حين تطغى السياسة على حياتنا بصبغتها الرمادية، وتصبح فجأة من أولويات العمل الصحفي ومانشيته الأبرز، ونحاصر بتفاصيل الصراعات اللاأخلاقية حيث يختلط حابل الصدق بنابل الكذب والإدعاء،نضطر لدخول الغرفة السياسية الحارة التي تبدو خانقة بلا أوكسجين تدور فيها مروحة تقلب الهواء الساخن المكتوم بها نافذة وهمية لا تطل على شيء، الوطني فيها لاينجو من الشبهات والشريف تلطخ سمعته بأبشع الأكاذيب، والمتنافسون في الخندق الواحد يشعلون معارك جانبية في صراع على الواجهة العريضة وحين يقفون أمام عدسات المصورين يحتضنون بعض ويبتسمون حتى تطلع الصورة حلوة، وحين تكون معركتهم مع مخالفيهم تفقد الحرب مروءتها وأدبيادتها وتكون أبشع بمراحل حيث يتخلى البعض عن ضميره، ويلعب بوجهين وقناعين مع أكثر من طرف، وهناك من نسى نفسه وأغلق قلبه ونالت منه السنين وهو يغوص كل يوم في رمال السياسة المتحركة التي قد تبتلعه يوما قبل أن ينتبه لخطواته التي لا أثر لها بعد أن امتصت الغرفة السياسية الطاقة الروحية في صدره وشلت قدرتها على تلوين أيامه بالبهجة لتزهر ورودا ورياحين.

يقول المشككون بأن لا أحد يرمي بربيع العمر في تلك الغرفة الخانقة إلا وهو رابح، وأن العام حين يلتهم الخاص فثمة ثمن يستحق التضحية، وأرى أن لاشيء يضاهي السنين التي تفرط من شجرة العمر، وإن أي نجاح لا يكتمل إلا بسعادة داخلية تلتمع معها العينان، وأن أي ثروة لا تشترى كلمة حب حقيقية من القلب،ولا تطرد وحشة متوغلة في الروح ولا تزيح فرط الشعور بالغربة ولا ليلة من ليالي الوحدة التي تسكن الضلوع فترسم على ملامحك ابتسامة باهته في عالم شائك بالتخوين ومشغول بالحروب الباردة التي تستنزف رحيق الروح.

وعلى النقيض تماما يقف الأدب مقابل الغرفة السياسية، عالم يضج بالعواطف ورهف المشاعر، والأحاسيس المشتهاة حيث يكتنز الحلم وليدا حتى يكبر، ملون بحياة الناس وعوالمهم الحقيقية تبدأ من همومهم الكبيرة وتنتهي متناهية في ليل يلتحف الحب، ويغازل الوقت ليختصر عليه المسافة من اللهفة، هدوء يعنون السكينة وطمأنينة لا تعرف الأحقاد والحسد.

الأدب عكس السياسة يعيش هدنة مع الآخر البشع، ويختزل صدماته ليكتب وهو يكنس كل الخذلان والهزائم الشخصية، فهو فن التخلص من فائض الحزن على شكل قصيدة أو رواية، وهو ما يجدد فرص التصالح مع الذات والتعايش الناعم مع العالم، وبينما السياسة بصراعاتها تتجاوز البشع بما هو أبشع وأشنع وتترك الخلافات وراءها بحر من الفضائح الذي تطفو على سطحه زبد يغطي مجتمعا كاملا بالنميمة، يصفو الأدب بذاته ويدون ما يحدث في دهاليز السياسة وقد يخلدها في أعمال أدبية تبقى في الذاكرة كل العمر بينما السياسة ترى إنها أهم بمراحل من الأدب حتى لوكان حراكها مؤقت أو تزامنا لحقبة وتنتهي.

ويبقى الأدب برقته وعذوبته وشاعريته سماء شاسعة قادرة على احتواء غيوم السياسة الحادة والمتمردة حتى على ذاتها، ليطوعها بكم من العاطفة إلى كل ماهو وجداني وإنساني في علاقة مثالية.

@monaalshammari