صباح عادي مثل صباحات سوريا. لم يختلف الصباح في ظل النظام عنه في ظل الثورة والتحرير. الناس حركتها أبطأ وتنقلها أقل من السابق. توجهنا إلى الرقة صباح يوم 22- 3 بعد نصف شهر من التحرير تقريبا. قيادة الفرقة 17 تقع على الطريق بين قريتنا والمدينة فتم التحول عنها إلى طرق التفافية ترابية لتجاوز القناصين وحواجز quot;الفرقةrdquo;. يشرح لنا أخي على الطريق quot;معركة سجن الرقةquot; وظروفها؛ والذي يقع على المدخل الشمالي للمدينة، حيث ذكر أن quot;كتيبة أبو عيسىquot; [الإسم الرسمي لها كتيبة ثوار الرقة] كان لها دور بارز في تحرير السجناء قبل تحرير الرقة بفترة، ودام حصار السجن من كتيبة quot;أبو عيسىquot; أكثر من شهر، ولدى الكتيبة دبابتين قديمتين غنمتها من حاجز رنين الشهير بين سلوك والرقة، والتي جرت قبل ذلك محاولات عديدة لاقتحامه من كافة الكتائب بما فيها جبهة النصرة لكنها فشلت. وبعد تعطل إحداهما quot;اشترىquot; أخرى من دير الزور حاول فيها اقتحام قيادة الفرقة في اليوم التالي لوصولنا لكن صاروخاً حراريا دمر الدبابة بحسب رواية ناشط إعلامي.

ندخل الرقة من مدخلها الشرقي، نتوقف في quot;مضافة المناديquot; حيث يتجمع عدد قليل من أبناء قرية المشلب التي أصبحت جزء من المدينة، ويدور الحديث عن الإئتلاف ودوره وإمكانياته والحكومة الجديدة، ومن هو غسان هيتو؟، ويرد عضو الإئتلاف [قاسم الخطيب] أن لا أحد في الإئتلاف أو المعارضة السياسية يدري بالرقة ولا بتحريرها ولا بأوضاعها الحالية، فاعتمدوا على أنفسكم...

نلاحظ توجس الناس من رد فعل النظام، ففي بداية التحرير نزح غالبية السكان إلى الأرياف، حيث لايطالها القصف المستمر سواء من quot;الفرقةquot; أو من غارات طيران الميغ، بينما ذهب المقتدرون منهم إلى مدينة آورفة التركية، التي عندما تمشي في أي من شوارعها الرئيسية في مركز المدينة أو محيطه لابد أن تصادف أحداً من الرقة.

مشاهدات أولى:

شعارات quot;العهد البائدquot; تركها سكان مدينة الطبقة بعد تحريرها
أثار دمار نتيجة قصف صاروخي في حارة الشراكسة
كتابات جبهة النصرة على الجدران تحذر من السرقة
حسون الطه يحمل لوغو حركة شبابية تدعو لدولة ديموقراطية

ظل ثقيل يخيم على المدينة، الحركة خفيفة في الشوارع. نبحث أنا وقاسم على quot;أحد بيوت أهلنا للإستقرار مبدئياquot;. لم نجد بيتاً يمكن الإستقرار فيه، فالغالبية خارج المدينة. ذهبنا إلى أحد فنادق المدينة حيث صادفنا صاحبه في آورفة وأخبرنا أننا يمكننا النزول فيه. الفندق لا يعمل، ويوجد فيه شخص واحد من الموظفين بقي للحراسة. أثث لنا غرفتين حيث تم تجميع كل أثاث الفندق في المخزن تحسباً لقصف متوقع.

شوارع المدينة فيها كثافة كتابات على الجدران، فلم يبق باب محل أو حائط إلا ووقعت عليه أحد الكتائب. تنتشر شعارات من نوع quot;السارق تقطع يدهquot;، quot;ممنوع الاقتراب من أموال المسلمينquot;، quot;السارق سيحاسبquot; وتوقيع الكتيبة التي كتبت هذه العبارات والتي أبرزها حركة أحرار الشام، وأمناء الرقة، وجبهة النصرة ولواء المنتصر وكتائب أخرى شكلها أبناء المدينة.

