بصراحة وبكل صدق وشفافية، لم أكن أتوقع صدور بيان يتضمن توقيع عدد من كبار المثقفين والصحفيين والإعلاميين اللبنانيين، إلى جانب نظرائهم السوريين والفلسطينيين؛ لاستنكار تصريحات بعض المسؤولين اللبنانيين على خلفية ازدياد حركة نزوح اللاجئين السوريين والفلسطينيين الهاربين من نيران القتال في سوريا.
الموقعون على البيان، لم يتوانوا عن الإشارة إلى تصاعد وتيرة التصريحات السياسية المنطوية على ما وصفوه quot;خطاباً عنصرياً صريحاً وخطيراًquot; في الآونة الأخيرة، ولم يخجلوا حتى من ذلك، معتبرين أن البعض قد ذهب إلى حدّ المطالبة بإعادة النازحين من حيث أتوا، أي إرسالهم إلى موتهم المؤكّد. وبالطبع لم يردع هؤلاء أنّهم بهذا المواقف يشاركون في quot;جريمة ضدّ الإنسانيّةquot;.
المثقفون اللبنانيون الذين حملوا على عاتقهم إدانة كل المواقف العنصرية التي تستهدف السوريين والفلسطينيين، وأي جماعة دينية أو عرقية أو طائفية أخرى بما هي كذلك، والصادرة عن مسؤولين رسميين لبنانيين أو عن سياسيين يحتلون مواقع رئيسة في الحياة العامة في لبنان، حذروا من أي تبعات أو عواقب مادية قد تنجم عن هذا الخطاب العنصري المسموم، وحملوا أصحابه المسؤولية الجزائية المباشرة عن أي ضحيّة قد تسقط جراء تحريضهم.
ما من شك أن الأهداف السياسية والانتخابية الآنية حاضرة في خطاب بعض السياسيين والمتنفذين اللبنانيين، لكن ذلك من وجهة نظر المثقفين اللبنانيين ومن آزرهم وتضامن معهم من إخوتهم السوريين والفلسطينيين، لا تخول أي شخص اللجوء إلى الدعاية العنصرية بحجة تهديد الأمن اللبناني الداخلي، او حتى فرص العمل بالنسبة للبنانيين.
مقدمة الدستور اللبناني التي تؤكد على الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الانسان، والذي يضمن استقبال اللاجئين من مناطق القتال، كانت لمحة ذكية من مثقفين تماهوا مع الشأن الإنساني في الأزمة السورية بصرف النظر عن الموقف من الحل السياسي في سوريا، في ظل تجاهل الخطاب الرسمي السوري عن أي إشارة إلى مأساة النازحين واللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم 600 الف، حسب إعلان الأمم المتحدة الأخير.
قد تكون الملاحظة الوحيدة التي يمكن القول إن بيان المثقفين اللبنانيين وقع فيها من حيث لم يحتسب، وجارى فيها خطاب التجييش العنصري ضد الوجود السوري والفلسطيني في لبنان، تحذيره من عواقب هذا المسار العنصري التي وصفها quot;بالوخيمةquot;، وأن تلك المواقف سوف تنعكس سلباً على المسيحيين في المنطقة وفي لبنان، وأنها ستعيد أجواء الحرب الأهلية المريرة في لبنان، وإلحاق الأذى بمصالح مئات الآلاف من اللبنانيين المقيمين والعاملين في الخارج.
هواجس الخوف على الوجود المسيحي والحفاظ على الأمن اللبناني الداخلي من وجهة نظر المثقفين اللبنانيين، يبددها التسامح وتوسيع رقعته في الشأن العام والتعامل الإنساني مع مأساة شعب تتفرج دول العالم على أطفاله وهم يتألمون في صقيع برد الإنسانية.
ويأتي هذا البيان مع إعلان المفوضية العليا للاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة المفاجئ لأشد المتشائمين بأن عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار وشمال أفريقيا تجاوز 600 ألف لاجئ، بعد تسجيل أكثر من مائة ألف لاجئ جديد خلال الشهر الماضي. وتشير الأرقام التي أوردتها المفوضية إلى وجود نحو 612 ألفا لاجئا سورياً مسجلاً في الدول المجاورة، ويوجد نحو 200 ألف لاجئ مسجل في لبنان، وأكثر من 153 ألفا في تركيا، و69 ألفا في العراق، و13 ألفا في مصر، وأكثر من خمسة آلاف في شمال أفريقيا. فيما يؤوي الأردن 176 ألفا.
أرقام قد لا يجد الضمير الإنساني حيالها إلا الخجل من حجم ما تم تقديمه ويقدم بالنسبة لأكثر من نصف مليون لاجئ يباتون في عراء المخيمات، وفي الوقت الذي ينتظرون فيه معونة إخوتهم العرب ونظرائهم في الغرب والشرق، تتصاعد نزعات عنصرية بغيضة لا تضر فقط بتاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، بقدر ما تضر بصورة اللبناني في الخارج، وهو الذي ملأ أصقاع الأرض بجالياته سعياً في مناكبها.
هشام منوّر... كاتب وباحث
[email protected]