لم يكد حبر الاعتذار الإسرائيلي لتركيا يجف في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة، حتى نشأت خلافات جديدة بين الدولتين حول الملفين السوري والفلسطيني، وحول حجم التعويضات الإسرائيلية لضحايا السفينة quot;مافي مرمرةquot;.

صحيفة quot;هآرتسquot; اعترفت مباشرة أنه ثمة خلافاً بين وجهات النظر الإسرائيلية والتركية حيال مستقبل سوريا، وإن quot;إسرائيلquot; تتخوف من احتمال أن يؤدي سقوط نظام الأسد إلى صعود نظام إسلامي quot;متطرفquot; مكانه، بحسب تعبيرها، أو أن يؤدي إلى تفكيك الدولة إلى قوات مسلحة تسيطر على مناطق عديدة فيها. وأشارت الصحيفة إلى أن الموقف التركي مؤيد للمعارضة السورية، التي تضم حركات إسلامية، وأن المعارضة ستتمكن من السيطرة على سوريا وأنها لن تشكل تهديداً إقليمياً، بحسب زعمها. ولفتت الصحيفة الإسرائيلية إلى احتمال تأثير المصالحة بين الحكومة التركية والأكراد في الإقليم الكردي داخل تركيا على الأكراد في سورية الذين سيشكلون قوة ذات أهمية في أي حل للأزمة السورية.
مصدر سياسي تركي اعتبر أن تركيا لا ترى في quot;إسرائيلquot; جهة قادرة على المساعدة في حل الأزمة في سوريا أو المشاركة في نقل مخزون الأسلحة الكيميائية في حال تم ذلك في المستقبل. وفيما يتعلق بالملف الفلسطيني ونية رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، زيارة قطاع غزة، نقلت الصحيفة الإسرائيلية عن مصدر دبلوماسي تركي قوله إن أردوغان يتعرض لضغوط أميركية من أجل الامتناع عن زيارة غزة في الوقت الحالي وعشية بدء ترميم العلاقات بين الجانبين.
التعويضات الإسرائيلية لعائلات النشطاء الأتراك التسعة، الذين قتلوا على متن السفينة quot;مافي مرمرةquot; التي كانت ضمن أسطول الحرية التركي لكسر الحصار عن غزة، بنيران قوات البحرية الإسرائيلية التي اعترضت الأسطول وهاجمته في نهاية أيار 2010، محط خلاف جدي بين الجانبين، فتركيا تطالب، وفقاً لصحيفة quot;يديعوت أحرونوتquot;، بدفع مليون دولار مقابل كل شهيد تركي، بينما ستدفع الحكومة الإسرائيلية 100 ألف دولار لكل واحدة من عائلات الشهداء.
صحيفة quot;هآرتسquot; أكدت أن نتنياهو أجرى محادثة هاتفية مع نظيره اليوناني، أنتونيس ساماريس، بعد محادثته مع أردوغان، وأكد أن المصالحة مع تركيا لن تكون على حساب العلاقات الإسرائيلية - اليونانية. ففي أعقاب تدهور العلاقات الإسرائيلية - التركية في السنوات الثلاث الأخيرة، سعى نتنياهو إلى توثيق العلاقات الإسرائيلية اليونانية، انطلاقاً من أن اليونان وتركيا خصمان تاريخيان. وتم التعبير عن تحسين العلاقات مع اليونان من خلال مناورات جوية مشتركة استخدم فيها سلاح الجو الإسرائيلي المجال الجوي اليوناني، بينما كان سلاح الجو الإسرائيلي يستخدم المجال الجو التركي في مناورات مشابهة. وتم توجيه مئات آلاف السياح الإسرائيليين إلى اليونان بدلاً من تركيا التي كانت تعتبر هدفاً سياحياً مفضلاً.
الملف النووي الإيراني قد يكون واحداً من أهم الملفات التي دفعت نتنياهو إلى الاعتذار إلى تركيا، ورغم أن كيان الاحتلال وتركيا ينظران إلى الملف النووي الإيراني بشكل مختلف، فإن الباحثة في معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب والمتخصصة في الشؤون التركية، غاليا ليندنشتراوس يتؤكد أن تركيا لا تريد أن تكون لدى إيران قدرة نووية عسكرية، لكنها ما زالت تؤيد طريق المفاوضات، وستعبر عن معارضتها لهجوم أميركي- إسرائيلي حال حدوثه.
ورأت الباحثة أنه ليس صدفة أن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، رحب بترميم العلاقات مع تركيا. فحتى لو بقي التعاون بين الجيشين في حده الأدنى ومن خلف الأبواب المغلقة، فإنه توجد قيمة بالغة في أن قنوات الاتصال بين الجانبين ستكون مفتوحة على ضوء التحديات الماثلة أمام الدولتين في الفترة الراهنة.
العلاقات الأمنية بين الكيان الإسرائيلي وتركيا لن تعود إلى سابق عهدها، كما يرى المحلل العسكري في quot;هآرتسquot;، عاموس هارئيل، ورغم أنه سيكون هناك تعاون عسكري وأمني معين، إلا أن الأهم في هذه العلاقات هو التعاون في المجال الاستخباراتي. لا سيما أن المحللين السياسيين في كيان الاحلاتل يرون في مجرد قبول تركيا للاعتذار الإسرائيلي النصر الدبلوماسي الوحيد في ظل quot;التنازلات المؤلمةquot; التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية لتحقيق هذه المصالحة، وهو أمر لا يمكن أن تغفل الأخيرة عن استثماره وتجييره لصالحها، وغن كانت الوقائع والدلائل تشير إلى صعوبة ذلك في ظل المتغيرات الدولية الحالية.
. كاتب وباحث