هل على الجيش السوري الدخول إلى مدينة الرقة وتحريرها من براثن الإرهاب؟.. سؤال لم تطرحه المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، بل تصدر عنوان افتتاحية أهمية صحيفة سورية مؤيدة للنظام السوري، بعد أن كان الإعلام السوري الرسمي والموالي يطفح بنغمة المسارعة إلى القضاء على ما يسميها quot;جيوب الإرهابquot; وعناصره quot;المرتزقةquot; القادمين من وراء الآفاق لتقسيم الدولة السورية وتخريب النسيج الاجتماعي السوري.
افتتاحية quot;الوطنquot; السورية يشتم منها بداية رائحة النقمة على أهالي محافظة الرقة إحدى المحافظات التي شكلت خلال الأزمة السورية ملاذاً آمناً لمئات آلاف السوريين الهاربين من جحيم القصف العشوائي والعنف المتصاعد في بلادهم، وأن quot;عدداً محدوداًquot; من المشايخ وكبار قوم المدينة وقفوا على الحياد تجاه ما يجري في مدينتهم، مبررين موقفهم هذا بـlaquo;حقن للدماءraquo; ما أدى إلى فتح أبواب المدينة وتسليم قصر المحافظ وعدد من المؤسسات الحكومية إلى quot;الإرهابيينquot;، في حين كانت القوات الأمنية مدعومة بالأهالي تدافع ولا تزال بكل بسالة وبما لديها من إمكانات وعتاد لصد هجمات quot;الإرهابيينquot; ودحرهم خارج الرقة، بحسب الصحيفة السورية. وهو ما يعني تحميل وزر السيطرة على المدينة إلى العشائر والقبائل التي اختارت quot;الحيادquot; موقفاً إزاء ما يجري في مدينتهم، في ظل إصرار الأهالي على مقاومة quot;الغزاةquot;، وغاب عن الصحيفة أن أهالي الرقة هم في معظمهم ينتمون إلى هذه العشائر والقبائل، وأن العنصر القبلي والعشائري هو المميز لتركيبة سكان الرقة quot;من غير الوافدينquot; وquot;النازحينquot; إليها.
أول المبررات والأعذار المسوقة لتبرير ما توصلت إليه الجريدة في نهاية المطاف لثني الجيش السوري عن القيام بأي عملية لإعادة السيطرة على مدينة الرقة، بعد الإقرار جزافاً وفي معرض الحديث بواجب الجيش الأخلاقي في الدفاع عن كل شبر من ارض الوطن، هو أنه quot; من واجب الجيش ألا يفتح جبهات لمعارك جديدة قد تؤخر الحسم في مناطق أخرى، وخاصة أنه لم يصدر أي طلب نجدة من الوحدات العسكرية المتمركزة في الرقة التي لا تزال في ثكناتها، وكذلك ممن تدخل ووقف على الحياد رغبة بحقن الدماءquot;، الأمر الذي يدفعه تساقط الوحدات العسكرية في محافظة الرقة مترامية الأطراف، واستسلامها تباعاً أمام الثوار القادمين، وىخرها الفرقة 17 التي تعد من وحدات النخبة في الجيش السوري، ومظاهر السيطرة على كافة مرافق المدينة ومؤسساتها الخدمية من قبلهم.
المبرر الثاني الذي عرض لتبرير القرار أن quot;الأحياء التي لم تسقط في الرقة كان سكانها يحمونها وشكلوا على الفور لجان مقاومة منعت دخول الإرهابيين إلى أحيائهم، ونجحوا في دحرهم لإدراكهم ووعيهم المسبق أن هؤلاء ليسوا بثوار كما يدعون، بل مجموعات من الإرهابيين والمجرمين والمرتزقة واللصوص...quot;، وهل لنا أن نكذب صور الحضور المكثف لآلاف الأسر التي نزحت عن مدينة الرقة وتركتها إلى الحدود التركية والمدن الأخرى، خوفاً من الانتقام المعتاد بالقصف الصاروخي البعيد المدى بعد سقوط أي ثكنة عسكرية في الآونة الأخيرة؟! فمن سيقوم إذن بتحرير المدينة كما تقول الصحيفة؟
أهل مكة أدرى بشعابها.. شعار رفعته الصحيفة كذريعة جديدة، وهو أن عشائر الرقة كانت ومنذ أشهر تطالب بالسلاح لحماية مناطقها ومدنها وحصلت عليه، وبالتالي هي قادرة على الدفاع عن الرقة وغير الرقة دون أي تدخل عسكري من الجيش السوري، وهم خير من تولى هذه المهمة؟!. إذن.. ها أنت وربك.. واذهب أنت وربك فقاتلا.. إنا ها هنا مستنكفون!
