فلسطين بوصلة الجميع، ورافعة quot;الأمةquot; بمدلولها quot;الإسلاميquot; عند الإسلاميين، وquot;العربيquot; عند القوميين، وquot;الحضاريquot; عند الليبراليين، وحتى quot;التقدميquot; عند اليساريين، بصرف النظر عن مدى انسجام كل تيار مع نفسه أولاً، ومع الشعار المرفوع تالياً، إذ لا يجادل في ذلك اثنان ولا ينتطح في هذا الأمر عنزان.
فالكل يدعي وصلاً بليلى (فلسطين)، والجميع يحاول أن يدرج القضية الفلسطينية أو الملف الفلسطيني أو الشؤون الفلسطينية بقضاياها المتعددة، على سلم أولوياته السياسية وبرامجه الحزبية والفصائلية، وشعاراته التعبوية في كل مناسبة أو صراع أو تنافس سياسي مع الخصوم، وتحولت الأحزاب والتيارات في عالمنا العربي والمنطقة بوجه عام، إلى مجرد quot;مستثمرquot; أو quot;مقامرquot; في الميادين السياسية عبر quot;المتاجرةquot; بالدم والقضية الفلسطينية، من قبل كل الأطراف والاتجاهات، دون أن يقتصر الأمر على فريق دون آخر، ودون أن يرى أي تيار أو حزب في وصم الطرف الآخر بالعمالة والتآمر والمتاجرة بفلسطين وأهلها حرجاً وهو يقوم بذلك تالياً، بشكل أو بآخر.
مشكلة معظم الأحزاب والتيارات السياسية في العالم العربي والمنطقة أنها حولت (فلسطين) إلى quot;أقنومquot; خشبي أو رخامي (لا فرق) لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ونزعت عنه الحق في الكلام والمنافحة عن مطالبة بذرائع مختلفة، وأصبح الجميع quot;ملكيينquot; أكثر من الملك نفسه، وسلبوا الحق في الدفاع عن قضيته من ابن القضية.
لا يعني الكلام المتقدم أنني أنافح عن خصوصية القضية الفلسطينية أو خوصصتها واختصاصها بالشعب الفلسطيني وحده، أو النزوع إلى quot;وطنيةquot; القرار الفلسطيني بحيث يحظر على الآخرين التدخل في شؤون الفلسطينيين وقضيتهم، بل القصد مما تقدم الإشارة إلى حجم تهميش العنصر البشري في قضية عادلة ربما تعد من أكثر القضايا الوطنية والإنسانية عدالة وإنسانية.
فأهل فلسطين، وإن كانوا أدرى بشعابها، وأعلم بخبايا قضيتهم، ينالون من التهميش والإقصاء والاستبعاد من الاهتمام المعنوي والمادي، ويمارس بحقهم كافة صنوف الوصاية والولاية والاستقواء بمفهوم عدم خصوصية فلسطين بأهلها، ما جعلهم آخر من يحق لهم الحديث عنها، والمتهمين دوماً بالتفريط بها وبحقوق العرب والمسلمين والمسيحيين في فلسطين، إن أخطؤوا في خيار سياسي أو سلوك ما، مع التغاضي عن الخطايا السياسية والدماء الإنسانية التي تسفك باسم فلسطين، والاتجار السياسي عبر التاريخ بقضية فلسطين وأهلها.
ما يهمني في هذا السياق التأكيد على أهمية العنصر البشري الفلسطيني في خضم أي بحث أو حديث عن فلسطين، فالاهتمام بالمكانة التاريخية للأماكن المقدسة الموجودة في فلسطين لا ينفصل عن الاهتمام بالإنسان الذي هو جوهر هذه القضية، وما تعانيه الضفة الغربية المحتلة على سبيل المثال من غليان شعبي ناجم عن سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية أمر من المهم الاهتمام به والمساعدة على تجاوزه لشعب يرزح تحت الاحتلال ويعاني من ويلاته.
وفي السياق ذاته، فإن إغاثة اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سوريا إلى دول الجوار وبالذات الأردن ولبنان، جزء لا يتجزأ من نصرة فلسطين وأهلها ومقدساتها ومكانتها التاريخية والدينية، إذ لا يعقل أن يعاني ما يقرب من 10 آلاف نازح فلسطيني من سوريا إلى كل من لبنان والأردن ظروفاً معيشية صعبة حتى بالمقارنة مع اللاجئ السوري في ذات البلدان، دون أن يجد من يمد إليه يد العون والمساعدة، أو يحسن استقباله على الأقل، في ظل نضوب موارد الأنروا، الوكالة المعنية بإغاثة الفلسطينيين اللاجئين، وضعف تمويلها وعدم الاكتراث بلجوء الآلاف من الفلسطينيين من سوريا، فيما الجميع لا يوفر مناسبة، ولا يفوت انتهاز أي فرصة للحديث عن فلسطين، والدفاع عنها في كل محفل!؟
... كاتب وباحث
[email protected]