رواية التحرير:

نبدأ السؤال quot;كيف تحررت المدينة؟quot;. السرديات متقاطعة تزيد هنا وتنقص هناك قليلا. وبحسب رواية منقولة عن قائد الشرطة السابق، فقد اجتمع أعضاء اللجنة الأمنية؛ المحافظ وأمين الفرع وقائد الشرطة ورؤساء الفروع الأمنية في مكتب المحافظ، في نفس اليوم الذي تم به quot;التحريرquot; [4 آذار/مارس]، وكان هناك أحساس كبير أن quot;شيئا ما سيحدثquot;، فاتصلوا ببخيتان [رئيس مكتب الأمن القومي] لطلب الإمداد، إلا أن جوابه كان quot;اعتمدوا على أنفسكمrdquo;. وكانت خياراتهم المطروحة بين الذهاب للفرقة وقيادة العمليات من هناك، وهو ما اقترحه العقيد سمير رئيس فرع الأمن العسكري، وبين التحصن في قصر المحافظ. وبعد انفضاض الاجتماع ذهب أمين الفرع والمحافظ لقصر المحافظ المحصن، حيث كانا يعتقدان أن لديهم حماية كافية من العناصر، وخصوصا من عناصر الجيش الوطني [مليشيا مدنية تعمل كإطار منظم للشبيحة]، بينما يُعتقد أن سمير لجأ إلى الفرقة وما زال محاصراً فيها دون أية معلومة تؤكد ذلك قطعياً. وانشق قائد الشرطة وذهب إلى آورفة في نفس اليوم باتفاق مسبق مع إحد الكتائب التي شكلها أبنا المدينة.

دخول الكتائب المسلحة إلى المدينة تم من المدخل الشرقي [باب بغداد]، المدخل الشمالي الغربي [من جهة فندق الفروسية]، والمدخل الغربي [مدخل الجزرة]،المدخل الشمالي [جهة الصوامع] ومدخل طريق حلب [المقص] من الجهة الغربية الجنوبية.

سبق عملية تحرير الرقة ضرب الحواجز المحيطة بالمدينة حيث أطلق على العملية quot;غارة الجبارquot;، وتم فيها ضرب حاجز السباهية في المدخل الغربي للمدينة وحاجز الصوامع في المدخل الشمالي في ليلة الجمعة التي سبقت دخول المدينة، وانكفأ الجنود الذين على الحواجز إلى وسطها أو إلى quot;قيادة الفرقةrdquo;.

الدخول من المدخل الشرقي للمدينة كان سهلاً حيث كان فرع أمن الدولة يسيطر على الحاجز وباتفاق مسبق مع الكتائب التي دخلت من تلك الجهة، كان المطلوب quot;رشاتquot; من الرصاص في الهواء كي ينسحب عناصره، ويسلمون الحاجز، ليذهب هو إلى تركيا برفقة عناصر من الكتيبة التي اتفق معهم. وخرج معه 18 عنصر من أمن الدولة إلى تركيا في يوم التحرير.

المواقع التي تم تسليمها دون قتال من عناصرها أو حراسها هي أمن الدولة والأمن الجوي والبلدية، الأمن الجنائي، الهجرة والجوازات، فرع المرور، وقسم الشرطة الخارجي، وقيادة الشرطة. بينما هرب حراس فرع حزب البعث ولجؤوا الى قصر المحافظ المجاور له، وقد سلم حراس أغلب الدوائر دون مقاومة أو تركوها وهربوا. بينما قاوم عناصر فرع الشرطة العسكرية واقتحم في نفس اليوم. وبقي فرعي الأمن العسكري والأمن السياسي دون تحرير في اليوم الأول ليتم تحريرهما لاحقا.

مساء اليوم نفسه حوصر قصر المحافظ من الساعة الرابعة حتى الساعة الثامنة والنصف حيث تم التسليم، وجرى التفاوض بداية عبر مكبرات الصوت ثم دخل أحد quot;الوسطاءquot; في عملية التسليم، مقابل الحفاظ على حياة جميع من في القصر، وتم اعتقال أمين الفرع والمحافظ وتم تصويرهم في فيديو بث على اليوتيوب والقنوات الفضائية. وقد استولى أحد المقاتلين على بدلات المحافظ ولبس أحدها والتقط فيها صورا للذكرى ولا يعتقد أن البدل الرسمية للمحافظ عادت الى خزانته بعد ذلك. ولم يعد هو إلى منزله هو ورفيقه أمين الفرع الذي لم يعد أحد يذكر إسم أي منهما.

