ما زال الغرب لأكثر من عامين، والموقف غامض وضبابي مما يجري في سوريا.. لكن وبعد سقوط عشرات آلاف القتلى واحتدام المعارك على مختلف جبهات البلاد، يتساءل كثيرون: ماذا يجري في بلاد الشام الآن وهل دخلت البلاد في حرب أهلية؟ ولماذا استعاد النظام زمام المبادرة بعد أن كانت quot;أصابع النصر فوق القصرquot;، وهو اشعار الذي رفعته المعارضة في إحدى الجمعات خلال الأشهر الماضية.

بات من المؤكد أن لا أحد قادر في سوريا على حسم المعركة عسكريا، وبات يقينا أن الغرب متخوف من الفوضى ومن وصول quot;المعارضة الإسلامية المتشددةquot; إلى السلطة، وبالتالي تشكيل خطر على إسرائيل... لا أحد قادر على الحسم، ولا أحد من الدول الكبرى مستعجل على إنهاء الأزمة.

ما يخشى منه وهو ما يتداول في الغرف الدبلوماسية أن تكون ثمة تسوية تبرم خيوطها في المرحلة الراهنة بين أميركا وروسيا وإيران. التسوية وكما أفدنا من بعض المصادر المطلعة تقوم على أن تجفف الدول الغربية موارد السلاح عن المعارضة ويُعطى الرئيس السوري بشار الأسد الضوء الأخضر لبسط السيطرة على الأراضي السورية، بشرط أن لا يترشح الأسد عام الفين وأربعة عشر في الانتخابات الرئاسية، وأن يعطى الغرب ضمانات بأن لا يمس النظام المقبل أمن إسرائيل.

بعدها يتسلم الحكم أحد المستقلين أو أحد رجالات النظام بحيث يكون مقبولا من المعارضة، وتؤلف حكومة من المعارضة والموالاة، وتنتهي الأزمة. هذا الآن ما يجري نقاشه داخل أروقة المفاوضات.

فالأميركيون وبعد هذه الفوضى وجدوا أن خيار الدولة هو أفضل هذه الخيارات، للحفاظ على أمن إسرائيل، لأنه برأيهم يوجد في سوريا الكثير من الجماعات المسلحة ولا يعلم من يسلحها وما هي رؤيتها للحكم وما هي نظرتها للصراع مع إسرائيل.

بهذا تكون أميركا والغرب حققوا الآتي:
1-تدمير سوريا وإضعافها بشكل كبير بحيث تخرج من دائرة التأثير في الصراع العربي الإسرائيلي.

2-القضاء على أكبر عدد من المسلحين الإسلاميين السوريين والأجانب، بعد أن تحولت سوريا إلى قبلتهم الأساسية من كل أصقاع العالم.

3-استنزاف على مدى أكثر من ثلاثة سنوات محور الممانعة والمقاومة، فحماس خرجت من هذا المحور، وحزب الله بعد مشاركته في المعارك بسوريا بات في وضع لا يحسد عليه، بعد أن ضربت الثقة بينه وبين الجمهور العربي الإسلامي السني.

4-الاحتقان الطائفي بين السنة والشيعة لم يصل إلى ما وصلت عليه الأمور الآن. وهذه القضية ظل الإسرائيليون والأميركيون يحاولون العزف على وترها وتأجيجها لأكثر من قرن ولم ينجحوا، الآن نحن على شفا الوقوع فيها. فالنفوس باتت مهيأة ومستعدة لا سيما بعد فتوى عدد من رجال الدين.
والأنكى من هذا كله، أنه في الوقت الذي بدأنا فيه أن إسرائيل ممكن أن ننتصر عليها لا سيما بعد الانتصارات المتتالية في لبنان وفلسطين، دخلت الأمة في أخطر استحقاق فتنوي عليها بين السنة والشيعة.

5-كل هذه الأمور توفر بالطبع أمن إسرائيل، وتمكن أميركا من الإمساك بخيوط اللعبة أكثر فأكثر.

في ظل هذا المشهد، يمكن قراءة التطورات في المشهد الميداني، فالقصير على الحدود الشمالية مع لبنان أولى المعارك وهي قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وبعدها الغوطة في ريف دمشق، ثم حلب ثم درعا. والشعب السوري في ظل خيانة الكثير من أعضاء الائتلاف الوطني، واستمرار انتهاج النظام سبيل القمع والقتل، لم يكن سوى حطب لتسويات كبرى.... ولا حول ولا قوة إلا بالله.

*كاتب ومحلل سياسي