يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا المسجلين لدى الاونروا نحو 600 ألف لاجئ يعيش نحو 27 % فقط منهم في المخيمات. ويضاف إليهم الذين لجؤا إلى سوريا عامي 1967 و1970 ولم يتم تسجيلهم في سجلات الاونروا. يتمركز نحو 80% من الفلسطينيين في سوريا في مدينة دمشق وضواحيها، وتعترف الاونروا بوجود عشرة مخيمات تقدم لها الخدمات المتنوعة والمكملة للخدمات التي تقدمها الحكومة السورية هي (النيرب والسبينة وخان الشيح وخان دنون والعائدين في حمص وقبر الست (السيدة زينب) والعائدين في حماة ومخيمي درعا ودرعا الطوارئ بالإضافة إلى جرمانا)، بينما اعتبرت أماكن تواجد الفلسطينيين خارج هذه المخيمات بتجمعات فلسطينية مثل (اليرموك والحسينية وعين التل (حندرات) والرمدان والرمل في اللاذقية) تقدم لها خدمات الحد الأدنى رغم ما تعانيه هذه التجمعات من ذات المشاكل التي يعانيها أبناء المخيمات الأخرى.

يعد مخيم اليرموك أكبر المخيمات الفلسطينية في الداخل والخارج على حدٍ سواء، ورغم ذلك فهو غير معترف به من قبل الأونروا إلا أنها تقدم له الخدمات في جميع النواحي ماعدا النظافة والخدمات العامة. ويقع مخيم اليرموك إلى الجنوب من مدينة دمشق حيث يبعد عن مركز المدينة 8 كم إلى 10 كم، وتقدر مساحة المخيم (2110000 متر مربع) اتسعت هذه المساحة عاماً بعد عام لتصبح حجم المساحة اليوم أضعاف تلك المساحة.
وتقدر الإحصائيات غير الرسمية أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك وصل اليوم إلى ما بين 200 - 220 ألف لاجئ تقريبا. أما الإحصاءات الرسمية- حسب الاونروا - للعام 2012 فتتحدث عن 162230 لاجئ فقط.
الحواجز التي تحيط بمخيم اليرموك تقلصت يوماً بعد يوم مع خروج قوات النظام ومعها الأمن والشيبحة المنتمين لجماعة أحمد جبريل والقيادة العامة، وظل المخيم محكوماً بحاجز وحيد عند مدخله، وهو ما بات يعرف بحاجز البشير (نسبة إلى الجامع الموجود هناك).
الكل أصبح يعلم ما يجري عند حاجز البشير أول مخيم اليرموك ولكنه يتغاضى عما يسمع ويرى! ولا سيما الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير والفصائل المحسوبة على ما يسمى تحالف الفلصائل الفلسطينية الذي غادرته أهم فصيلين فلسطينيين (الجهاد الإسلامي وحماس) في أعقاب تصاعد الأحداث والعنف في سوريا. فالدعوات لفك الحصار عن المخيمات لا لإدخال الخبز والطحين والدواء فحسب، بل لتحقيق مصلحة أكبر وهي صيانة الأعراض، فأصحاب النفوس الضعيفة والمريضة على الحاجز وفي داخل المخيم يمتهنون كرامة النساء الفلسطينيات والسوريات على حد سواء، ويستغلون حاجاتهم إلى تأمين مستلزمات الحياة اليومية.
السيدات اللواتي اضطررن للمرور يومياً على حاجز quot;البشيرquot; لم يعدن يترددن في الشكوى من ممارسات هذا الحاجز وتعامل عناصره من الأمن والشبيحة معهن، فإحدى الروايات لإحدى ساكنات المخيم تروي أنها شاهدت امرأة خضعت لعملية ولادة قيصرية عادت من المشفى للدخول إلى المخيم حيث منزلها، فوقفت مع من يقف على الحاجز لأكثر من ساعة وعلامات الوهن الناجمة عن الولادة بادية عليها، وكان معها امرأة أخرى تحمل لها مولودتها، فطلبت من العسكري أن يسمح لها بالدخول لعجزها عن الوقوف الطويل، لكنه رفض بداية، إلا أنه استجاب فيما بعد لرجاء النساء الواقفات له بشرط أن يتم تفتيشها وتقوم بحمل متاعها بنفسها ومنع أي من النساء مساعدتها، فحاولت المرأة أن تفعل ما طلب منها للتعجيل بالدخول بمولودتها، لكن أصابها نزف نسائي وهي تحاول رفع أمتعتها على مرأى كل الواقفين على الحاجز، ومع ذلك لم يُسمح لأحد بمساعدتها ولا حتى قريبتها المرافقة لها.
