جاءت الانتخابات التشريعية الجزائرية quot;مفاجئةquot; وquot;متعقلةquot;، في الوقت نفسه، وquot;مميزةquot; أخيراً، بعد أن فاز حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر بالانتخابات التشريعية، التي جرت الخميس الماضي بحصوله على 220 مقعداً من أصل 462.
في حين، مني الإسلاميون الممثلون بسبعة أحزاب بأول هزيمة للإسلاميين العرب منذ انطلاق الربيع العربي. وكانت الأنظار موجهة إلى النتيجة التي سيحققها الإسلاميون في الجزائر بعد أن فاز نظراؤهم في تونس ومصر والمغرب.
النتائج الرسمية التي أعلنها وزير الداخلية الجزائري أعطت جبهة التحرير الوطني، حزب رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، والتجمع الوطني الديمقراطي، حزب رئيس الوزراء أحمد اويحيى، الأغلبية المطلقة فيما يسمى المجلس الشعبي الوطني أو (مجلس النواب).
وفازت جبهة التحرير بـ220 مقعداً يليه حليفه التجمع الوطني بـ68 مقعداً، أي ما مجموعه 288 مقعداً، ما يعني أغلبية مريحة في البرلمان تتيح تمرير كل القوانين، وأولها تعديل الدستور الذي وعد به بوتفليقة في خطاب 15 نيسان عندما أعلن إصلاحاته السياسية.
وكان لافتاً في مجتمع عربي مسلم خاض تجربة الديمقراطية والانتخابات في التسعينات، التي تم إلغاؤها بعد فوز الأحزاب الإسلامية حينها، حصولها مجتمعة على 59 مقعداً فقط. بينما حصل تكتل laquo;الجزائر الخضراءraquo; الذي يضم حركات الإصلاح والنهضة ومجتمع السلم على 48 مقعداً أي بتراجع 11 مقعداً عن انتخابات 2007.
وحصلت جبهة العدالة والتنمية للإسلامي عبد اللـه جاب اللـه على سبعة مقاعد، وفازت جبهة التغيير بزعامة وزير الصناعة السابق عبد المجيد مناصرة بأربعة مقاعد فقط. ولم يحصل حزب العدالة والتنمية بزعامة المرشح الرئاسي السابق محمد سعيد، وجبهة الجزائر الجديد لأحمد بن عبد السلام المنشق عن حركة الإصلاح على أي مقعد.
أكثر من تسعة ملايين جزائري من بين 21.6 مليون ناخب شاركوا في الانتخابات التي بلغت نسبة المشاركة فيها 42.36%. ونحن لا نزال في معطيات الأرقام التي أعلنتها وزارة الداخلية الجزائرية.
بصرف النظر عن الأرقام ومدى دقتها، والتي شككت في صحتها الأحزاب والتيارات الإسلامية قاطبة، فقد نالت الانتخابات ترحيباً أوروبياً ودولياً quot;خجولاًquot; لم يمنع من كتمان الأوروبيين والغرب بوجه عام لفرحته من خسارة إسلاميي الجزائر لهذه المحطة من قطار الربيع العربي، في ظل ما يعتبره الأوروبيون ماض أسود لإسلاميي الجزائر واتهامهم باللجوء إلى العنف في مواجهة إلغاء النظام لنتائج الانتخابات التشريعية التي فازوا فيها في التسعينات.
في موازاة الارتياح الغربي والأوروبي تحديداً، تنفس أنصار معاداة الربيع العربي والمشككين في حراك الناس والشارع الصعداء بعد أن بدا أن التيار الإسلامي الذي هيمن على آفاق الربيع العربي قد انكسر على شطآن الجزائر رغم كون شعبها من أكثر شعوب المغرب العربي الكبير محافظة وتديناً.
احتمالات التزوير والتلاعب في النتائج وتسويتها بما يتفق مع غايات النظام الجزائري قائمة ومحتملة في ظل سوابق النظام الجزائري في الماضي، لكن الأخطر من كل ذلك أن مستقبل البلاد على المحك مجدداً، خاصة أن الرغبة في توريث الحكم وصولجان النظام في الجزائر من خلال تحالف الحزبين الحاكمين للرئيس ورئيس وزرائه في الانتخابات، وتمرير تعديلات دستورية معينة تصب في خدمة جهات متنفذة داخل الجزائر، لم تعد خافية أو مجهولة.
الخوف الأكبر، بعد الخوف على انفتاح شلال الدم في الجزائر، يمتد إلى أمواج الربيع العربي التي ظن المهووسون بنظرية التآمر على القومية العربية والأمة والتضامن العربي وأنظمته المعروفة، أنها قد انكسرت وتحطمت وأثبتت فشلها في بلد لا ينكر حضور الإسلام والدين في حياته العامة والخاصة.
هي إذن محاولة لخلط الأوراق وتشويش المواطن العربي إزاء ما يجري من حراك في العالم العربي، قد تكون لبست لبوس الحفاظ على وحدة البلاد وتجنبيها quot;ويلاتquot; الربيع العربي وquot;نعيمهquot; المفترض، لكن السؤال يظل قائماً: ومتى كان المستبد لا يتذرع بالخوف على الوطن وأهله لفرض هيمنته واستبداده بمصير شعبه وأمته؟ وهل ستتجاوز الجزائر وأهلها المعروفون بحماسهم وللتيارات الإسلامية لصدمة الانكسار والهزيمة التي أتت مفاجئة لجهة إصرار النظام الجزائري على الانفراد بالحكم، ومتعقلة لأن عقلية النظام الجزائري القائمة على المزاوجة بين الفكرين القومي واليساري، الذين عافتهما جماهير الأمة ونسبت إليهما ما حل بالأمة من مآس، لن تسمح له بالتطور، ولو من زاوية نظرية داروين.


.... كاتب وباحث
[email protected]