هذه الغزوة حسب تعبير كتّاب السير تكاد تكون عابرة رغم أن مقدماتها تفيد أنها ستكون شبه حاسمة بين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، فهي الغزوة التي إنتهت في لحظة بدايتها! وعليه تسميتها بالغزوة تعبير عن مزاج تاريخي في فترة محدّدة، إذ لم يكن هناك قتال ولا دماء ولا غنائم ولا سبي ولا أي معلم من معالم الحروب ومجرياتها!
بدأتها قريش متوعّدة وأنهتها خائفة، وبين البداية والنهاية مسافة صامتة، مما يوحي للمتفحص أن المؤرخ الإسلامي كان يريد أن يخلق زمنا إسلاميا، أو لان هذا المؤرخ ما زال يعيش لغة الغزو الجاهلي، تلك اللغة التي كانت هي الطابع السائد في تلك الحقبة من تاريخ العرب.
كان أبو سفيان قد نادى يوم أحد بعد أن انتهت الحرب: (موعدكم بدر الصفراء على رأس الحول نلتقي فنقتتل...) 1، فهو وعيد قرشي للمسلمين، فاحتفظ النبي هذا الوعيد، ولمَّا جاء وقته المحدد نفر المسلمين استعدادا وتهيئا، فقد جاء في رواية موسى بن عقبة:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدرا) 2، ولكن المفاجأة التي حصلت أن أبا سفيان لم يف بوعيده (وأخلف أبو سفيان الموعد، فلم يخرج هو ولا أصحابه) 3،وبذلك أنتهى كل شيء!!!
هل هذه غزوة؟

شيء من التفصيل
تقول رواية ابن اسحق وهي تتحدث عن سير الحادث: ( ثم خرج في شعبان إلى بدر، لميعاد أبي سفيان حتى نزله... فأقام ثمانية ليال ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكّة حتى نزل مجنّة، من ناحية الظهران، وبعض الناس يقول: قد بلغ عُسفان، ثم بدا له في الرجوع، فقال: يا معشر قريش، إنّه لا يصلحكم إلاّ عام خصيب ترعون فيه الشّجر، وتشربون فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، وأني راجع، فارجعوا، فرجع الناس، فسمّأهم أهل مكّة جيش السّويق، يقولون: إنما خرجتم تشربون السّويق) 4،فلم يحصل قتال إذن، ولا غنائم، ولا لقاء حقيقي...

فأين هي الغزوة؟
يضيف الواقدي الكثير من التفاصيل على أصل الخبر الذي نقلناه عن ابن هشام، حيث يدخل في تضاعيف الحدث شخص بإسم: (نُعَيم بن مسعود الأشجعي)، فهذا الرجل حسب رواية الواقدي كان قد جاء مكّة من المدينة، فاستطلعه ابو سفيان عن الوضع هناك، فأخبره أنه رأي (محمّدا وأصحابه يصنعون من إعداد السلاح والكُراع، وقد تجلّب إليه حلفاء الأوس من بَلّي وجهينة وغيرهم، فتركت المدينة أمس وهي كالرمانّة) 5 ، وقد صدّق أبو سفيان نعيم هذا، وهنا وكما يذكر الواقدي قدحت في ذهن أبي سفيان فكرة المؤامرة التي قد تجنّبُه لقاء محمد، كي يسلم وتسلم قريش وفي سياق خطة لا يوصف بها بالجبن وخيانة الموعد، فقد كلّف (نُعيم) نفسه بأن يرجع إلى المدينة ويُرجِف في جموع المسلمين بان أبا سفيان أو قريش قد أعدت العدة الكا فية بما يخوفهم التفكير بالخروج، وهذا ما حصل كما تقول رواية الواقدي، فإن هذا الرجل وعلى أثر أعطية مجزية رجع إلى المدينة ليخبر المسلمين:(تركت أبا سفيان قد جمع الجموع وأجلب معه العرب، فهو جاء فيما لا قِبَلَ لكم به، فأقيموا ولا تخرجوا، فإنَّهم قد أتوكم في داركم وقراركم، فلن يفلت منكم إلاّ الشريد، وقُتِلت سراتكم وأصاب محمدا في نفسه ما أصابه من الجراح، فتريدون أن تخرجوا إليهم فتلقوهم في موضع من الارض؟ فبئس الراي رأيكم لانفسكم... والله ما أرى أن يفلت منكم احد...) 6، وتستمر رواية الواقدي لتفيد أن المسلمين تأثروا بكلام (نُعيم) هذا، وأصابهم الخوف (حتى خاف رسول الله ألاّ لا يخرج معه أحد، فجاءه أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد سمعا ما سمعا، فقالا: يا رسول الله إن الله مُظهر دينه ومعز نبيه، وقد وعدنا القوم موعدا، ونحن لا نحب أن نتخلف عن القوم، فيرون أن هذا جبن منّا عنهم، فسر لموعدهم، فوالله إن في ذلك لخيرة، فسّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ثم قال: والذي نفسي بيده، لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد ّ قال: فلّما تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم بما بصّر الله عز وجل المسلمين، وأذهب ما كان رعّبهم الشيطان، وخرج المسلمون بتجارات لهم إلى بدر...) 7.
