تبدأ محنة الوجود مع لحظة هبوط الكائن البشري الى الأرض، وإشتغال ذاكرته واللاشعور بتسجيل تاريخه اليومي بكل حسناته وسيئاته، وطوال حياة الإنسان يتعرض الى طوفان دائم لاينقطع من الأفكار التي تخص ( الماضي والمستقبل ) بينما غالبا مايختفي (الحاضر )، وعادة يتخللها أفكار قهرية، بمعناها العام وليس الوسواسي المرضي، إذ أن بعضها عبارة عن إستذكارات وأحلام وأمنيات جميلة وسعيدة.. لكن أيضا من ضمنها أفكارا قهرية مرفوضة أخلاقيا ودينية كأن تكون جنسية أو إنتقامية أو مؤلمة نفسيا مثل الذكريات الحزينة.
نظرا لأهمية الموضوع بودي تقديم تلخيص لأفكار ووصايا الروحاني الألماني Eckhart Tolle الذي درس علم النفس في جامعة كامبردج ومزجه بالروحانية الشرقية، وإستطاع تقديم شروحات وخلاصات علمية مفيدة للمفاهيم الروحانية التي بمقدورها مساعدة الناس على العيش حياة أفضل وأكثر سلاما وصفاءا.
تعالج الروحانية قضية تعرض الإنسان الى إحتجاز عقله في ( الماضي والمستقبل ) ومنعه من رؤية لحظة الحاضر وتحقيق اليقظة والإستنارة، فالأفكار القهرية السعيدة والسيئة هي نتاج (( الأنا )) وإنشغالها في تقييم نفسها ومقارنتها بالآخرين، عملية تذكر الماضي والتفكير بالمستقبل هي عبارة عن إستلاب (( الأنا )) للذات الأصيلة والحقيقية، والوقوع في خطر المقارنات : أنا أفضل منه، هو أفضل مني، أنا أمتلك كذا مزايا، هو لايمتلك، أريد تحقيق كذا هدف... وهكذا يتم طمس الذات أو الروح ومنعها من التواصل مع الوعي الكوني أو الله وتحقيق الإستنارة.
تقترح الروحانية تقنية بسيطة وهامة للسيطرة على حركة الأفكار ومنع القهرية منها، فإذا شعرت بدفق الأفكار عليك بخصوص الماضي أو المستقبل بغض النظر عن كونها جميلة أو تعيسة.. الطريقة المناسبة للتصرف معها وإيقاف تدفقها ومنع سيطرتها على وعيك هي :
- عدم مقاومتها وتركها تتحرك، فالمقاومة تجعلها تلتصق أكثر.
- أنظر الى الأفكار على انها مجرد شريط سينمائي يعرض أمامك وتعامل معها ببرود وحياد، وإعزل نفسك عنها ولاتتطابق وتندمج معها، وظل في حالة مراقبة دائمة لها وستجدها تتلاشى تدريجيا.
- إشغل نفسك بالتنفس والتركيز على خروج الهواء من الأنف أو النظر الى منطقة وسط البطن.
- إذا كنت في مكان ما أو ماشيا في الطريق ركز على الناس والأشياء المحيطة بك التي تعيدك الى لحظة الحاضر.
تذكر جيدا.. كل فكرة تتحول الى هالة حول شخصيتك، وطاقة تنبعث منك الى الآخرين بواسطة آلية الباراسايكولوجي، وكذلك وفق قانون (( الجذب )) كل ماتفكر به يجذب مثيله اليك ويدخلك في نطاقه، حيث تسبح الطاقة في الكون، وهنا خطورة الأفكار السلبية التي نفكر بها ولاندرك انها تجذب طاقة سلبية مؤذية نفسيا وجسدية لنا.
إن الهدف الدائم للروحانية هو إعادة الإنسان الى الإتصال بالوعي الكوني أو الله عن طريق إفراغ النفس من الأفكار ومنع سيطرة الأنا والوصول الى لحظة الإستنارة الداخلية والسعادة الكبرى.
التعليقات