في أثناء التحضير لاقتحام المدينة صدر بيان من الكتائب يحرم دخول المدينة لأي كتائب من خارج المدينة دون مبايعة أحد الكتائب العاملة في المدينة والتي أبرزها حركة أحرار الشام الإسلامية، التي بايعها quot;لواء أمناء الرقةquot; التشكيل المدني العسكري في الرقة. ويعتقد السكان أن ذلك كان سببا في عدم إشاعة الفوضى أو السلب والنهب إضافة لبنية المدينة العشائرية التي تشكل ردعاً مضمراً للتجاوزات.

في لحظات التحرير الأولى تجمع الناس في ساحة quot;هبلquot; كما يسخر السكان المحليون من تمثال حافظ الأسد الرئيس السابق، وقام مجموعة من السكان بالمبادرة إلى سحل التمثال وإسقاطه في الواقعة الشهيرة التي تداولتها وسائل الإعلام مذكرة بلحظة سقوط تمثال صدام مع فارق أساسي أن التمثال هنا تم إسقاطه بأيدي وطنية، وقام حسون المرندي [أبو طه] بالتبول على رأسه أمام الحشد في صورة شهيرة أصبحت جزءاً من الذاكرة السورية، وكتب بعض أصدقاء أبو طه الذي ما زال يقاتل من أجل دولة مدنية تعليقات على صورته [أبو طه المرندي: أذن أنف حنجرة]. وحسب رواية شهود مشاركين في سحل التمثال بأن أحدا من المجتمعين في الساحة لم يكن يعلم أن فرع الأمن السياسي لم يسقط بعد، فأطلقت قذيفة هاون من الفرع باتجاه الساحة قتلت 6 أشخاص وجرح العديدون.

معركة الأمن السياسي:
بعد قذيفة الهاون اكتشف الأهالي أن فرع الأمن السياسي لم يتحرر بعد، في الجهة الجنوبية من المدينة في منطقة quot;بين الجسرينquot; على شاطئ الفرات. وكانت الكتائب المسلحة قد ضربت طوقاً حوله وحصلت اشتباكات استمرت لثلاث إيام ذهب خلالها العديد من الضحايا من الجانبين وقامت طائرات تابعة للنظام بقصف محيط الفرع المحاصر من الكتائب والذي يعتليه عددا من القناصة خلف دشم من السواتر الترابية المعبأة بأكياس، لكن تحولا نوعيا قد حدث حين قدمت quot;دبابة أبو عيسىquot; لدك الفرع. إلا أن عناصر الفرع المحاصرين هددوا بإعدام المعتقلين داخل الفرع من أبناء المدينة، فجرت مفاوضات أسفرت عن اتفاق قادته quot;جبهة النصرةquot; في يوم 7 ndash; آذار /مارس يقضي بخروج العناصر مع حفظ سلامتهم، بضمانة أحد شيوخ العشائر البارزين. وقضى الإتفاق أن يتم إيصال عناصر الفرع إلى أقرب حاجز للجيش النظامي على طريق الرقة ndash; السلمية، بمرافقة جبهة النصرة وأشخاص من الجهة الضامنة. وبحسب رواية أحد الذين رافقوا quot;الموكبquot; في الطريق إلى حاجز الجيش النظامي فإن العناصر المرافقة quot;للموكبquot; من جبهة النصرة عادت قبل الوصول لمدينة الطبقة لأسباب غير واضحة. وبعد ذلك بمسافة ليست طويلة، وعند مدخل طريق السلمية أوقف الجميع حاجز لـ quot;لواء التوحيدquot; الذي يقع مقره الرئيسي في مدينة حلب وريفها، وتم احتجاز عناصر الأمن السياسي والمرافقين لهم. وحدث أثناء نقلهم إلى مكان احتجازهم إشتباك داخل الباص أسفر عن مقتل مساعد بالأمن السياسي. وكان مبرر نقض الإتفاق أن quot;أمير جبهة النصرةquot; بالرقة لم يعلم quot;قيادة الجبهةquot; بالاتفاق ولم يأخذ موافقتها. وقد أفرج لاحقا عن الأشخاص الذين رافقوا الموكب وبقي عناصر الأمن السياسي محتجزين لدى لواء التوحيد الإسلامي.
وقد نشرت صورة رئيس الفرع الذي لم يكن متواجداً فيه أثناء حصاره مقتولا بعد أيام إلا أنه لم يتم التحقق من ذلك من مصادر مستقلة وموثوقة.

