لايمکن إدراج التقرير الذي ورد بشأن توقيف و إستجواب محمود أحمدي نجاد في طهران صباح اليوم الاثنين الماضي، على أنه مجرد إشاعة او تخمين او مجرد خبر مختلق، وانما هو عين الحق و الصواب و يجسد واحدة من المراحل الحادة و الملفتة للنظر في قضية صراع الاجنحة في النظام الايراني على السلطة و النفوذ.

التقرير الذي نشره موقعquot;WNDquot;، ذکر أيضا بأن توقيف و إستجواب أحمدي نجاد جاء على خلفية التهديدات التي أطلقها مؤخرا بخصوص الکشف عن أسرار تتعلق بتزوير الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل و الشکوك في عام 2009، والاهم من ذلك أنه و بحسب التقرير سارد الذکر، قد إشترك طاقم خاص في إستجواب نجاد تکون من: مجتبى خامنئي نجل مرشد النظام، حسين طائب نائب قائد الحرس الثوري في الشؤون الامنية، محسن إيجني مدعي عام إيران، المتحدث بإسم السلطة القضائية و أصغر حجازي عضو بارز في مکتب المرشد، هذا التقرير غير العادي الذي لم يبادر النظام لامن قريب أو بعيد لتکذيبه او نفيه، يسلط الاضواء مرة أخرى على قضية الصراع و التناحر بين أجنحة النظام و التي لم يعد بوسع النظام إخفائها او التستر عليها على الرغم من أن مرشد النظام کان قد سبق وان وجه مايشبه إنذارا بتسمية کل ينقل حالة الصراع الى العلن بالخائن، لکن لم يکترث لهذا الانذار أي جناح ولاسيما جناحي أحمدي نجاد و الاخوين لاريجاني الذين نشروا الغسيلquot;الوسخquot;لبعضهم على المکشوف، ونقلوا تفاصيل حساسة للصراع الدائر بينهم الى اسماع الشعب، وهو مايؤکد بشکل او آخر عدم تمکن مرشد النظام من السيطرة على زمام الامور و توجيهها بالصورة التي تتطلبها مصلحة النظام.

النظام الديني في إيران الذي کان يراهن دائما على قوته و عافيته و إمکانيته في التصدي لکل الاعداء و المتربصين به و صور و يصور انه يستمد قواه من مصادر غيبية، لايبدو انه قد بات کذلك أبدا خصوصا وان کاهله قد بات أوهن بکثير من أن يتحمل ثقل کل تلك الازمات و المشاکل العويصة التي تعصف بالنظام و تهزه من جذوره، وأن مشکلة الصراع بين أجنحة النظام و التي تداعت عن فشل و إخفاق النظام على الاصعدة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الفکرية، حيث يحاول کل جناح إيجاد ثمة مخرج للورطة التي وقعوا فيها والتي لايبدو ان الخروج منها بسلام صعب جدا يکاد أن يصل الى حد الاستحالة، ولئن حاول جناح لاريجاني مدعوما برموز محسوبة و مدعومة من جانب مرشد النظام تقديم أحمدي نجاد ککبش فداء و إلقاء تبعات و مآل الامور على عاتقه، لکن الاخير تحرك بدوره بإتجاه فاجأ خصومه عندما إختط نهجا سياسيا جديدا يدعو للتفاوض المباشر مع الولايات المتحدة الامريکية في الوقت الذي قاد صهره مشائي ثمة حملة ناعمة للتقرب من اسرائيل، وان هذا الانقلاب الکبير في نهج نجاد الذي کان حتى الامس عدوا لدودا لواشنطن و تل أبيب، يمکن حمله على أکثر من تأويل رغم التأويل الاقرب و الارجح هو سعيه لقلب الطاولة على رأس خصومه عندما يريد العودة بالامور الى نقطة البداية و تحديدا الى بداية تأسيس النظام الديني نفسه و رفعه شعار الموت لأمريکا، وهو مايعني بالضرورة إطلاق رصاصة الرحمة على منصب الولي الفقيه و تجاوزه لأن شعار الموت لأمريکا و رفض التحاور و التفاوض معها رفعه الخميني بنفسه و الخروج على الخميني يعني و بشکل تلقائي تجاوز خامنئي مقدما، وهذا ماأوجد حالة فريدة من نوعها في داخل النظام عکست عمق أزمته و وصوله الى مرحلة تکاد أن تشبه الميؤوس منها.

