لم يفتّ مقتل عشرات اللاجئين الفلسطينيين من مدنيين أو عسكريين منضوين تحت لواء جيش التحرير الفلسطيني، في خضم الأحداث الجارية في سوريا على مذبح سعي الشعب السوري إلى التحرر، سواء كان على سبيل الخطأ أو القصد، من عزيمة الشعب الفلسطيني اللاجئ في سوريا، أو موقفه الداعم والمتعاطف مع الشعب السوري، ورغم الغموض الذي كان يكتنف الموقف الرسمي، وquot;نباحquot; بعض الشبيحة الموالين في الدفاع عن النظام في بعض وسائل الإعلام الرسمية، في ظل امتناع معظم الإعلاميين والكتاب السوريين عن الظهور على شاشات ووسائل الإعلام السورية، إلا أن الشعب السوري المفعم بحس الوطنية والمحنك سياسياً في قدرته على قراءة المواقف وتبايناتها، قد أدرك حساسية الموقف بالنسبة للاجئ فلسطيني قد ذاق مرارة اللجوء بداية، ثم ويلات التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد المستضيفة.
البعض سماها سياسة quot;النأي بالمخيمquot; لتجنيب المخيمات الفلسطينية ويلات الحرب الأهلية في سوريا، وعدم التورط في أخطاء سابقة في أكثر من بلد عربي، منذ بدء الأزمة السورية، وقد تبنتها الفصائل الفلسطينية الرئيسة (فتح، حماس، الجهاد الإسلامي، والجبهتان الشعبية والديمقراطية)، وصدرت مواقف على أرفع المستويات تدعو ldquo;الإخوة في سورياrdquo; إلى تقدير رغبة الفلسطينيين بعدم الانزلاق في أتون الصراع الداخلي المحتدم، ونجح هذا الموقف ldquo;العاقلrdquo; في تجنيب المخيمات ويلات حرب أهلية باتت معلنة رسمياً بعد بيان الصليب الأحمر الدولي.
ارتفاع وتيرة العنف في سوريا، ووصول المعارك إلى قلب العاصمة دمشق، جعل من مخيم اليرموك في جنوب العاصمة ملجأ جديداً لمعظم النازحين السوريين من مناطق الاقتتال والاحتراب الأهلي، وتضاعف عدد سكان المخيم الذي يهمين عليه أصلاً السوريون (وهو أمر لا يعلمه كثير من الناس) أكثر من أربع مرات بسبب آلاف العائلات الحمصية والحموية والإدلبية والحورانية التي لجأت إليه، ومن ثم العائلات السورية القاطنة على أعتاب المخيم في أحياء التضامن والحجر الأسود والقدم، وحتى الدمشقية منها كأهالي الميدان.
المظاهرات التي خرجت بعد أنباء عن مقتل واستهداف أكثر من 16 مجنداً من جيش التحرير الفلسطيني في مخيم النيرب بحلب، لم تثن أهالي المخيم عن توجيه أصابع الاتهام إلى آلة القتل التي بات مصدرها معروفاً للجميع، فكان رد رجال الأمن بقتل ما يقرب من 5 أشخاص بينهم أطفال، وكان الانتقام من أهالي المخيم بمحاولات اقتحامه وقصفه، حتى بعد لجوء المدنيين إليه واحتمائهم به من العنف الدائر، إن جاز لنا التعبير.
باستثناء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، التي يترأسها السيد أحمد جبريل، والموالية للنظام السوري بشكل مطلق، اتجهت معظم الفصائل الفلسطينية إلى العمل الإغاثي كمخرج من أزمة التوفيق بين النأي بالنفس عن التدخل في الشأن الداخلي السوري وبين موقف التعاطف الجارف للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وهم الذي ولدوا وعاشوا في سوريا، ونالوا من الحقوق بسبب الشعب السوري ما لم ينله أي لاجئ فلسطيني آخر في بلد عربي، ففتحت مراكز الإغاثة الطبية والإعاشية ومدارس الأونروا لاستقبال آلاف الأسر السورية ومساعدتهم على موادهة ما حل بهم من تشرد، فكان رد الجميل السوري باقتراح تسمية الجمعة المقبلة من المظاهرات باسم (سوري وفلسطيني واحد) في تعبير عن وحدة المصير بين الشعبين.
حتى القيادة العامة وردت أنباء بعد محاولات الشبيحة وعناصر موالية اقتحام المخيم إثر تفجير مبنى الأمن القومي، عن انشقاق العشرات من عناصرها، والتزام خطة الدفاع عن المخيم بحكم امتلاكهم للسلاح الخفيف الذي تم تسليحهم به مؤخراً، وهو ما يعني التفاف كامل الشعب الفلسطيني اللاجئ في سوريا حول شقيقه السوري، وفقدان ورقة quot;الممانعةquot; وquot;المقاومةquot; وquot;الدفاع عن فلسطينquot; من يد من أعفاه الشعب الفلسطيني من مهمة الدفاع عنه كذريعة لقمع شعبه واضطهاده!؟
هشام منوّر... كاتب وباحث
التعليقات