كثير من زيادة الواقدي على ابن هشام لم يذكرها الذهبي وهو يورد خبر الواقدي 8، ممّا قد يشير إلى عدم إطمئنانه إلى هذه الزيادات، والواقدي عند الذهبي محل نظر، كما أن الطبري اختصر خبره كثيرا، ولم يتطرق إلى موضوع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كذالك إكتفى ابن كثير في كتابة البداية والنهاية من رواية الواقدي ما يوا فق ا بن إسحق تقريبا، ولم يورد زياداته 9، وأختصرها غاية الاختصار ابن الأثير في كامله 10، أمَّا البيهقي صاحب (دلائل النبوة) فقد أورد الحادثة مسندة إلى إسماعيل بن محمد بن الفضل، عن عمه موسى بن عقبة، وعن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، وذكر نص إسماعيل عن عمه موسى، مشيرا إلى عملية التثبيط بقوله:(... ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدرا، وكان أهلا للصدق والوفاء صلى الله عليه وسلم، فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس، فمشوا في الناس يخوفونهم، وقالوا: قد جمعوا لكم مثل الليل من الناس يرجون أن يوافقوكم فينتهبوكم فالحذر الحذر لا تغدوا، فعصم الله عزّ وجل المسلمين من تخويف الشيطان فاستجابوا لله ولرسوله وخرجوا ببضائع لهم وقالوا...) 11، ولم يذكر قصة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

رواية موسى بن عقبة
يروي موسى بن عقبة الحدث مشيراً إلى أن رسول الله استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان، أي كانت ا لبادرة من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يشير إلى عملية التثبيط، التي عصم الله منها المسلمين، فساروا مع النبي إلى بدر، حاملين البضائع للتجارة في بدر، ويختم الحدث بقوله: (وأخلف أبو سفيان الموعد ولم يخرج هو ولا أصحابه)، ولم يشر إلى خروج أبي سفيان! كما هو ابن هشام في روايته! ولكن البيهقي يروي لنا الحدث بطريقة أخرى، لم نجدها عند ابن هشام ولا الواقدي ولا غيره من المصادر الاخرى، حيث جاء في روايته: (قال ـ موسى بن عقبة ــ وذكروا أن ابن الحمام قدم على قريش فقال: هذا محمّد وأصحابه ينتظرونكم لموعدكم، فقال أبو سفيان: قد والله صدق. فنفروا وجمعوا الأموال، فمن نشط منهم قوَّرة، ولم يقبل من أحد منهم أقل من أوقية. ثم سار حتى قام بمجنّة من عُسفان ما شاء الله أن يقيم، ثم إئتمر هو وأصحابه فقال أبو سفيان: ما يصلحكم إلاّ خصب ترعون فيه السّمر، وتشربون من اللّبن، ثم رجع إلى مكّة، وأنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بنعمة من الله وفضل، وكانت تلك الغزوة تُدْعى غزوة جيش السِّويق، وكانت في شعبان سنة أربع) 12. ولم نعرف هل حقا أن ابن الحمام كان صادقا بخبره هذا أم لا؟ خاصة وإن ابن الحمام مجهول الهوية لدينا، وتتفق الرواية مع ما جاء في ابن هشام، من أن أبا سفيان وصل إلى (مجنّة ـ سوق أسفل مكة على بريد منها، وهي لكنانة وأرضها من أرضها ــ)، ومن هناك ثبط عزمة ورجع واصحابه إلى مكّة، وفي الرواية نقطة غامضة، فهي تشير إلى أ ن رسول الله:(انصرف إلى المدينة...)، حيث يفيد الخبر بان النبي هو الأخر خرج من المدينة بقصد المواجهة، ولكن لا ندري أين كان محط وصوله، وسوف أتحدث بعض الشي عن (موسى بن عقبة) نفسه.

