قام الكيان الإسرائيلي quot;كتر الله خيرهquot; بتسليم السلطة الوطنية الفلسطينية quot;العتيدةquot; رفات 91 شهيداً فلسطينياً كانت محتجزة لديها منذ سنوات. ونقلت quot;إسرائيلquot; بشكل رسمي رفات الشهداء للسلطة في موقع قرب مدينة أريحا بالضفة الغربية، 79 جثة منها إلى مدينة رام الله، بينما نقلت 12 جثة إلى قطاع غزة.
احتفال فصائلي ورسمي quot;مهيبquot; استحقه رفات من ناضل وكافح وسعى لمقاومة العدو الإسرائيلي، ولم يعبأ تالياً باستشهاده على أرض وتراب وطنه فلسطين، بل لم يكن استعادة جثمانه أو حتى رفاته ضمن حسابات من أقدم على مقاومة المحتل، ومصارعته على أرض لم يكن يظن يوماً أن يتم quot;لفظهquot; منها وإخراجه من حناياها من قبل المحتل، ليستقبله السياسيون والفصائل الفلسطينية quot;استقبال الأبطالquot;، معتبرين أمر استعادتهم بعد عشرات السنين (بحسب رفات البعض) quot;نصراًquot; فلسطينياً مؤزراً؟!
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن الشهر الماضي أن الحكومة الإسرائيلية ستسلم نحو مئة جثة لفلسطينيين quot;كبادرة حسن نيةquot; تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولست أدري متى كان الشعب الفلسطيني وقياداته السياسية تنتظر مبادرات quot;حسن النيةquot; من قاتل هؤلاء الشهداء ومقتلعهم من قبورهم بعد عشرات السنين؟
ألم يكن من الأجدى في هذه العملية التي شهدت تغطية إعلامية كبيرة، واهتماماً رسمياً وشعبياً غير اعتيادي، أن يتم ترك رفات هؤلاء الشهداء والمقاومين والأبطال في أرضهم ومسقط رأسهم حيث استشهدوا، وكل فلسطين بالنسبة لهم ولمن وراءهم، أرض لآبائهم وأجدادهم ولا فرق في ذلك بين مكان وآخر، ولا بين ضفة وغزة، أو داخل وخارج؟
ألم يكن من المفيد والجدير بالقيادة الفلسطينية العتيدة، التي حاولت استثمار نجاح سياسي دفعته إسرائيل quot;بسخاءquot; ودون أن تلتفت وراءها، أن يبقى هؤلاء الشهداء والأبطال حيثما استشهدوا وقاوموا المحتل والمغتصب، ثم يخوض الجميع، فتح وحماس، وكافة الفصائل الفلسطينية، معركة ونضالاً جديداً ضد المحتل، واعتبار رفات الشهداء، الذين هم quot;أحياء عند ربهم يرزقونquot; بمثابة الأسرى الأحياء الذين انتفض الشعب الفلسطيني برمته لنصرتهم والوقوف معهم، في إضرابهم عن الطعام، حتى بادرت quot;إسرائيلquot; راغمة لتنفيذ مطالبهم، فيتم خوض معركة ونضال جديدين الهدف منهما تثبيت القبور الفلسطينية في أماكن دفنها، والعمل على إجبار الاحتلال على السماح لأهالي أؤلئك الشهداء لزيارتهم، والتأكيد على حق أهاليهم بالوصول إلى أماكن رفات مقابر الأرقام والتعريف بها، واعتبار مسألة زيارتهم بنداً وطنياً يلتف الفلسطينيون من ورائه؟
ألم يخطر ببال أحد من القيادات الفلسطينية التي تناهبت حلبات العزّ مستبقاً (مع الاعتذار إلى الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري) للإشادة بهذا الإنجاز الوطني الكبير، الذي قدمته quot;إسرائيلquot; على طبق من فضة للرئيس الفلسطيني، أنّ من يقوم بزراعة القدس المحتلة والضفة الغربية والأماكن التاريخية والأثرية في فلسطين بالقبور اليهودية الوهمية للمطالبة لاحقاً بالأرض ومن فيها، والادعاء بملكية هذه الأماكن، ألم يخطر ببال أحد أنه بينما تقوم إسرائيل بذلك، لا تعبأ بانتزاع شهدائنا من أحضان الأرض وبطونها، بعد أن أهانتهم بتسمية مقابرهم quot;مقابر الأرقامquot; رغم معرفتها بأسماء من استشهد ضدها.
ألم يدر بخلد من تباهى بهذا الإنجاز، أن سعي quot;إسرائيلquot; لتسليم رفات الشهداء إلى الطرف الفلسطيني قد استند إلى أنهم يعتبرون أن هذه الأرض quot;فلسطينquot; أرضاً يهودية مقدسة، وأنه لا يجوز دفن أحد من quot;الأغيارquot; فيها ولا quot;تدنيسهاquot; برفات غير اليهودي، فكيف بمن يعتبرهم عدواً له واستشهد مقاوماً لوجودهم البغيض؟!
إنه حول نضالي فلسطيني الذي أصاب كثيراً من النخب الفلسطينية، فتسابقت على امتطاء صهوة نصر زائف، وقبول quot;هدفquot; إسرائيلي جديد في المرمى الفلسطيني، بينما لم يكن أي من أهالي رفات الشهداء، مع تقديرنا لمصابهم وفرحتهم بعودة أبنائهم، لم يكن أي منهم ليمانع لو تم اعتبار جثمان ابنه أو رفاته quot;مسماراًquot; في أرض محتلة، وتعهد سياسيو وطنه بالعمل على استعادة الأرض التي استشهد عليها ابنه، أو على الأقل، النضال لتأمين زيارة إجبارية من الاحتلال لأهالي الشهداء لقبور أبنائهم، فإذا كان من يموت خارج فلسطين وفي الشتات يجعل من دفنه في فلسطين quot;وصيةquot; لأبنائه وأقاربه، أفيكون جزاء المقاومين والمناضلين اقتلاعهم من أرض فلسطين التي سقطوا عليها، وحرمانهم من أرض قد لا يتاح لمن بعدهم المكوث فيها، أو حتى الرنو إليها إلا في الخطابات والشعارات والأماني؟!


هشام منوّر... كاتب وباحث
[email protected]