معركة الأمن العسكري:
يقع الأمن العسكري في الجهة الغربية من المدينة وإضافة للمقر الشاسع له فقد احتل عناصره مبنى الهلال الأحمر المجاور إضافة إلى مبنى التأمينات. بدأ حصار الفرع من كافة الكتائب المقاتلة في الرقة تقريباً، وحصلت معارك شرسة استخدمت فيها قذائف الهاون والأسلحة الرشاشة، وكان تعدد مواقع القناصة فوق مبنى الفرع والمباني المجاورة سبباً في ارتفاع عدد الضحايا من الكتائب المحاصرة إضافة لقصف الطيران المستمر لمحيط الفرع في محاولة لفك الحصار عنه.
بعد سقوط الأمن السياسي انخفضت معنويات عناصره ودارت مفاوضات عبر مكبرات الصوت مع المحاصرين، ومرة أخرى كان وجود المعتقلين داخل الفرع سبباً رئيسياً لعدم اقتحامه، وأسفرت المفاوضات في يوم 8 ndash; آذار/مارس عن اتفاق يقضي بخروج عناصر الفرع الذي قدر عددهم بأقل من 60، بسلاحهم الفردي إلى مقر قيادة الفرقة 17 في الجهة الشمالية من المدينة. في محيط المدينة حدث اشتباك داخل الباص الذي ينقلهم، وقتل عددا من العناصر الذين يرافقونهم، وعند توقف الباص وخروج العناصر منه حدث اشتباك بين عناصر الفرع و عناصر الكتائب المسلحة، التي كانت ترافقه، ووصلت تعزيزات من الكتائب المسلحة. هرب إثر ذلك بعض العناصر إلى الأحياء المجاورة وتمت ملاحقتهم في الشوارع والمنازل التي تحصنوا فيها. وبحسب رواية أحد المقاتلين الذين شاركوا في العملية فإن غالبية عناصر الفرع قتلوا، ووقع قليلا منهم في الأسر، سواء أثناء الإشتباك أو بعد ملاحقتهم، وآخرهم كان [المساعد] quot;أبو جاسمquot; الذي اشتهر في المدينة بتنكيله بالمعتقلين ومهاجمة المتظاهرين واعتقالهم. ومعه مجموعة من العناصر الذين تحصنوا معه. ودارت معهم مفاوضات لتسليم أنفسهم. وبحسب رواية أحد العناصر الذي كان في المنزل لحظة اقتحامه فإنهم وجدوه مقتولا برصاص قريب بالرأس وقد رجح أن أحد العناصر الذين معه هو من قتله. وأحدث مقتل quot;أبو جاسمquot; موجة من الإبتهاج في الأوساط الثورية في المدينة خصوصا من أهالي المعتقلين السابقين والحاليين. ومازال يعتقد أن رئيس فرع الأمن العسكري مع المحاصرين داخل مقر الفرقة حيث فرّ إليها في يوم تحرير المدينة.


الموجودات والمفقودات:

أثناء التحضيرات لاقتحام المدينة؛ والتي قيل لنا أنها بدأت قبل شهور عديدة، تم تشكيل خلايا نائمة داخل المدينة، أبرزها quot;لواء أمناء الرقةquot; والذي برز دوره في يوم الاقتحام في حراسة المنشآت العامة والتي منها المتحف. حيث تم إيداع اللقى الثمينة في المصرف المركزي الذي تحرسه حركة أحرار الشام الإسلامية، بينما أقفل على جميع الموجودات بأبواب حديدية داخل المتحف وتحت حراسة ldquo;الأمناءrdquo;.حسب ماذكر لنا فنان تشكيلي يحرس المتحف مع موظفين سابقين في المتحف. ويحتوي المصرف المركزي الذي أودعت الآثار فيه حسب كشوفات جرد أكثر من ستة مليار ليرة سورية بعضها ودائع للنقابات والأهالي وغالبيتها أموالا حكومية.

حسب رواية لأحد عناصر الكتائب المقاتلة التي شاركت في إقتحام المدينة، فإنه تم الحفاظ على سجلات القيد المدني [النفوس] وشعبة التجنيد. وعلى إضبارات السكان الذين كانوا قد تقدموا لفرع الهجرة والجوازات للحصول على جوازات سفر، كما تم الحفاظ على الجوازات الصادرة، وقيل لنا أنه تم توزيع بعضها لأصحابها الذين بقيوا داخل المدينة وراجعوا الهجرة والجوازات، إضافة لذلك تم الحفاظ على كمية من quot;دفاتر الجوازاتquot; الفارغة المعدة للإصدار.

