حال الفلسطينيين اليوم في سوريا يشبه حالهم أيام نكبتهم ونزوحهم عن أرضهم في فلسطين عام 1948، بل ربما كان المشهد أشد قسوة ومضاضة! فعندما لجأ الفلسطينيون إلى خارج بلدهم مكرهين، هاربين من الموت المترصد بهم، فتحت معظم الدول العربية وشعوبها الأبواب أمام لجوئهم، وإن تفاوت الاستقبال من دولة لأخرى، ولم يجرؤ أحد على تخوينهم أو معاملتهم بقسوة أو quot;لؤمquot; ولا حتى تخوينهم كما يجري مع فلسطينيي سوريا.
حتى بعض أبناء جلدتنا (وأؤكد هنا على البعض) من الفلسطينيين الذين يعيشون خارج سوريا في بلدان الطوق العربي، اتهموا الفلسطينيين النازحين من سوريا إلى لبنان بالمسؤولية عما جرى معهم بذريعة وقوفهم إلى جانب أحد الفرقاء في سوريا، وكأن الوقوف إلى جانب الضحية والتعاطف معها واستقبال النازحين من السوريين في بيوت الفلسطينيين التي منحها الشعب السوري لهم قبل عشرات السنين quot;جريمةquot; في ظل انعدام الحس الإنساني عند البعض ومواته لدى آخرين.
بل لكأن النظام السوري الذي أعلن مراراً أن أياً من مخيمات الفلسطينيين في سوريا ليس أغلى عليه من أي مدينة سورية يتم قصفها ليل نهار (بحسب تصريحات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة أحمد جبريل في بداية الأزمة) ينتظر موقفاً متعاطفاً أو متضامناً مع شعبه حتى يقوم باعتبار اللاجئين الفلسطينيين خصماً له وعدواً؟!
لعل من أقسى العبارات التي سمعتها من بعض ممتهني العمل السياسي والمسلح quot;الرسميquot; في لبنان (وهم فلسطينيون بالمناسبة) أن ما جرى من لجوء ونزوح للفلسطينيين في سوريا quot;يستحقونهquot; بسبب مواقفهم من الثورة السورية، وأن مصير quot;الإبادةquot; ينتظرهم في حال نجاح النظام في إخماد الثورة السورية، وأنهم يعيدون التاريخ الفلسطيني في عدد من الدول العربية وانحيازهم إلى فريق في مواجهة الآخر كما حدث في غزو العراق للكويت. ونسي هذا الفريق الذي شكل من بعض منتسبيه اللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية وقمع الفلسطينيين ومعهم السوريين في المخيمات، أن الموقف الفلسطيني كان ولا يزال النأي بالنفس واحترام أصول الضيافة وعدم التدخل في شؤون المضيف، إلا من باب إغاثته وتضميد جراحه المثخنة، وأن quot;لجان الزعرانquot; المشكلة من مدمني الحبوب المخدرة وسكارى حراس المقرات الأمنية، ومعاملتهم السيئة لأهلهم في المخيمات من سوريين وفلسطينيين، هو ما نقل المعارك إلى قلب المخيمات.
في الأردن، يمنع الفلسطيني من عبور الحدود حتى لا يدفع النظام الأردني quot;ثمناً سياسياًquot; للازمة السورية، على حد تعبير الناطق باسم الحكومة الأردنية العتيدة! وفي لبنان يتضامن أهلنا في مخيماته مع النازحين من سوريا من دون أن يجد أي دعم من وكالة الأونروا او حتى من بعض الفصائل الفلسطينية التي تهيمن على مفاصل العمل السياسي في بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان.
أما فلسطينيو العراق الذين هجروا منه إلى سوريا في أعقاب الغزو الأمريكي لبلاد الرافدين، فهم يعيشون في مخيم الهول بمدينة الحسكة السورية (الآمنة نسبياً بالمقارنة مع بقية المدن) ويعانون أوضاعاً إنسانية ومعيشية وصحية سيئة جدا، خصوصا بعد قصف الطائرات السورية لقرية الهول المجاورة للمخيم وحصول مجزرة في القرية، وقد سقطت عدة طواريخ من الطائرة أثناء هذا القصف داخل المخيم عند الأطراف إلا أنه لم يصب أحد بأذى.
وبعد هذا القصف فر معظم أهالي القرية ولم يبقى سوى اللاجئين الفلسطينيين المنكوبين في المخيم منقطعين عن العالم الخارجي مع أوضاعهم المأساوية وقلة الغذاء والدواء والتدفئة وانقطاع الكهرباء المتكرر في هذا البرد القارص وانقطاع شبكات الاتصالات الهاتفية.
أهالي المخيم كان قد تم وعدهم بنقلهم إلى مقر المفوضية في مدينة الحسكة، إلا أن هذا الأمر لم يحدث ولم يتجرأ أحد لحد الآن على الذهاب للمخيم لنقلهم ويوجد موظف واحد فقط في مقر مفوضية اللاجئين في مدينة الحسكة. وقد تم تزويد المخيم قبل عدة أيام بوجبة خبز ووجبة طعام إلا ان الظروف القادمة ربما تحمل في الأسوأ طياتها. وبالتالي فإن أهالي مخيم الهول بمدينة الحسكة السورية يناشدون التدخل العاجل والسريع ممن يستطيع أن ينقذهم من هذه المحنة، على الرغم من أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين هي المسؤولة عنهم لا وكالة الأونروا، وهي الذريعة التي لطالما تنصلت بها المفوضية عن خدمة فلسطينيي العراق المهجرين إلى سوريا في السابق للتقاعس عن واجبها إزاءهم.
ما حدث في تموز الماضي من استهداف لمخيم اليرموك، دفَع الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى ترك سورية واللجوء إلى لبنان، وتبيّن أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين من سوريا في لبنان، بحسب إحصاءات الأونروا، كان قبل أحداث اليرموك، 9500 شخص، وأن الأحداث أدّت إلى تهجير 3500 شخص، فأصبح مجموعهم 13000 شخص. وبحسب معدل أفراد العائلة، يصبح عدد العائلات 3275 عائلة.
الرقم الأدق هو ملفات الأمن العام على الحدود والمطار، وهو ما بيّنه تقرير صدر في 24/12/2012، عن الحركة منذ 26/7/2012، وهو كالتالي: الداخلون: 38447 شخصاً، المغادرون: 24320 شخصاً، المقيمون: 14127 شخصاً، لكن هذا الرقم يشكو من عدم شموله الذين لجؤوا إلى لبنان قبل تموز 2012. وهم يقدرون بنحو 3000 لاجئ، بمعدل 600 عائلة. وإذا أضفنا الذين وصلوا بعدهم، فإن التقدير هو أكثر من 20500 شخص.
عشرون ألف لاجئ فلسطيني تقريباً نزحوا من سوريا إلى لبنان بسبب الأحداث في سوريا، بحسب ما قدره مكتب حركة حماس للاجئين في لبنان، وللملاحظ أن يرى أنه كلما نزحت عائلة او أكثر سارعت إلى العودة إلى quot;مخيمات الموتquot; حالياً في سوريا هرباً من واقع أليم، وإغاثي مأساوي، فهل يكتب اللاجئون الفلسطينيون في سوريا فصول المرحلة الثانية من تغريبة أهل فلسطين في ظل تقاعس عربي ودولي.. أقل ما يقال عنه أنه quot;مؤسفquot;!؟

... كاتب وباحث
[email protected]