على الرغم من أن النتائج الأولية لانتخابات المجلس الوطني الليبي لن يتم إعلانه قبل نهاية الأسبوع الجاري، وأن التكهن بالنتيجة النهائية للانتخابات الأولى لبلد لم يعرف إلا زعيماً وحيداً وأوحداً قد يكون ضرباً من quot;التبصيرquot; والتوقعات غير المحسوبة، إلا أن نتائج الانتخابات الأولية، والتي نشرت عن مقاعد الغرب الليبي الأكثر كثافة وحضوراً من حيث عدد المقاعد، تشي بانتصار كبير لمرشحي تحالف القوى الوطنية برئاسة السيد محمود جبريل، الليبرالي ذي القواعد الحزبية القبلية، وغير البعيد عن الخط الإسلامي المتنامي في ربيع الثورات العربية.
التحالف والارتباطات القبلية لابن أكبر القبائل الليبية، بحسب بعض الأوساط، قبيلة (ورقلة) ومعقلها مدينة بني وليد، كانت سبباً مباشراً في صعود نجم الرجل السياسي المحنك، والذي عرف متى يقفز عن مركب المجلس الوطني الانتقالي المتضعضع، بسبب سوء إدارته للمرحلة الانتقالية في البلاد، وعلاقاته المتوترة مع العديد من التيارات والقوى السياسية والعسكرية الليبية، ولا يمكن في هذا السياق نكران حلول الأحزاب الإسلامية أو ذات التوجه الإسلامي في المرتبة التالية لتحالف القوى الوطنية اليبرالي المنزع، ما يعني استمرار علاقات التحالف بين الليبراليين والإسلاميين في مرحلة الربيع العربي، أو على الأقل احتمال استمرارها وبقائها في ظل دعوة (جبريل) إلى تشكيل ائتلاف حكومي موسع يضم جميع القوى الفائزة في الانتخابات.
ما ينغض فوز السيد جبريل الكاسح في بعض الدوائر الانتخابية ابتناؤه على العنصر القبلي وتشابكاته العرقية، وهو ما يعني استمراراً لنهج القذافي الذي ألبس القبيلة لبوس اليسار والقومية العربية في محاولة للظهور بمظهر الزعيم المفارق للانتماءات المناطقية والقبلية في ليبيا، دون أن يفلح بطبيعة الحال، وهو الأمر الذي قد يكلف جبريل وتحالفه زعزعة الاستقرار الهش في ليبيا في ظل التنافس القبلي مع جيرانه في مصراته القريبة، وحزب عبد الرحمن السويحلي، الحفيد التاريخي للزعيم السويحلي الذي اغتالته قبيلة ورقلة قبل عشرات السنين.
تحديات كثيرة تنتظر الرجل الليبرالي أهمها إعادة بناء الثقة برجالات ومؤسسات الثورة الليبية التي تراجعت بعد أخطاء المرحلة الانتقالية وخطاياها، فضلاً عن توكيد عرى التحالف مع الإسلاميين وتوثيقها في ظل صعودهم في أكثر من بلد عربي مجاور لليبيا، وحلولهم في المرتبة الثانية خلفه، وفي ظني أن نجاح الليبراليين في انتخابات ليبيا قد ضرب عصفورين بحجر واحد:
الأول: التأكيد على الطابع الديمقراطي الشعبي والتحرري للحراكات العربية في أكثر من بلد عربي، وإبعاد التهمة التي لطالما وسمت بها هذه الحراكات بأنها quot;خارجيةquot; وquot;تآمريةquot; وبالتالي التأكيد على حرية الشعب في اختيار ممثليه الذين فاجأهم هذه المرة باختيار نواب ليبراليين لن يكونوا بعيدين عن روح ومزاج الشارع الليبي المحافظ بوجه عام.
الثاني: إبعاد شبح الأسلمة والتهديد للتجربة الديمقراطية التحررية في ليبيا بعد ما بات الاسستشهاد بالانفلات الأمني وما تلا مرحلة سقوط القذافي من فوضى السلاح واختلال الأمن هاجس أي بلد عربي يسعى إلى التحرر من الظلم والاستبداد، ومضرب المثل بالنسبة للأنظمة العربية الاستبدادية التي تحاول تخويف شعبها من النموذج الليبي المتأسلم والفوضوي، وها هو تيار آخر غير إسلامي يستحوذ على القاعدة الشعبية متحالفاً، بحسب التوقعات، مع الإسلاميين، في محاولة لبناء ليبيا حرة ومتحررة، عصرية وديمقراطية.
فهل يستثمر الليبراليون الفرصة التي أتيحت لهم في ليبيا لإثبات الظلم التاريخي الذي لحق بهم من خلال خصومهم القوميين واليساريين، واتهامهم بالعمالة للخارج والتآمر على الشعوب، عبر تأكيدهم على الطابع الديمقراطي لقيادتهم للبلاد في ليبيا؟ أم أن انتصارهم لا يعدو كونه مجرد نجاح quot;قبليquot; لتيار quot;خارجيquot; شاءت الدول المستفيدة من استمرار تدفق النفط الليبي الوفير إلى الأسواق العالمية أن تدعمه حفاظاً على مصالحها.... لا أكثر!
.... كاتب وباحث
[email protected]