خاتمة الأثافي كانت في الحقيقة التي تم تبنيها، وهي أن محافظة الرقة التي تضم نحو مليوني نسمة بعد النزوح إليها، ويوجد بها ثلاثة من أهم السدود الاستراتيجية في سوريا، لا تشكل أي أهمية من الناحية الاستراتيجية العسكرية، وأن الهدف من الاستيلاء عليها من قبل quot;الإرهابيينquot; هو تشتيت جهود الجيش السوري في ملاحقة فلول الإرهابيين في سوريا!؟ وتخفيف الضغط عنهم في حلب بالذات التي تعرف عمليات الجيش بها quot;انتصاراتquot; مدوية وحاسمة دفع الإرهابيين إلى الهروب نحو الأمام وquot;احتلالquot; الرقة.. حاضرة الخليفة العباسي الرشيد.
لكل ما سبق.. تستنتج الصحيفة أنه لا ضرورة ملحة لدخول الجيش إلى الرقة، فبإمكانه أن يضمن فقط عدم خروج الإرهابيين إلى مناطق أخرى وضرب معاقلهم حين تتوفر المعلومة الدقيقة من الأهالي والتنسيق مع شرفاء الرقة وعشائرها لتوفير المؤن والذخائر وصولاً للدعم اللوجستي والمدفعي دون اقتحام المدينة التي بات من واجب أهلها في كل شارع وكل حي ومنطقة الدفاع عنها كما دافع أهالي الأحياء التي بقيت صامدة، وعلى الجيش ألا يقتحم أي مدينة إلا في حال استنجد أهلها وباتوا عاجزين عن الدفاع عنها، وهذا ليس حال الرقة التي فيها ما يكفي من الرجال والنساء لدحر الإرهابيين وطردهم من حيث أتوا.
قد يكون الطرح المتقدم مجرد quot;مناورةquot; سياسية لتغطية التحرك العسكري الذي يكتنفه الكثير من الغموض في ظل نقص المعلومات على الأرض حول ما يجري في محافظة الرقة تحديداً، خاصة أن المعلومات تفيد بتحرك أرتال عسكرية من حمص وحماه للجيش السوري إلى الرقة لاستعادة السيطرة عليها، قوامه نحو 8000 جندي، يعزز من ذلك تصريحات وزير الإعلام السوري الذي quot;بشرquot; الجميع في إحدى المقابلات الإعلامية أن مسألة quot;تحريرquot; الرقة من الإرهابيين هي quot;مسألة وقتquot; لا أكثر.
لكن السؤال المطروح هو حول مدى quot;أخلاقيةquot; التذرع بالاشغال بأماكن أخرى لتأخير مسألة المواجهة في الرقة، واعتبارها منطقة جغرافية غير ذات أهمية من الناحية الاستراتيجية، على الأقل في الوقت الراهن، وترك مسألة مواجهة quot;الإرهابيينquot; كما تسميهم الصحيفة لأهلها الذين يبدوا أنهم يعاقبون لسماحهم بسقوط المدينة في أيدي quot;المرتزقةquot;، والتخلي ببساطة عن قضية حماية المدنيين وإيكالها إليهم في ظل انشغال الجيش بمناطق وقطاعات أكثر أهمية لا سيما ان الصحيفة تعود لتناقض نفسها بالادعاء أن من دخل الرقة هم مجرد مرتزقة انضم إليهم عشرات من أبناء المناطق النازحة إليها من محافظات أخرى.. هربا من العنف في مدنهم!
... كاتب وباحث
[email protected]