جاء نبأ وضع جبهة النصرة التي تقاتل في سوريا ضد النظام على قائمة الإرهاب، والمتهمة بأنها فرع من فروع تنظيم القاعدة، كما تتهمها الولايات المتحدة وجهات أخرى مقربة منها، ليفجر موقفاً سورياً شعبياً مفاجئاً لما كان الغرب ينتظره من ثوار أنهكتهم المعاناة ومأساة سوريا الحديثة، بعد مرور ما يقرب من عامين على اندلاع الحراك الشعبي فيها.
صحيفة النيويورك تايمز أكدت أن إدراج واشنطن لجبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية جاء متأخراً جدا وقليل الفائدة كثيرا، لا سيما مع التأخر في التحرك الأميركي إلى جانب الثورة السورية. ونقلت الصحيفة عن مصادر أن العراق كان ينظر إلى الحركة بوصفها حركة إرهابية على أساس أن لها نفوذ في العراق، وبالتالي قد يكون وضعها في قائمة المنظمات الإرهابية مطلباً عراقياً، وأضافت الصحيفة أن الإدراج وحّد كثيراً من الجبهات السورية والجهادية ضد أميركا، وحتى من الليبراليين، وأعلنت أكثر من مئة منظمة ثورية وصحيفة للنشطاء على الفيسبوك تأييدهم لجبهة النصرة‫.‬
lrm;يتندر الثوار على الأرض بأن واشنطن لم تضع النظام السوري حتى الآن ضمن الإرهابيين، واكتفت بوضع quot;الشبيحةquot; على قائمة المنظمات الإرهابية، في الوقت الذي يتعذر تعريفها ومعرفة أشخاصها وتركيبتها التنظيمية‫.‬
كثير من المتابعين للشأن السوري قرؤوا الموقف الأمريكي والقرار بإدراج جبهة النصرة على قائمة الإرهاب على أنه بداية مساومة أمريكية للمعارضة السورية بسبب تأخرها في التدخل في الأزمة السورية، حيث تحاول الإدارة الأمريكية الآن quot;تقليمquot; أظافرquot; الجماعات التي حاربت وحملت السلاح في سوريا لإسقاط النظام، ومفاوضة المعارضة السياسية لاقتناص أكبر قدر ممكن من الغنائم والمكاسب السياسية، لا سيما مع إقرار روسيا، الحليف العسكري والاستراتيجي الأكبر للنظام السوري باحتمال انتصار المعارضة على النظام، وفقدان سيطرة النظام على الأراضي السورية، وتأمين عمليات إجلاء للرعايا الروس من سورية.
مبعوث الكرملين الخاص لشؤون الشرق الأوسط صرح أخيراً أن قوات المعارضة السورية تحقق مكاسب في مواجهة القوات الحكومية، وأن من الممكن أن تنتصر في الحرب. وقال المبعوث ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية إن روسيا تعكف على إعداد خطط لإجلاء مواطنيها من سوريا في حالة الضرورة. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن بوغدانوف قوله quot;ينبغي أن نواجه الحقائق.. النظام والحكومة في سوريا يفقدان السيطرة على المزيد والمزيد من الأراضيquot;، quot;للأسف لا يمكن استبعاد انتصار المعارضة السورية.quot;
المعارضة السورية عقدت اجتماعاً الأسبوع الماضي في تركيا بحضور أغلبية القادة العسكريين الذين يقودون عمليات القتال ضد قوات الأسد، وطالبوا المجتمع الدولي بتزويدهم بالأسلحة المضادة للطائرات. وأعلن قادة الثوار الذين اجتمعوا في تركيا مع مسؤولين غربيين وعرب، بوضوح أنهم لا يشاركون الولايات المتحدة في رأيها بخصوص جبهة النصرة، والتي لم يتم دعوتها لحضور الاجتماع. ونسب إلى العقيد عبد الجبار العقيدي قوله: quot;إن لجبهة النصرة قادتها الخاصين وبنيتها الخاصة بها، وإنها تقاتل جنبا إلى جنب مع مقاتلي الجيش السوري الحر، لم نر منهم سوى الأشياء الجيدة، وإنهم مقاتلون جيدونquot;.
تسرب المقاتلين الأجانب quot;الإسلاميينquot; بالذات إلى سوريا لم يعد سراً يذاع أو أمراً يتكتم عليه أو حتى تخجل منه المعارضة السورية وأجنحتها العسكرية المتناسلة، فأرض سوريا وفق فهم مقاتلي السلفية الجهادية، أضحت quot;أرض جهادquot; لا يمكن الوقوف مكتوفي الأيدي أمام أنهار الدماء السائلة فيها، ورغم ضآلة نسبتهم حتى الآن، بحسب مقاتلي كتائب الجيش الحر والمجالس العسكرية في الداخل السوري، إلا أن انطباعات ومشاهد عديدة عن أسلوب قتال ما يمكن تسميته quot;الكتائب السلفيةquot; وتحركها، ورفضهم التعايش أو التمازج أو حتى التماهي مع بقية الكتائب المقاتلة في سوريا، يبعث على quot;الطمأنينةquot; في نفوس الكتائب السورية التكوين والمشكلة من انشقاقات عن الجيش النظامي، أو من المدنيين المتطوعين، بعد امتداد شرارة المعارك إلى قراهم ومدنهم.
فهذه الكتائب، ومنها جبهة النصرة، لا مطمح سياسي لها في مستقبل سوريا، كما يرى المقربون منها والعالمون بخفايا أمورها من مقاتلي الكتائب الأخرى، والعقيدة القتالية التي يحملها أفرادها عقيدة quot;طوباويةquot; ترى في تحقيق الشهادة وبلوغ الجنة هدفاً أساسياً لكل مقاتل فيهم، إلى درجة سريان العديد من الأنباء (وربما لا تعدو كونها مجرد شائعات) عن شراسة مقاتلي هذه الكتائب وتقدمهم أي عملية كبيرة في مواجهة النظام؛ نظراً لخبرتهم الطويلة وتمرسهم في مواجهة الخصوم والأعداء وعدم رهبة الموت، ما جعل الكثيرين يهابون جانبها حتى من قبل الموالين أو رفقاء السلاح، كما يقال.
كاتب وباحث