة في موقف حزب الله لا ترتبط بمواقف ذلك الحزب فقد، بل تنعكس للأسف على عموم العلاقات مع الطائفة الشيعية الكريمة في العالم الإسلامي و الضرر المؤسف الذي أصاب تلك العلاقة التكاملية بسبب التبعية الكاملة لحزب الله للمواقف و الرؤى والتوجهات الإيرانية حتى أضحى الحزب بمثابة النسخة العربية المزيدة و المنقحة للحرس الثوري الإيراني!! مما أدى بالتالي بحكم طبائع الأمور لبروز تصنيفات و مواقف طائفية متعصبة لا يرضى عنها أحد ولا تتناسب إطلاقا مع مبدأ الوحدة الإسلامية و التعالي على الصغائر من الأمور، لقد شوه حزب الله بعدوانيته و إنحيازه مواقف الشيعة و أساء لسمعة وكرامة المذهب الشيعي الحر، وحرف حقائقه و تجاوز على تاريخه الطويل و الحافل في مقاومة الطغاة و البغاة وسخر إمكانياته ورهن مواقف الطائفة وربطها بمصير نظام فاشي متلاشي لاعلاقة له بالإسلام السني أو الشيعي وهو النظام السوري المجرم، فكان من الطبيعي في ظل حدة التشابك أن تظهر أصوات شيعية حرة ترفض ما يحدث و تدافع عن نقاء و أصالة التشيع العربي البعيد عن المؤثرات الصفوية المريضة الشعوبية الحاقدة التي شوهت المذهب بأموالها و أعطياتها و مصالحها القومية المغلفة بإطار الشعارات المذهبية، وبرز دور الأمين العام الأسبق لحزب الله في أول مراحل تأسيسه الشيخ صبحي الطفيلي في رفض عدوان النظام السوري وشجب التورط الكبير لحزب الله في قتل السوريين وذبحهم مما أدى لخسائر فظيعة بين صفوف مقاتلي الحزب نفسه الذين يسقطون في معركة ليست معركتهم ولا تشرفهم و لا تليق أبدا بأن تنسب لأتباع أهل بيت النبوة ( ع )، لقد تحول صوت الشيخ صبحي الطفيلي الشجاع و الحر ليكون إيقونة حقيقية في تبرئة الشيعة الأحرار، وصمام أمان في نزع فتيل التوتر و الحقد الطائفي، وفي أن يكون صوتا للعقل و المنطق في وضع غاب فيه العقل و أختفى المنطق و تلاشت الحقائق و تم التشويه الكامل على مواقف الشيعة الأحرار الذين لا يمكن لهم أبدا خيانة تراث أهل البيت الإنساني الخالد، وخيانة مواقف و رؤى إمام المتقين سيدنا علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه و أرضاه ) في قتال الفئة الباغية وفي الدفاع عن المستضعفين، صوت الشيخ الطفيلي ينبغي أن يتم التركيز عليه بإعتباره الصوت الحر الشيعي السائر على منهاج النبوة و تراث أهل البيت، فالطفيلي ليس حالة إستثنائية أو شاذة بل أنه الحالة الصحيحة و التوجه الصحيح وصمام الأمان لمنع فتنة سوداء أشد سوادا من قطع الليل المظلم وهي لن تبقي أو تذر، فليسحب حسن نصر الله ( زعرانه ) و يرعوي لطريق الحق، وينصاع للعقل و المنطق وينحاز لأهل البيت بدلا من الإنحياز المخجل و المعيب للفئة الباغية التي تصر على إستئصال السوريين وإبادتهم، الشيعة الأحرار على شاكلة الشيخ صبحي الطفيلي لايمكن أبدا أن يكونوا زمرا من العملاء و الشبيحة، فالحق أحق أن يتبع، فأما الزبد فيذهب جفاءا، وما ينفع الناس يمكث في الأرض.. ولا عزاء للعملاء و المنافقين.
التعليقات