فتِّش عن المُثبِط
أجمعت المصادر على أن عملية تثبيط قد حصلت في جموع المسلمين، كانت تهدف إلى منعهم من التوجه إلى حرب إبي سفيان التي كان قد توعدها بنفسه المسلمين يوم أحد، وتشير المصادر إن عملية التثبيط كانت قد فشت بين صفوف المسلمين، ولولا أن الله يتدارك الامر برحمته، فأنقذ الامة من مغبة هذا التثبيط، كما أن الواقدي يشير إلى دور كل من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في مقاومة عملية التثبيط هذه.
توعز المصادر عملية التثبيط هذه إلى الشيطان تارة، وأخرى إلى أولياء الشيطان، ولكن من دون الإشارة إلى إسم معيّن! فيما ينص الواقدي أن المثبِّط كان هو: (نُعيم بن مسعود الأشجعي)، فهل هناك سر خفي وراء تجاهل المصادر الاخرى الاسم المذكور، والاكتفاء بأن الشيطان أ و بعض أولياءه وراء عملية التثبيط هذه؟
إن (نُعيم بن مسعود الاشجعي) هذا صحابي مشهور، له ذكر في البخاري، وهو:(نعيم بن مسعود بن عامر بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن حلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع أبو سلمة الغطفاني الأشجعي)، أسلم زمن الخندق، وقد مات في خلا فة عثمان بن عفان، وقبل قتل في الجمل الأول قبل قدوم علي 13،
فهل كانت محاولة لتبرئة هذا الصحابي المتاخر من هذه الفعلة الشنيعة؟
يبدو أن الشخص المذكور طُبِع على فن التثبيط، يملك قابلية فذة في هذا الفن ا للعين، فأننا نقرا عنه في الاصابة: (وهو الذي أوقع الخلف بين الحيين قريظة وغطفان في وقعة الخندق فخالف بعضهم بعضا وحلوا عن المدينة...) 14.
لقد ساهم مسعود هذا مساهمة بارعة في إثارة الشغب والخوف والخذلان في صفوف قريش وغطفان وقريظة في معركة الخندق، كان دقيق الدس، ماهر التثبيط، وقد كان نديما لقريظة في الجاهلية 15 .
فهل كان حقا هو المثبِّط للمسلمين بتكيلف من أبي سفيان؟
ولكن ضرورات السياسة إقتضت إخفاء هذه الحقيقة؟
هل هي كرامة الصحبة ومقتضيات المذهبية السياسية وراء ذلك؟
لقد كانت عملية دسه وتثبيطه في صفوف قريش وقريظة وغطفان حسنة لانها في صفوف المعادين، ولان ذلك جاء بعد أن أسلم، فيجب إخفاء ذات الصنيع الذي قام به في صفوف المسلمين كي لا يفقد الشرف المتأخر، وكي لا يوصم الرجل بانّها خلته التي صاحبته طبعا أو تطبعا، خوف أن تتلوث سمعة الصحبة الكريمة، وهكذا يموت التاريخ.

تأسيس الزمن الإلهي
كان عدد المسلمين الذين خرج بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر الموعد كما تنص بعض الروايات، وهو عدد ليس بالقليل في وقته، وتشير الروايات أن اليأس والخوف والإحباط عمّ الجميع على أثر تخرصات وأراجيف بعض أولياء الشيطان، وهو: (نعيم بن مسعود الاشجعي) عند الواقدي حتى ظن رسول الله أ ن لا يخرج معه أحد!!
ليس من شك أن دور الاشاعة خبيث ومؤثر في الحروب بشكل فاعل، ولكن هل يعقل أن تؤثر الاشاعة بهذا القدر من التاثير الرهيب في هذا الجمع الهائل؟ هل عدم المسلمون شجعانا مؤمنين بقدرهم ورسالة النبي حتى يتملكهم هذا الاحباط على أ ثر إشاعة قام بها بعض المتخرّصين؟
أن هذه التجربة تكذبها تجارب سابقة، فقد أثبت المسلمون في أكثر من غزوة إنهم ذوو عزيمة قوية في القتال، ولا يخا فون المغامرة، فإين هذا من ذاك.
أن المؤرخ المسلم آنذاك كما يبدو مصاب بمرض المبالغة، ولكن هل تم إمضاء كل هذه المبالغة لغرض مخدوم سلفا؟ لقد أشار الواقدي أن الصحابيين الجليليين أبا بكر وعمر قد شذا من هذا التأثير السحري لشائعة الاشجعي أ و ولي الشيطان الخفي، وقد شجعا النبي على الخروج وأن لا يبالي، فهل هي محاولة ذكية لإمضاء خاصة متجسّدة باشخاص محسوبين سلفا؟ لقد كا ن في المسلمين علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير وعمار وابو ذر وسعد بن عبادة وغيرهم من المؤمنين بمحمد ورسالته، وكانوا على استعداد لبذل الغالي والرخيص، فهل تملك الجبن كل هؤلاء؟
أتحدث في البداية عن أثر الشائعة السحري في هذا الجمع ا لكبير من المسلمين وفيهم أبطال وشجعان، ثم أتحدث عن إنفراد الواقدي بموقفي الصحابيين الجليلين أبي بكر وعمر.
