قد يكون كلام المبعوث الدولي العربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي بخصوص تأزم الوضع في سوريا، وتجاوزه مرحلة التقسيم إلى خطر الصوملة، من باب التهويل الإعلامي والضغط السياسي على أطراف الحل في سوريا، للمبادرة إلى إيجاد صيغة توافقية أو القبول بما طرحه ويطرحه المبعوث الأممي الذي فشل حتى الآن في تحقيق أي وقف لإطلاق النار سار المفعول (إذا استثنينا هدنة العيد الماضي التي لم تصمد وكانت هشة).
بيد أن رد الفعل العملي لتصريحات الإبراهيمي الذي بدا متشائماً وحزيناً على الوضع السوري كان تصاعد العمليات العسكرية على امتداد البلاد، وبالذات بعد أن عرفت سوريا طقساً مشمساً وصالحاً للملاحة الجوية، فقابل قصف الطيران الحربي هجوماً شاملاً من قبل عناصر المعارضة للمطارات العسكرية والمدنية، حتى باتت سوريا تعيش من دون رئتيها الحيويتين (مطاري دمشق وحلب) بداعي إجراء صيانة دورية لكليهما!
مصطلح الصوملة الغريب عن واقع الأمر في سوريا، في ظل رفض كل الأطراف له، يبدو أن التسويق له يتم في ظل استبعاد الحديث عن التقسيم والمحاصصة السياسية في سوريا، بعد أن أضحى أكثر من 80 بالمئة من البلاد في أيدي المعارضة السورية، ولم يتبق سوى بعض الأحياء في مدينة حلب، وأحياء مدينة دمشق المكتظة بالحضور الأمني والعسكري، وهي لا تنعم بالمناسبة بأي أمن أو تحييد عما يجري في الريف الدمشقي، خاصة مع حلول ساعات الظلام.
لا تقسيم إذن لسوريا، وإن كانت بعض الجهات غير السورية لا تزال تحذر وتخوف من نشوء أقاليم سورية أو حتى دول، وتؤكد على أن المقصود من كل ما يجري في سوريا هو تفتيت المكون السوري والهوية السورية إلى هويات وإنثيات ومذهبيات متناحرة، والغريب أكثر أن الحديث عن ذلك لا يردده إلا من يشكك في شرعية الحراك الشعبي السوري، فيما جميع مكونات الحراك السوري، السلمي والعسكري، يصر على استبعاد هذه الفكرة وعدم ورودها بالنسبة لأجندة المعارضة التي نجحت في كسر حدة النظر إليها كممثل لطيف وحيد من الشعب السوري بضم العديد من أطياف المعارضة quot;غير الإسلاميةquot; وحتى المذهبية والإثنية في سوريا.
quot;الجحيمquot; مصطلح خير فيه الإبراهيمي السوريين بين القبول بخطته quot;العرجاءquot; وغير المستقيمة، وبين العيش في مستقبل سوف يقتل منهم أكثر ما قتل حتى الآن، وكأن العجز عن إقناع الأطراف بخطة ما يبرر استمرار النزيف السوري على جنبات توفير حل سياسي أو صفقة تقبل بها كل الدول الإقليمية والأطراف الدولية في الأزمة السورية.
مشكلة الأزمة السورية أن الحل الذي يراهن الجميع على كونه توافقياً من خلال إيجاد صيغة يقبل بها كل الأطراف المنخرطون في الأزمة قد لا يبدو واقعياً ولا متاحاً بعد اليوم. فمن يضمن القبول أو تنفيذ أي اتفاق يمكن أن تقبل به معارضة الخارج أو الداخل مع النظام السوري؟ ومن يمتلك الضغط على المجموعات المقاتلة على الأرض في ظل امتلاكها للقرار وعدم اضطرارها لانتظار تمويل السلاح والعتاد من الخارج بعد أن نجحت في السيطرة على مخازن كبيرة للسلاح والعتاد والذخيرة من الجيش النظامي؟
الحل سوري بامتياز.. هذا ما يردد الجميع، موالاة ومعارضة، وإن بطريقة معاكسة في الفهم، وإلى أن ينجح السوريون في فك شيفرة الحسم وتظهير ملامح المستقبل، يعمل الجميع، بلا استثناء، على استنزاف الأرض والإنسان في سوريا خدمة لأهداف مستقبلية تتعلق بموقف سوريا مستقبلاً من أي قضايا، أو يخص دورها الإقليمي، واحتمال اندلاع المواجهات والنزاعات في دول مجاورة أقل تماسكاً من الناحية السياسية والديمغرافية مما قدمه السوريون حتى اليوم، رغم المراهنات على تفتيتهم وتقسيمهم التي باءت بالفشل والخذلان.. كما هو حال مشروع الصوملة.. والتلويح به!
كاتب وباحث