عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الخميس الماضي 28/6/2012 حلقة نقاش علمية بعنوان quot;أزمة المشروع الوطني الفلسطيني والآفاق المحتملةquot;، في فندق كورال سويتس في بيروت، بمشاركة نخبة متميزة من السياسيين والمتخصصين والأكاديميين والمهتمين بالشأن الفلسطيني.
وقد حضرت ورشة العمل، بوصفي أحد المدعوين إلى حلقة النقاش، واستمعت إلى عدة أوراق مقدمة من قبل بعض الباحثين والسياسيين، فيما وجد بعضهم الآخر نفسه quot;أكبرquot; من الاستعداد لمواجهة النخب الثقافية والفكرية ومخاطبتها، فلم يكلف نفسه عناء كتابة حتى وريقات لوضع نقاط أساسية، وكأن تاريخه quot;النضاليquot; أو quot;مخرونه الفكريquot; سوف يشفع له أمام تكاسله عن التحضير، أو لكأنه quot;نجم تلفزيونيquot; كان المشاهدون على أحر من الجمر في انتظار إطلالته البهية!؟
الجلسة الأولى التي كانت مخصصة لقياديين من فصائل فلسطينية ثلاثة (فتح وحماس والجبهة الشعبية)، قدمت رؤية كل فصيل لما اعتبره مفاصل أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، دون التطرق إلا فيما ندر إلى جوانب الآفاق المتاحة والمحتملة للخروج منه.
رفعت شناعة - أمين سر إقليم حركة فتح في لبنان، جاءت ورقته على شكل بيان انتخابي تذكيري للحاضرين بمنجزات حركته، وتاريخية قيادة أبو عمار للمشروع الفلسطيني، بل إنه لم يجد حرجاً أو quot;خجلاًquot; من وصف المرحلة التي قادتها حركة فتح وزعيمها أبو عمار بأنها اتسمت quot;بالحفاظ على وحدة المنظمة، والعلاقات الديمقراطية مع الفصائل، وتداول السلطة، وعودة أكثر من 250 ألف فلسطيني بعد إنشاء السطلة الفلسطينيةquot;.
وبصرف النظر عن حقيقة ما قدمه وصدقيته، فإن حركة فتح التي لا تزال تعيش مع زعيمها الجديد أبو مازن quot;وهمquot; الزعامة والقيادة، وتسدر في غياهب سلطة فاسدة وعاجزة في الضفة، وتقتات على المعونات الخارجية، وتجد نفسها اليوم في مواجهة استحقاق التخلي عن الزعامة السياسية للمشروع الوطني الفلسطيني برمته، بعد أن أفضى الربيع العربي إلى تتويج قوى سياسية أخرى، كانت حتى عهد قريب تناصبها العداء في غزة.
أما ورقة مسؤول العلاقات الدولية في حركة حماس الأستاذ أسامة حمدان، فقد اشتم فيها بعض الحاضرين، وربما جلهم، رائحة الاستقواء بالخارج، والفرح بانتصار الإخوان المسلمين والإسلاميين بوجه عام في أكثر من بلد عربي بمقاليد الحكم، واستبشاره بتسلم مفاتيح منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني من حركة فتح، كما توجت (مصر عبد الناصر) (فتح أبو عمار) في الستينات في زعامة المنظمة، ما أثار انتقادات بعض الحاضرين وتخوفهم من تكرار حركة حماس لأخطاء فتح وخطاياها في التعامل مع الخصوم والمشروع الفلسطيني، لا سيما أن (حمدان) لمح إلى أن خيار تقويم السلطة بوصفها منجزاً فلسطينياً بدلاً من حلها أمر وارد وقائم!؟
أما ممثل اليسار، والذي لم يرتض لنفسه التعبير عن كامل تياراته، واكتفى بعرض رؤية فصيله (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، وفي بعض الأحيان رؤيته الشخصية فحسب، د. ماهر الطاهر، مسؤول الخارج في الجبهة، فقد شدد على أن الساحة الفلسطينية تعيش أزمة عميقة ومتنوعة، وأشار إلى أن المشروع الوطني الفلسطيني انعطف انعطافاً استراتيجياً خطيراً بعد حربي 1967 و1973، غير أنه رأى أن اتفاق أوسلو أسهم في تأزيم المشروع الوطني الفلسطيني، وضرب الفكرة التوحيدية الجامعة للشعب الفلسطيني، ورسخ التنازل الفلسطيني، ولفت النظر إلى أن انخراط المقاومة في السلطة خطأ استراتيجي.
أوراق عدة قدمت، وأفكار متناثرة حاولت اللملمة على طاولة مركز الزيتونة للدراسات quot;مشكوراًquot;، لكن هيمنة النزعة الفصائلية على بعض المحاضرين والمناقشين، والخوض في تفاصيل جزئية إلى حد التشكيك في جميع المصطلحات والحقائق أو الافتراضات التاريخية، أكدت أن الوضع الفلسطيني في ظل حالة الربيع العربي بدا متأخراً عن مواكبة الشارع العربي أو في انتظاره، على الأقل، ليقوم بما كان الفلسطيني يقوم به سابقاً وفي الماضي، وهو قيادة الحراك الشعبي والجماهيري الثوري للعرب في الميادين العامة، بينما تكتفي اليوم بعض الفصائل الفلسطينية أو ربما جلها، في الوقوف على الأطلال تارة، وانتظار حسم الأمور في أماكن أخرى.. تارة أخرى!؟

كاتب وباحث
[email protected]