نجاد الذي أيده مرشد النظام و تهافت التيار المتشدد في النظام في دعمه و تإييده خصوصا في إعادة إنتخابه المشکوك في نتائجها جملة و تفصيلا، کان يمثل الى الامس القريب روح و نبض النظام و الناطق و المعبر عنه، لکن حدوث هذا الانقلاب الغريب و رفع شعارات و دعوات الطعن بنجاد و إعتباره منحرف و خارج على النظام يستدعي التساؤل هل أن نجاد حقا منحرف و خارج على النظام؟ وهل انه خان النظام فعلا؟ الواقع أن نجاد لم يخرج طوال فترتي ولايتيه و الى فترة قريبة على النظام بل وانه لحد الان لايريد الخروج على النظام لأنه کما کان الحال مع أسلافه في منصب رئاسة الجمهورية قدم مابوسعه لخدمة النظام و ديمومته و إستمراره، بل وان نجاد قدم خدمة کبيرة تجلت في قمع و إقصاء کل التيارات الرافضة للنظام و في عهدهquot;الميمونquot; تم القضاء على إنتفاضة الشعب الايراني عام 2009 بمنتهى القساوة و الاساليب الملتوية، وهو حتى بطرحه لمقترح التفاوض المباشر مع الامريکان انما يحاول انقاذ النظام و الخروج به سالما من أزمته الطاحنة الحالية وهوquot;أي نجادquot;يعلم بأن القيام بتغيير جذري مثل هذا الذي يدعو إليه إنما يتطلب الى تقديم کبش فداء کبير يعکس مصداقية المفاض الايراني، وان رأس المرشد هو البديل الذي يمکن أن ينقذ النظام قبالة العاصفة العاتية التي تکاد أن تهب بوجهه، وان مبادرة نجاد هذه قد جاءت بعد عملية إستقراء دقيقة لأوضاع النظام و تيقنه من أنه ليس هناك من مخرج الا عبر بوابةquot;الانبطاحquot;لأمريکا وquot;لحسquot;الشعارات الحماسية و البراقة ضدها، ويقينا أن توقيف نجاد و إستجوابه يعکس اول القطر من غيث إستفحال الصراع بين أجنحة النظام و الذي ينتظر إنهماره قريبا، وأن السعي للقضاء على نجاد و مسحه من على الخارطة السياسيةquot;عوضا عن إسرائيل!!quot;، يأتي لمنع نجاد من المضي أکثر في طريق يفضح النظام و يجسد فشله الکامل، ذلك أن الفاشل و المقصر و المذنب الحقيقي ليس نجاد وانما النظام برمته، الذي يجب أن يوضع في قفص المسائلة و المحاسبة على ماقد إرتکبه و يرتکبه بحق الشعب الايراني و شعوب المنطقة.

الازمات و المشاکل الطاحنة للنظام و وصوله الى طريق مسدود هو الجواب الحقيقي على توقيف نجاد و إستجوابه، ذلك أن قدرة النظام على المناورة و المواجهة ليست تراجعت فقط وانما تزعزعت و فقدت هيبتها و روحها المعنوية و ان النظام وتبعا لذلك بات مجرد هيکل خشبي منخور من داخله، لکن الاهم من کل ذلك أن هذا العام بالذاتquot;أي عام 2013quot;، قد شهد الکثير من النکسات و الفضائح و الانکسارات المريعة للنظام بل وان تخوفه من الانتخابات الرئاسية القادمة في حزيران/يونيو المقبل يحمل في طياته الکثير من العاني و الدلالات، الى الحد الذي نجد أن هناك من يراهن على أن هذه الانتخابات ستکون حاسمة و مصيرية جدا للنظام وان إعادة تسويقه مجددا لوجوه من قبيل رفسنجاني و خاتمي، يعني أنه صار يعي نوع التحدي الذي هو مقبل عليه، لکننا نود هنا الاشارة من باب التذکير و التنويه فقط الى أن السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من جانب المقاومة الايرانية قد أکدت وفي بداية هذه السنة و بشکل صريح و ملفت للنظر بأن عام 2013 سيکون عام التغيير في إيران، وقطعا فإنه لايمکن القول أبدا بأن تأکيد السيدة رجوي هذا مجرد کلام عادي او کلمات حماسية أطلقت لأهداف سياسية محددة وانما و کما يظهر هو تأکيد قد بني على أکثر من أساس و مرتکز قوي مستمد من أرض الواقع و يجسد رؤية سياسية حصيفة للمسألة من مختلف جوانبها، تأکيد يعکس قراءة علمية و عملية و واقعية دقيقة جدا لأوضاع النظام الايراني و وصوله الى خريفه الذي لافصل آخر من بعده أبدا!

[email protected]