بينما اختفى من المحكمة سلاح المواطنين المودع في قضايا، وأمانات الموقوفين كذلك، وفقد من قيادة الشرطة مبلغ مالي لم يحدد، بينما تم نهب فرع الهجانة الذي دارت مواجهة كبيرة لتحريره، ودفعت الكتائب المهاجمة حوالي خمسة وعشرين ضحية في تلك المواجهة. وتم quot;غنمquot; بعض الاسلحة الخفيفة من الفرع وبعض قطع الأثاث، ومن المصرف الزراعي وهيئة الرقابة والتفتيش اختفى بعض الأثاث واجهزة الكمبيوتر. وسرق من الأمن الجنائي ما يقارب ثلاثين بارودة وكمبيوتر تحليل البصمات، وحسب روايات سكان من المدينة بأن من قام بذلك هم مدنيين استغلوا هروب عناصر الأمن الجنائي وعدم وصول أي من الكتائب المسلحة إلى مقر الفرع. بينما سرق من البنك العقاري حوالي مليونين ومئتي ألف، وحسب أحد رواة سيرة التحرير وهو من العناصر التي قاتلت في إحدى الكتائب فإن السارق معتقل عند حركة أحرار الشام الإسلامية.

إضافة لذلك حرص بعض الموظفين على نقل بعض الأثاث الثمين والاجهزة وبعض السجلات إلى بيوتهم للحفاظ عليها تحسبا لأي فوضى قد تعم المدينة أسوة بتجارب أخرى في مناطق سورية تم تحريرها.

ملاحقات بعد التحرير وإدارة المدينة:

الملاحقات في يوم التحرير وبعدها تمت لعناصر الأمن الفارين، وquot;كبار الشبيحةquot;. انقلب المخبرون إلى مخبرين للكتائب المسلحة حيث أرشدوا إلى بيوت الضباط وبيوت الدعارة السرية، وسيارات المسؤولين والحرامية والشبيحة التي أخفوها في بعض الأماكن وتم quot;التكبيرquot; عليها. وكانت القاعدة المتفق عليها أن كل كتيبة تحرر مركزا أو دائرة حكومية تبقيها تحت حراستها.

في نفس اليوم قامت جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية بالسؤال عن أصحاب الأفران وتم إحضارهم لفتح الأفران وتم تأمين الطحين لهم.

كما تم التفاهم مع موظفي الصحة في المشفى الوطني، والبلدية، ودائرة الهاتف والمياه والكهرباء على استمرار العمل ضمن الحد الأدنى من الموظفين دون التدخل في شؤونهم تحت شعار quot; إبقاء ما كان على ما كانquot;. واستلم لوء أمناء الرقة في البداية مديرية الحبوب والمطحنة وإدارة العمل فيها لإمداد الأفران بالطحين، بما يضمن استمرار تغذية السكان بالخبز.


حال الناس بعد سقوط النظام:

شهدت المدينة في يوم التحرير والأيام التالية له حركة نزوح كبيرة للسكان، وقد بلغت إجرة الراكب في الباص إلى دير الزور التي تبعد 150 كيلو متر 1200 ليرة ولم تكن تتجاوز سابقا الـ 50 ليرة، بينما وصلت أجرة الميكرو باص الذي يتسع لـ 14 راكبا إلى المعبر الحدودي في تل أبيض الذي يبعد 90 كيلو متر عن المدينة 25 الف ليرة سورية ويعتبر مبلغاً ضخماً.

أثناء التجول في شوارع المدينة وفيما عدا مناطق محدودة تعرضت لقصف طيران وقصف صاروخي لايوجد دمار في المدينة، [قُصفت لاحقاً بالطيران والصواريخ والبراميل المتفجرة] ولا أثار فوضى.. المحلات مغلقة وكتب عليها شعارات الكتائب، أجهزة الصرف التابعة للبنوك لم أر منها واحدة مكسورة، وهناك فروع لبنوك خاصة جدرانها من الزجاج لم يخدش أي منها، فقط تلونها كتابات الكتائب التي تحذر من الاقتراب من ممتلكات وأموال المسلمين والممتلكات العامة. والتي يرى السكان أنها أحدثت أثراً في ردع من تسول له نفسه استغلال quot;فراغ السلطةquot; للقيام بعمليات السرقة.

