لا تنبع حجم الصدمة التي انتابت السوريين وهم يتابعون تفاصيل مشهد الموت المتوالي على أيامهم، والرابض في ثنايا شعورهم ومعيشتهم منذ ما يقرب من عامين، من أرقام الشهداء والجرحى الذي تجاوز عددهم الثمانين شهيداً وجرحاهم المئتين وخمسين جريحاً، جلهم من المدنيين الذين خرجوا صباحاً إلى مدارسهم وجامعتهم وأعمالهم الحكومية ليترصدهم الانفجار تحت أول جسر يستقبلهم وهم يدخلون دمشق من بوابتها الشمالية.
لست في وارد التمحيص والتدقيق في روايات تناقلها نشطاء ومعارضون عن مراحل وخطوات الإعداد للتفجير المروع، كسحب عناصر الحاجز قبيل الانفجار، وتحضير سيارات الإسعاف وتجهيزها (منطقة التفجير تقع قرب مشفى الحياة بالأساس) أو السماح لسيارة محملة بأكثر من ألف طن من المتفجرات بعبور عشرات الحواجز الأمنية، والوصول إلى منطقة تقاطع فيها عدة فروع أمنية كفرع أمن المنطقة والسفارة الروسية (القلعة المحصنة) وفرع حزب البعث الحاكم ومنطقة المزرعة التي تضم مكاتب عشرات الحركات والأحزاب والمنظمات وحتى المؤسسات الإعلامية، ولا سرعة وصول التلفزيون السوري إلى مكان التفجير وهو الذي دخل (لربما) كتاب غينيس للموسوعة الأرقام القياسية في تحقيقه هذا الإنجاز أكثر من مرة وفي أكثر من مكان، من دون أن يكون قادراً على التقاط وتصوير أي مشاهد لمناطق أخرى خارج محيط الانفجارات التي يغطيها دوماً، فهذا كله تحصيل حاصل أمام حجم المأساة والمعاناة التي بات السوريون يعيشون تفاصيلها في ظل صمت العالم وتخاذله عن إيجاد حل لأزمتهم المستدامة!
بين تفجير دمشق الذي أعاد العاصمة إلى موجة التفجيرات كلما اقتربت المعارضة من قلب العاصمة وواصلت تمددها في الريف الدمشقي، إلى انفجارات حلب التي تعرفها سماؤها هبوط صواريخ سكود الروسية التي يبلغ طول الواحد منها 11 متر، وتمتلك سوريا منه أكثر من 800 صاروخ، ويصل مدى الخطأ فيه نحو 500 متر، وهو القادر على حمل رؤوس نووية وكيماوية وبيولوجية، ويحمل متفجرات يصل وزنها إلى 1000 كيلوغرام، فهذه الصواريخ التي بات أهالي حلب في أحيائهم الفقيرة على موعد يومي مع تساقط عدد منها يتم تخزينها أساساً في مناطق السفيرة بريف حلب، والناصرية والقطيفة بريف دمشق, ومصانع الدفاع بريف حماة، وتستغرق رحلة الواحد منها من دمشق إلى حلب بين 8-10 دقائق فقط، من دون أن ينال إطلاقها على مناطق مكتظة بالمدنيين أي تنديد أو استنكار من العالم.
العقيد الاميركي quot;تشارلس برانسونquot;، قائد وحدات إحدى بطاريات صواريخ باتريوت، التي نشرت مؤخرا في مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، ومعه 325 جنديا أميركيا من قوات النخبة، مسؤولون عن تشغيل البطاريات وصيانتها، لا يزالون يؤكدون على طبيعة النظم الدفاعية للصواريخ، ونفى أي أغراض هجومية لها. فالهدف من نصب الصواريخ، هو حماية سكان المنطقة البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة، من أي صورايخ سورية قد تطلق نحو المنطقة.
قيادة التحكم بالبطاريات يقع في مركز حلف شمال الأطلسي في المانيا، والأوامر بالرد على أي تهديد يجب ان تصدر من ذلك المركز، فيما تقترب الصواريخ السورية رويداً رويداً من الحدود التركية مع وصولها مناطق في الريف الشمالي والشرقي، وعدم ابتعادها أكثر من بضعة كيلومترات عن جنوب تركيا، ما يعني احتمال تورط هذه البطاريات في الرد على صواريخ سكود وإمكانية تأزم الموقف العسكري بكشل أكبر، لا سيما مع تواتر الأنباء عن نشر quot;إسرائيلquot; لبطارية جديدة من نفس المنظومة شمال فلسطين المحتلة لحماية ما تقول المناطق الشمالية من أي اعتداء صاروخي.
يتحدث شهود عن أضرار مادية كبيرة نجمت عن التفجير الأخير تحت جسر الحياة وحاجزه الأمني، ذاك الجسر الذي إذا عبرته فإنك سوف تسبح في فضاءات الريف الدمشقي المسيطر عليه من قبل المعارضة السورية، فيما يكتفي الدمشقيون بالاستماع إلى موسيقا القصف اليومي من دون تحريك ساكن.
انهيار كامل لبعض الواجهات السكنية، وإصابات بين أطفال مدرسة عبد الله بن الزبير القريبة من الجسر، في الوقت الذي تتحدث فيه المصادر الرسمية عن توقيف قوات الأمن للانتحاري (الثاني) قبيل شروعه بالعملية، حيث أشار التلفزيون السوري الى سيارةٍ مفخخة بخمس عبواتٍ تزن الواحدة منها 300 كلغ من المتفجرات.
جسر الحياة يصل الدمشقيين بالموت من خلال التفكير بعبوره مهما كانت الغاية من ذلك، فيما يتفرج العالم على جراحاتهم وهم يعبرون درب الجلجلة على طريق مستقبل باتت كافة المؤشرات تدل على أنه ينتظر المزيد من الدمار، في ظل صمت دولي وعربي وأممي، واستنكاف عن التدخل لإيقاف نزيف الدم السوري الذي بات طعمه أحلى من العسل بالنسبة للبعض بطبيعة الحال!.
كاتب وباحث