المؤرخ المسلم كان مهوسا بدور الفرد المخرِّب، يذكرنا ذلك بدور عبد الله بن سبأ، الذي يرى كثير من العلماء إنّه قد أجترح في الزمن الاسلامي كي تتم عملية تبرئة معقولة لقتال الصحابة فيما بينهم، تلك المقاتل التي تسبّبت في أنهار من الدماء الزكية.
لنحذف دور الصحابيين الجليلين، فهو دور لم يرد سوى في رواية الواقدي المتهم من قبل علماء الرجال السنة، ولننظر في تضاعيف الخبر الجوهري، فهناك يختفي هدف مهم وخطير في تصوري، لقد سرت الإشاعة سريان النار في الهشيم، وجاءت أكلها بسرعة مذهلة، وتحير النبي الكريم، ولكن شاء الله أن ينقذ المجتمع المسلم من خطر هذه الاشاعة المسمومة!
يقول البيهقي في روايته عن موسى بن عقبة: (فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس فمشوا في الناس يخوفونهم... فعصم الله عزّ وجل المسلمين من تخويف الشيطان فاستجابوا لرسول لله...) 16.
يقول الواقدي: (فلّما تكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلّم بما بصّر الله عزّ وجل المسلمين، وأذهب ما كان رعّبهم الشيطان...) 17 .
في رواية للواقدي مرسلة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: (لقد رأيتنا وقد قُذِف الرعب في قلوبنا، فما أرى أحدا له نيّة في الخروج. حتى أنهج الله تعالى للمسلمين بصائرهم، وأذهب عنهم تخويف الشيطان...) 18 .
أن المؤرخ الإسلامي هنا يريد تأسيس زمن إلهي، التاريخ من صنع الله، بل ربما هو صراع بين الشيطان وجنوده من جهة وبين الله من جهة أخرى، فهذا الاشاعة قد سرت كما تسري النار في الهشيم، هذه الإشاعة الشيطانية عطّلت الإرادة، ولكن (الله) هو الذي تصدّى لهذه الإشاعة الشيطانية المدمرة، فكانت قد اندحرت بفضل الله مباشرة. فالتاريخ الا سلامي في وجهه المشرق هو زمن إلهي بالدرجة الاولى.

نظرة في مسانيد الحادثة
رواها ابن اسحق مرسلا، ولست أدري لماذا يوثقون مراسيل ابن اسحق؟ فإذا كان هو ثقة في حد نفسه، فإننا لا نعرف مصدره في هذه الحادثة مثلا؟ ولذلك يكون حكم روايته هنا بحكم الارسال بطبيعة الحال
ورواها الواقدي بسند: ( حدّثني الضّحاك بن عثمان، ومحمّد بن عمرو الانصاري، وموسى بن محمّد بن إبراهيم بن الحارث، وأبو بكر بن عبد الله بن محمّد بن أبي سبرة، ومعمّر بن راشد، وأبو معشر، وعبد الله بن جعفر، ومحمّد بن عبد الله بن مسلم، وعبد الحميد بن جعفر، وابن أبي حبيبة، ومحمّد بن يحي بن سهل، وكل قد حدّثني بطائفة من هذا الحديث، وغيرهم ممّن لم أسم، قالوا: لما أراد أبو سفيان...).
سند الواقدي يواجه المشاكل التالية: ــ
المشكلة الأولى: أن الواقدي لم يبين لنا مصدر شيوخه ا لمباشرين في هذه الرواية، فهو يكتفي بذكر من نقل عنهم مباشرة، وهذه معضلة كبيرة، لا يمكن التغافل معها.
