لم يمر إعلان البيت الأبيض عن زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما كلا من الأردن وquot;إسرائيلquot; والسلطة الفلسطينية، في الربيع المقبل من دون أن يثير الكثير من الجدل واللغط. القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي أعلن أن وصول أوباما إلى quot;إسرائيلquot; سيكون في 20 آذار المقبل، وستكون هذه الزيارة الأولى التي يقوم بها، كرئيس للولايات المتحدة، إلى الحليف الاستراتيجي quot;إسرائيلquot;، فقد امتنع خلال ولايته الأولى عن القيام بها. ويعزو كثيرون هذا الامتناع إلى توتر العلاقة بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الإسرائيلية المتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، والناجم عن خلافات فيما يتعلق بالتعامل مع البرنامج النووي الإيراني وعملية السلام.
تأتي الزيارة بعد نجاح أوباما في الحصول على ولايته الثانية، وتصاعد توتر العلاقات بين أوباما ونتنياهو، بعد اتهامات للأخير بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية لصالح منافس أوباما المرشح الجمهوري ميت رومني. كما تأتي الزيارة بعد فترة قصيرة من بدء ولاية أوباما الثانية. وبعد أن يكون نتنياهو قد شكل حكومته الجديدة التي كلف بها بعد الانتخابات.
ملف إيران النووي الذي لطالما صدعت به quot;إسرائيلquot; رأس الرئيس الأمريكي خلال فترة ولايته الأولى وعملت على زجه بين ملفات السباق إلى الرئاسة الامريكية، سيكون محل بحث وتدقيق بالطبع بين الرجلين، في ظل إصرار أوباما على اعتماد الدبلوماسية في التعامل مع هذا الملف الشائك، وبالمقابل، استمرار تلويح الحكومة الإسرائيلية بوجوب توجيه ضربة عسكرية لإيران، وإن كان ذلك بصورة أقل حدة من التهديدات التي سبقت الانتخابات الإسرائيلية.
الملف السوري وتداعيات تطور الأحداث العسكرية في سوريا، مع وصول العديد من كتائب الجيش الحر والمعارض المسلحة إلى الحدود مع الجولان السوري المحتل يأتي طرحه وتقدم أولويته في أعقاب غارات الطيران الحربي ضد سورية، في وقت ترددت فيه أنباء حول quot;ضوء أخضرquot; أميركي لهذه الغارات، كونها جاءت خلال وجود رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، اللواء أفيف كوخافي، في زيارة رسمية للولايات المتحدة بالتزامن مع شن هذه الغارات. مع تواصل زيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس إلى الولايات المتحدة لبحث الأوضاع الأمنية والملفين الإيراني والسوري.
استئناف المفاوضات الإسرائيلية ndash; الفلسطينية قد يكون مدرجاً على طاولة زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة، فالمفاوضات المجمدة منذ الحرب على غزة، نهاية 2008، رغم استئنافها خلال أيلول 2010، بضغوط أميركية، لم ينتج عنها شيء، جراء رفض نتنياهو مطالب دولية وفلسطينية بتجميد الاستيطان.
ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ألمح إلى احتمال تجميد البناء في المستوطنات quot;المعزولةquot;، كما يحلو للكيان الإسرائيلي تسميتها، والواقعة خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، مقابل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، في خطوة تبدو تمهيداً لزيارة أوباما لإسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن، فرئيس مجلس الأمن القومي، يعقوب عميدرور، ومبعوث نتنياهو الخاص، إسحق مولخو، لا يستبعدان احتمال تجميد مؤقت للبناء في المستوطنات quot;المعزولةquot; التي تقع خارج الكتل الاستيطانية الكبرى الثلاث، وهي quot;أريئيلquot; وquot;معاليه أدوميمquot; وquot;غوش عتسيونquot;. وسيكون هذا التجميد مقابل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بقيادة الإدارة الأميركية وتنفيذ الفلسطينيين خطوات مثل التعهد بعدم التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية.
السفير الأميركي في تل أبيب، دان شابيرو، والسفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل أورن، توافقا على أن زيارة أوباما إلى quot;إسرائيلquot; هي رسالة إلى العالم حول عمق العلاقات بين الدولتين. وقال السفير الأمريكي لصحيفة quot;يديعوت أحرونوتquot; إنه quot;توجد في هذه الزيارة رسالة إلى جميع الدول، الصديقة وغير الصديقة. وإذا كان هناك أحد ما يشكك في العلاقة الوثيقة والتزام الولايات المتحدة تجاه quot;إسرائيلquot;، فإن هذه الزيارة ستزيل التساؤلات. وتحمل الزيارة رسالة إلى الشعب في إسرائيل، والدول المجاورة في المنطقة والشعب الأميركي حول العلاقة القوية والعميقة بين الدولتين. وبمجرد كون هذه الزيارة الأولى في الولاية الثانية للرئيس، فإن ثمة رسالة في ذلكquot;. مستبعداً حدوث انطلاقة ذات معنى في العملية السياسية.
زيارة الرئيس الأمريكي اوباما إلى المنطقة سوف تشكل حدثاً استثنائياً بكل تاكيد، لكنها قد تكون زيارة بروتوكولية في ظل موقف نتينياهو المتصلب إزاء استئناف عملية السلام والالتزام بالشروط المطلوبة لذلك، فيما يظل الملفان السوري والإيراني الأكثر إلحاحاً وراهنية بالنسبة لكلا الجانبين بعد وصول الأمور إل مراحل متقدمة في كل منهما، وتداخل quot;إسرائيلquot; المباشر في الموضوع السوري من خلال تنفيذ غارات على أهداف عسكرية معينة، والحديث عن استهدافها عدة شخصيات عسكرية وسياسية في هذه الغارات، وقيامها أمس بإسعاف بعضة جنود سوريين لم تتكشف بعد هويتهم فيما إذا كانوا من الجيش النظامي او من مسلحي المعارضة، ما يعني أن الطرفين (الولايات المتحدة وإسرائيل) يعتقدان أن الأيام القادمة قد تكون حبلى بالتطورات الميدانية والتي قد تكون ناجمة عن الوضع العسكري والإنساني في سوريا، واحتمالات تمدد الصراع إلى دول الجوار وتورط عناصر إقليمية بشكل مباشر وعلني بعد أن توارت خلف شعارات ووجوه وتصريحات لم تفلح في التعمية على دورها الحقيقي.
كاتب وباحث
التعليقات