كشفت مجموعة من الافلام المنشورة على اليوتيوب بشاعة جريمة الحويجة التي ارتكبتها القوات الامنية والعسكرية لحكومة المنطقة الخضراء بحق المتظاهرين السلميين العزل. اظهرت الافلام جنود المالكي ( كما يحلو للبعض من الاعلاميين العراقيين تسميتهم تأثرا بمقولة جنود القائد صدام)، وهم يتجولون بين جثث ضحاياهم من الشيوخ الطاعنين في السن والفتية الصغار والمقعدين، يدوسونهم باحذيتهم ويتوعدون من تبقى منهم من الجرحى بالتصفية ويحرقون امتعتهم. لم يكتف القتلة بالتمثيل والعبث بجثث القتلى بل تمادوا بجريمتهم البشعة ان مثلوا بارواح الضحايا باهانتها وجرح كرامتها بابشع واقذر عبارات السباب والشتيمة والسخرية من انسانيتها ومعتقداتها.

الافلام المسجلة كانت اشبه بهدية سقطت من السماء بايدي العرب السنة المتضررين من سياسات حكومة المنطقة الخضراء، وراحوا يستشهدون بها للدلالة على مدى اجرام وطائفية قوات الامن والجيش العراقي الجديد وعدم مهنيته او مراعاته لحقوق الانسان. بالطبع نكاية وعنادا بالمالكي وحكومته الشيعية!

من الاجحاف القول ان هذا السلوك المشين الصادر عن المؤسستين الامنية والعسكرية والذي يمثل انتهاكا واضحا لكل المعايير السماوية والاخلاقية، قاصر على حكم الشيعة وحكم المالكي تحديدا، بل هو امتداد للاساليب الدموية والمرعبة التي انتهجتها هاتين المؤسستين في عهد حكم الطاغية صدام حسين، والشواهد على ذلك كثيرة منها ما فعله الجيش العراقي بالمدن الايرانية التي اقتحمها في بدايات الحرب مع ايران وكذلك في احتلال الجارة الكويت وحملات الابادة ضد الشعب الكوردي والمجازر التي ارتكبت بحق العرب الشيعة في الجنوب و العرب السنة المعارضين لنهج حزب البعث وسياسات الديكتاتور صدام حسين. ومن المؤسف حقا، ان جرائم نظام صدام لم تلقى وقتها، الادانة الكافية من الداخل العراقي ومن العرب السنة تحديدا بسبب طبيعة النظام وسياسة التعتيم الاعلامي التي كانت مفروضة انذاك وبسبب عدم وجود وسائل التواصل والاتصال الحديثة كما هو اليوم.

تكمن بشاعة وفظاعة الجريمة هذه المرة والتي شكلت صدمة لأغلب العراقيين في الداخل والمتابعين للشأن العراقي، في انها ارتكبت في دولة توصف بأنها مدنية بحسب الدستور العراقي، تتبنى الديمقراطية كوسيلة للحكم العقلاني والانتقال السلمي للسلطة، وتمارس الحكومة فيها مهامها وسلطاتها وفقا للقواعد الدستورية والاحكام القانونية. ويتمتع الافراد في ظلها بالحماية الكاملة والمساواة بين الجميع امام القانون، فلا تنتهك حقوق او كرامة فرد من قبل فرد اخر ولا يسمح بتطبيق اي شكل من اشكال العقاب او الانتقام من قبل الافراد انفسهم. هذه هي المفارقة، ان الجريمة ارتكبت من قبل قوات نظامية لحكومة صدعت رؤوس حكومات العالم ودول الجوار تحديدا بتجربتها الديمقراطية التي ستشع على دول المنطقة! هذا من جانب.

الجانب الاخر ان الدولة المدنية تلقت صفعة قوية وكسرت هيبتها بسبب سكوت حكومة المالكي عن هذه الجريمة وعدم اعلان سخطها واستيائها من طريقة تعامل قواتها مع المعتصمين العزل وسعيها لملاحقة مرتكبي هذه الجريمة البشعة وتقديمهم للعدالة، باعتبارها المسؤولة عن حماية مواطنيها وحفظ سلامتهم وضمان تطبيق القانون على الجميع. بخلاف التبريرات التي اعلنها قادة الاجهزة الامنية والعسكرية وهي الدفاع والحفاظ على هيبة الدولة، الامر الذي يمثل خضوعا من قبل الحكومة لارادة العسكر.

من الواضح ان المالكي وقادته العسكريين قد اختاروا ساحة اعتصام الحويجة كحقل تجربة، للتعرف ولقياس ردود الافعال المحلية والدولية ولمعرفة حجم وقوة وطبيعة رد فعل المعتصمين السنة، ولتحديد كيفية التعامل والتعاطي مع مناطق الاعتصام الاخرى، بسبب ان ساحة الاعتصام في الحويجة اقل من نظيراتها في الرمادي والموصل من حيث مساحة المكان وعدد المعتصمين والتغطية الاعلامية، مما يجعلها جريمة ضد الانسانية بامتياز، بحسب المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي تم التوقيع عليه في روما في 17- 1- 1992 م ودخل حيز التنفيذ في 1- 2- 2002م ما يلي : quot; لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية : جريمة ضد الإنسانية ndash;متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجومquot;.!

لقد كشفت سنوات حكم المالكي لاسيما في ولايته الثانية، تجاهلا كبيرا من قبله لمباديء الدولة المدنية وعدم احترام للقواعد الدستورية ولامبالاة باليات العمل المؤسساتي ولاسس العملية السياسية، فجميع تصرفاته وخطبه وتصريحاته توحي بانه هو من يضع القواعد وينفذها، فهو صاحب المقولة الشهيرة quot;ماننطيهة، دزيت مفرزة القت القبض على فلان، اني ضربت السنة والشيعة واخيرا التهديد بضرب المتظاهرين بالطائرتquot;. وقد كان دقيقا جدا بوصف كيانه الانتخابي بدولة القانون، فهو القانون بذاته، هو من يشرع القوانين وينفذها! quot;ومن فمك ادينكquot;.

ان التحذير من ميول المالكي الاستبدادية وتفضيله اللجوء للعنف في حل الازمات التي تشهدها البلاد واستعداده لتعريض السلم الاهلي للخطر من اجل تحقيق مشاريعه الخاصة، لم يعد كافيا، بل لابد من احتواءه قبل ان يصبح سرطانا يصعب استأصاله وقبل ان ينشغل المجتمع العراقي وتنشغل قيادات الاحزاب السياسية والائتلاف الشيعي تحديدا، الذي يبدو انه يفتقر لقيادات مؤهلة لمنافسة المالكي وقادرة على تحقيق الاستقرار للعراق وشعبه، قبل ان ينشغل الجميع بمناقشة هل سيورث المالكي ابنه احمد حكم العراق ام لا؟