خلال لقاءاتنا مع فعاليات المدينة، كان هناك سؤال مضمر، ما العمل الآن؟. المجلس المحلي ليس فاعلا كما يجب، وهناك خلافات بين مجلسين قائمين للمحافظة والمدينة غير منتخبين [حل أحدهم نفسه لاحقاً، ويجري التحضير لانتخاب مجلس محلي] والإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة لا يدري بالرقة ولم يفكر بمصيرها كذلك، الكتائب المسلحة تحاصر قيادة الفرقة 17 ذات المساحة الشاسعة والأسلحة العسكرية المتطورة، ويسمع بشكل يومي دوي الإشتباكات في محيطها، ولم يتوقف القصف المتقطع منquot;الفرقةquot; للمدينة. ونتيجة للحصار بدأ طيران النظام يرمي للجنود المحاصرين وبعض عائلات الضباط الاغذية عبر المظلات من الطيران المروحي أو طائرات الميغ. وأثناء وجودنا وقبل تقدم الحصار لمقر قيادة الفرقة وتحرير مساحات شاسعة منها، هبطت مروحيتان بعتقد أنها حملت أغذية وذخيرة دون إصابة أية منهما من الكتائب المحاصرة للفرقة.

وتشترك في الحصار غالبية الكتائب المسلحة لكن أبرزها حركة أحرار الشام الإسلامية وأمناء الرقة وجبهة النصرة وأحرار الطبقة وكتيبة ثوار الرقة [ أبو عيسى] ولواء أحفاد الرسول ولواء المنتصر بالله.

خلال إسبوع من التواجد في المدينة بدأت الحياة تعود تدريجيا إلى طبيعتها والمقاتلوت من كافة الكتائب اتخذوا مقراتهم في بعض الدوائر الحزبية والرسمية التي لا تعمل، وشهدنا عودة السكان النازحين خلال فترة وجودنا بنسبة تقدر بـ 60 بالمئة. لكن قلقا ما من المصير ينتاب الجميع، والسؤال المتكرر عن المدارس، كيف سيقدم الطلاب امتحاناتهم خصوصا طلاب الشهادة الاعدادية والثانوية، ولا أحد لديه جواب على ذلك. حيث يقول الثوريون quot;إن فقدان سنة من عمر الطلبة لا يعني شيئاً أمام سقوط الطاغية وتحرير المدينةquot; بينما يرى آخرون أنه لابد من إيجاد حل لذلك. كما أن مسألة الرواتب مقلقة للجميع وكان هناك اتفاق بين quot;أمناء الرقةquot; وquot;حركة أحرار الشام الإسلاميةquot; التي تسيطر على أموال البنك المركزي، يقضي بدفع الرواتب من هذه الأموال للموظفين، والذي لم يحدث حتى الآن. وعلى هذه الخلفية تم الاتصال بنائب المحافظ وهو من أبناء الرقة ذهب الى آورفة في تركيا ويُشهد له بنظافة اليد للعودة الى ممارسة مهامه إلا أن المفاوضات لم تصل إلى نتيجة. ويعتقد الكثر من السكان أن مجلس المحافظة الذي شكله على عجل أحد نشطاء المدينة الحقوقيين في آورفة بعد تشكيل الإئتلاف الوطني لايعمل شيئا في المدينة، ولا يمارس دوراً بينما يشتكي رئيسه وبعض أعضاؤه الذين التقينا بهم من قلة الإمكانات المادية وعدم وجود جهاز شرطة في المدينة مما يجعل مهمة حفظ الأمن بيد الكتائب المسلحة المعارضة على اختلاف مشاربها.

وهكذا تظل الرقة تجربة معلقة لمآلات المدن والمحافظات إثر سقوط النظام فيها، ويعتقد كثيرون أن استقرار الأوضاع فيها وقيام إدارة مدنية منتخبة وتحظى بقبول السكان، وتوحيد الكتائب المقاتلة من أبناء المدينة وتشكيل جهاز شرطة سيجعل من الرقة تجربة يمكن تكرارها في إدارة المدن بعد سقوط النظام ويبدد الخوف من المصير المجهول للأغلبية الصامتة.