تتوالى حلقات مسلسل المخيم الفلسطيني المغضوب عليه في لبنان وربما في المنطقة بأسرها (مخيم نهر البارد)، بسبب كونه في الماضي ملاذاً لبعض الجماعات الإرهابية المسلحة التي تم الاختلاف فيما بعد على الجهة المتبنية لها، والتي تم إلصاقها بحركة فتح الانتفاضة المنشقة بدورها عن حركة فتح الأم.
تدمير كامل المخيم وتشريد أهله منه حتى الآن والبطء في وتيرة إعماره بعد مرور سنوات طويلة على حرب مخيم نهر البارد التي لم يتمكن الجيش اللبناني فيها من حسم معركته ضد تنظيم فتح الإسلام الذي ضم مقاتلين من جنسيات عربية وأجنبية ولم يضم يومها مقاتلاً فلسطينياً واحداً، لم يشفع كل ذلك أمام استمرار اعتبار المخيم منطقة أمنية وعسكرية يحظر على أهلها الدخول أو الخروج إلا بتصريح وإذن أمني مسبق، بما يعنيه ذلك من تضييق على الأهالي واستفزاز يومي لهم.
البعض رأى في محاولات النظر إلى المخيم على أنه مشكلة أمنية فحسب تسطيحاً لمشكلة إنسانية المفروض ألا تخضع لحسابات وتجاذبات السياسة والفرقاء السياسيين، إلا أن واقع الأيام أثبت حتى اليوم أن التعامل الأمني وحده مع أزمة نهر البارد لا يمكن أن يكون كفيلاً بإيجاد حل شامل ونهائي لمعاناة سكانه المشردين حتى اليوم.
اندلعت المواجهة بين سكان المخيم المعروف بعدم امتلاكهم، على خلاف بقية المخيمات الفلسطينية، للسلاح، إثر خلاف بسيط مع أحد شبانه، ولم يكن يستدعي تصعيداً في التعامل لولا غايات ربما تتكشف مستقبلاً، تتعلق بالشأن السوري، وفي ظني أن حكمة بعض الفرقاء السياسيين في لبنان جنبت البلد المنقسم على نفسه دوماً فتنة طائفية ومذهبية من خلال الاصطفاف مع أحد طرفي النزاع في سوريا، بيد أن خاصرة المخيمات الفلسطينية الرخوة في لبنان قد تكون المنفذ لجهات وفئات معينة لتوريط البلد في الأزمة السورية، والزج بالعنصر الفلسطيني على مذبح الخلافات اللبنانية الداخلية في ظل تكاسل جميع الأطراف اللبنانية والفلسطينية عن القيام بواجب الجلوس إلى طاولة حوار خاص بتنظيم أوضاع الفلسطينيين في لبنان، وتأمين متطلبات حياة كريمة بهم، مع مراعاة الخصوصية اللبنانية في هذا السياق التي يجب ألا تحول دون تمتع الفلسطينيين بكامل حقوقهم المدنية كلاجئين.
قيادة الفصائل الفلسطينية في لبنان عقدت اجتماعاً طارئاً في مقر سفارة فلسطين في بيروت، للتباحث في أحداث مخيم نهر البارد المؤسفة وأكد بيانها على الحرص على السلم الاهلي في لبنان، وعلى المحافظة على أمن المخيمات الفلسطينية واستقرارها، وعلى بناء أفضل العلاقات مع الجيش اللبناني، إلا أنه لم ينس إدانة إطلاق النار على أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل في مخيم نهر البارد، ومطالبة قيادة الجيش بتشكيل لجنة تحقيق بالحادث المؤسف، خصوصاً أن هناك شهداء وجرحى من أبناء المخيم كما طالب باطلاق سراح الموقوفين ورفع الحالة العسكرية المفروضة على المخيم. اللافت في البيان تحذيره من محاولات توريط الجيش اللبناني والمخيمات الفلسطينية من فتنة لا تخدم إلا من سماه البيان quot;العدو الصهيونيquot;، كما أكد رفض الفصائل الفلسطينية quot;استخدام المخيمات كصندوق بريد لأحد في ظل الاوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقةquot;، وأن الفلسطينيين في لبنان ليسوا quot;طرفاً في أي نزاع لبناني داخليquot;.
لن أستغرب إن انتفضت المخيمات الفلسطينية في جميع لبنان نصرة للمخيم المنكوب، والذي بدأ ما يشبه عصياناً مدنياً وسيطرت عليه حالة من الفلتان الأمني في أعقاب المواجهات مع الجيش اللبناني، وإذا كان الحكماء والعقلاء موجودين وقادرين على ضبط الأوضاع، فقد يتم السيطرة على مجريات الأمور مؤقتاً، لكن تقديري أن دعاة الفتنة ومروجيها قد وجدوا الحل الأمثل لإشعال المنطقة بأسرها من خلال التركيز على هشاشة الوضع الفلسطيني في لبنان كمدخل لفتنة إقليمية شاملة، ما لم تجد أزمة quot;الباردquot; حلاً يطفؤها لا يكون أمنياً كما جرت العادة في كل مرة!؟
... كاتب وباحث
[email protected]