تتكاثر الشهادات ووتضافر على سوء معاملة الحاجز وإمعانه في إذلال النساء الواردات إليه، فإحدى النساء شوهدت وهي تتوسل إلى العسكري الموجود على الحاجز أن يعيد لها ما صادر منها من الخبز والمواد الغذائية التي تصطحبها معها من أجل إطعام أمها العاجزة وأولادها، فبدأ يشتمها بأبشع الألفاظ وقام بدفعها إلى الخلف ونهرها ووصفها بأقذر الأوصاف، ورائحة الخمر تفوح منه!؟ بحسب شهادة من حضر الواقعة.
معاناة النساء في مخيم اليرموك، وهن سوريات وفلسطينيات، لا تقتصر على ذلك، فعمليات القنص والاستهداف لا تفرق بين رجل وامرأة، بل ربما تتقصد قنص النساء بسبب صعوبة تحركهن، فكثير ما حاولت النسوة الخروج من المخيم عند اندلاع المواجهات بين الجيش الحر والنظامي حتى يبدأ القناص بقنص النساء وكل ما يتحرك حتى لو بدا مدنياً في محاولة لإرهاب المدنيين وتهجيرهم عن بيوتهم في المخيم.
تفرض قوات النظام السوري بهدف إعادة السيطرة على بعض الأحياء الجنوبية لمدينة دمشق حصاراً خانقاً على مخيم اليرموك، بدأت إرهاصات هذا الحصار منذ صيف 2012 عندما بدأت بوضع الحواجز على أطراف المخيم ومداخله واستهداف حارته وأحيائه، والقيام بعملية القضم أولا بأول، فأقامت حاجزاً على بداية الشارع الرئيسي لمخيم اليرموك من جهة الغرب والمسمى بشارع الثلاثين لينتقل بعد حين إلى منتصف الشارع باتجاه عمق المخيم.
كما أن استهداف حي الثامن من آذار وحي التقدم من جهة الحجر الأسود وحي الجاعونة من جهة شارع فلسطين - باعتبارها تمثل ممرات لعناصر الجيش الحر بنظر النظام - أدى إلى ترحيل معظم سكان تلك الأحياء باتجاه قلب المخيم، وتحييد مشفى فلسطين ومشفى الباسل الجراحي وتعطيل مهامهما في تقديم المساعدات الطبية للجرحى والمصابين من أبناء المخيم.
لقد شكل مخيم اليرموك قبيل الفترة التي سبقت التهجير والحصار بيئة حاضنة وآمنة لسكان كل المناطق المحيطة به، والرئة التي تتنفس منها ضواحي دمشق وريفها، التي تشهد نزاعات مسلحة وخصوصاً حي التضامن والقدم والعسالي ويلدا والحجر الأسود والميدان وغيرها، فمؤسسات المجتمع الأهلي الفلسطيني وسكان المخيم أرادوا رد جزء من الجميل والدين الذي احتفظوا به للشعب السوري، فبادروا إلى افتتاح العديد من مراكز الإيواء للنازحين من السوريين والفلسطينيين، وقدموا من خلالها كل ما يلزم من غذاء وكساء وفراش ودواء، وتعرض بعضها لاحقاً إلى الاقتحام عدة مرات واعتقال بعض النزلاء والناشطين فيها، فقامت طائرة ميغ بقصف مخيم اليرموك بتاريخ 16 كانون الأول 2012 واستهدفت مسجد عبد القادر الحسيني أحد تلك المراكز، وراح ضحيته مئات الشهداء والجرحى من المدنيين والنازحين المقيمين فيه، وتهجير نحو 80 % من سكان مخيم اليرموك وفرض حصار قاس على من تبقى منهم فيه. فهل تجد دعوات فك الحصار عن المخيمات الفلسطينية وفي مقدمتها مخيم اليرموك صدى لدى أطراف الأزمة في سوريا، او على الأقل.. الفصائل الفلسطينية التي تتعامل مع لاجئي سوريا على أنهم فلسطينيين من الدرجة الثانية، بحسب تعبير اللاجئين الفلسطينيين في سوريا؟!

كاتب وباحث