المشكلة الثانية: إن بعض شيوخ الواقدي في هذا الرواية تدور حولهم بعض التقييمات السلبية، فهذا الضحّاك بن عثمان قد ليّنه القطّان وقال يعقوب بن شيبة في حديثه ضعف رغم كونه صدوقا 19، وهذا محمد بن عمرو الانصاري ضعفه القطان أيضا وغيره 20، وهذا موسى بن محمد بن إبراهيم الحارث قد قال عنه الدار قطني متروك 20، وهذا أبو بكر بن عبد الله بن محمّد بن أبي سبرة قد تركوه 21، وهذا معمّر بن راشد قالوا عنه أن له أوهام رغم أنّه ثقة 22، وهذا أبو معشر وهو نجيح أبو معشر السندي، فقد ضعّفه جماعة مهم النسائي والدار قطني 23، وهذا محمّد بن عبد الله بن مسلم قد ضعّفه ابن معين والدار قطني 24. وهذا عبد الحميد بن جعفر ضعّفه القطّأن وقالوا في قدرية 25، وهذا ابن أبي حبيبة وهو إبراهيم بن إسماعيل بن مجمّع الأنصاري المدني ضعّفه النسائي 26، ولم أعثر على ترجمة في ما عندي من مصادر لشيخه محمّد بن سهل، كما أني لم أستطع تمييز عبد الله بن جعفر، ولكن الذهبي في (: سير أعلام النبلاء) يقول عن الواقدي:(... حدّث عن... خلق كثير، إلى الغاية من عوّأم المدنيين) 27 .
المشكلة الثالثة: دمج المتون لمسانيد متعددة، فهذا الموقف ما زال محل نظر ونقاش، وتوعز بعض الدراسات إلى أ ن الزهري المتوفي سنة 124 للهجرة هو أوّل من أ بدع هذه الطريقة في التعامل مع الاخبار والروايات، ثم تبعه بإفراط صاحب السيرة محمد بن إسحق المتوفي سنة 151 للهجرة وذلك في الاخبار الخاصّة بالسيرة المطهرة، وتابعهما الطبري المتوفي سنة 310 للهجرة في تاريخه الكبير، ولقد أبدى كثير من العلماء أسفه وتخوفه من هذه الطريقة، فإن السيد (جب) مثلا، وهو ضليع في قراءة وكتابة التاريخ الاسلامي خاصة السيرة النبوية يقول:(وهذه الخطوة إلى الأمام في العرض التاريخي غير أنها فتحت الباب على مصراعيه لعبث المحدّثين غير الموثوقين بروايتهم) 28، وقد كان ذلك سبب في إعراض أحمد بن حنبل عن رواية ابن إسحق كما هو معروف، فقد علل رفضه لروايته بـأنه يحدث عن جماعة بحديث واحد. وتزداد معضلة هذا اللون من الرواية عندما يتداخل حديث الثقاة بغيرهم، حيث لا يمكن التمييز بين رواية هؤلاء عن رواية أولئك.
وقد روى الواقدي بسند مرسل عن عثمان بن عفّأن في حوادث بدر الاخرى أو بدر الموعد كما يسميها الواقدي: ( فحُدِّث عن يزيد، عن خُصيفة قال، كان عثمان بن عفّان رحمه الله...) 29 ، فالرواية مرسلة. ويروي عن زيد بن علي، عن أبيه، ومهما كان سند روايته فإن نفس الواقدي متّهم
ويروي موسى بن عقبة الحادثة، عن ابن شهاب، وروى أيضا عن عروة كما أسلفنا، وهي رواية مرسلة بطبيعة الحال، فإن ابنشهاب تابعي، كذلك عروة بن الزبير.

المصادر
(1)أنساب الأشراف ص 339.
(2)مغازي الواقدي ص 250.
(3) نفس المصدر والصحفة.
(4)سيرة ابن هشام 2 ص 132، طبع دار الكتاب العربي.
(5) مغازي الواقدي 2 ص 352.
(6)نفس المصدر ص 386.
(7) نفس المصدر ص 387.
(8)مغازي الذهبي ص 251.
(9) البداية والنهاية 4 ص 89.
(10) الكامل في التاريخ 2 ص 175.
(11) دلائل البيهقي 3 ص 301، تحقيق سيد ابراهيم.
(12) نقلا عن مغازي الواقدي ص 251.
(13)تهذيب التهذيب 10 رقم 839.
(14)الإصابة 6 رقم 8780.
(15) سيرة ابن هشام 3 ص 175.
(16) دلائل النبوّة 3 ص 391.
(17)الواقدي 387.
(18)نفس المصدر 387.
(19)مغني الذهبي رقم 2911.
(20) نفس االمصدر 5879.
(21)نفس المصدر 6519.
(22) نفس المصدر 6365.
(23)نفس المصدر 6600.
(24)تهذيب التهذيب 9 رقم 458.
(25) مغني الذهبي رقم 3485.
(26) نفس المصدر رقم 32.
(27)سيرأعلام النبلاء 9 رقم 172.
(28) الموسوعة الإسلامية، مادة تاريخ،من تقرير المستشرق جب.
(29) الواقدي ص 386.

الفصل السابع