الأكراد بشكل عام مظلومون، سواء في سوريا أو إيران أو تركيا أوالعراق، على درجات متفاوتة بطبيعة الحال، وما حققوه من مكاسب هنا وهناك جاء بفضل نضالهم وصبرهم وتعاطف بعض الانظمة الدولية معهم، وبفعل تطورات مفاهيم حقوق الانسان وترسخها في الضمير البشري، فقد تم الاعتراف باللغة الكردية في بعض مناطق تواجدهم، وحازوا على نصيب كبير من الحقوق في العراق، بل وكبيرة جدا، وفي طريقهم لان يفوزوا بحقق أكبر وأعمق أين ما وجدوا...
الحلم الذي يراود الاكراد هو الدولة الكردية (كردستان)، وهو حلم مشروع بطبيعة الحال، إنطلاقا من مبدأ حق تقرير المصير، فإذا كان لليهود حقهم في دولة، وهم ديانة وليس قومية، كيف لا يكون للاكراد مثل هذا الحق وهم قومية؟ وهذا الحلم يراود الاكراد ليس على مستوى قيادات كردية، وشخصيات كردية كبيرة، وأحزاب كردية، بل هو حلم كردي يراود كل أسرة كردية، كل (فرد) كردي، وبالتالي، هي قضية قومية بكاملها، لا فرق بأن يكون الكردي عراقيا أو تركيا أو سوريا أو لبنانيا أو ايرانيا... وفيما يشكل هذا الحق القاسم المشترك الاعظم لكل الأكراد، إلاّ أنهم يخلتفون في التفاصيل، تُرى كيف يتم إحراز هذا الحلم؟ هل يكون الحق في الحكم الذاتي منطلقا لتاسيس الدولة الكردية فيما بعد، أم ينيغي العمل على الانفصال على شكل دويلات كردية ثم يتم التاسيس الاكبر، وهل العمل السياسي والاعلامي هو السبيل أم حمل السلاح والقتال هو السبيل، وهل يستوجب ذلك ستراتجية شاملة متكاملة يتفق عليها كل أكراد العالم،أم هي قضية متروكة لاجتهاد متعدد، والاجتهاد خاضع لظروف دولية وأقليمية ووطنية؟ وهل السياسي والثقافي متقدم على العسكري أم العسكري متقدم على السياسي والثقافي أم كلاهما معا، ستراتيجيتا ن متوازيتان؟
هذه الاسئلة وغيرها مطروحة، ولا شك بذلك، أن زعماء الا كراد وصناع القرار السياسي منهم لم تغب عنهم مثل هذه الاسئلة، ونظائرها كثير، وربما هناك حوارات جادة بينهم، إلاّ أن البين لا يكشف عن اتفاق في الاجابة على هذه الاسئلة، بدليل الصراعات بين مكونات هذا الشعب، التي تتسم أحيانا وأحيانا كثيرة بالدم، حتى داخل البلد الواحد، التجربة العراقية ماثلة هنا بشكل صريح وصارخ، فالدماء التي سالت من الجسم الكردي العراقي بسبب المعارك بين البارزاني والطالباني كانت غزيرة وغزيرة جدا، والخلاف الكردي / الكردي في تركيا كثيرا ما يهدد بقتال عنيف، والاحزاب الكردية في سوريا مختلفة،وهي من الكثرة بما يفوق كثافتهم السكانية...
وهل مثل هذه المفارقة تستدعي التخلي عن هذا الحلم الكبير؟ حلم كل كردي يعيش على وجه الارض،مهما كانت جنسيته الآن، وهما كان دينه، ومهما كان اتجاهه الاديولحي، ومهما كان مذهبه ولونه؟
لا...
لأنه حق مشروع، فهو ليس حلما مجرَّدا، بل حلم له منشاؤه الطبيعية والجغرافية والعرقية، فليس مثل القومية الكردية متواصلة الجغرافية والديمغرافية،وليس كالاكراد يملكون تاريخا مشتركا، والظلم متساو بالنسبة لهم جميعا،وعليه، من التعسف أن تكون تلك المفارقة وربما أي مفارقة أخرى سببا بالتخلي عن هذا الحلم المشروع...
إن القضية الاولى التي ينبغي أن يعيها الشعب الكردي هنا، أن هذا الحلم ستراتيجي، ولا مناص عنه، ولكن الطريق إليه طويل، لقد صرح أحد قادة الاكراد العرقيين قبل أيام أن الدولة الكردية سوف تشهد النور خلال السنوات العشر الآتية !
إن التوقيت بمثل هذه الحدية الجازمة مضر بالقضية الكردية بشكل عام، اقصد الحلم الكبير، كيف يتسنى لمثل هذا التوقع في ظل متغيرات دولية هائلة، لم تستطع أرقى مراكز الرصد الدولية سياسيا واقتصاديا وعسكريا أن تضبطها وتحددها؟
إن التوقيت بمثل هذه الحدية الجازمة لا يخدم هذا الحلم، والاوفق هو أن يُقال : أن حلم الدولة الكردية قائم، باق، والطريق إليه طويل،وشاق، وأفقه الزمني متروك لأكثر من عامل، منها الدولي، ومنها الاقليمي، ومنها طبيعة العلاقات بين الاكراد أنفسهم، هذه هي لغة السياسة بمدرستها الواقعية التي حققت ظهورا متميزا على نظيرتها من المدارس الاخرى...
إن استعجال الحلم ليس بالضرورة في نفع هذا الحلم، بل قد يكون في ضرره، فقد يكون قمينا بصنع الكثير من العوائق والعراقيل على الطريق، إن دولة كردستان الكبرى أو الجزئية ليست بهذه السهولة، هنا نستذكر ما قاله مرّة رئيس وزراء السويد الراحل اولف بالما حول هذا الحلم الكردي المشروع، حيث قال بما يفيد استحالته ! لم يصدر الرجل عن خيال أو تقدير غير محسوب، بل من قراءة واعية ودقيقة للواقع، وعندما يرى بعضهم استحالة هذا الحلم من سياسيين كبار، ومثقفين كبار امثال نعوم دشومسكي وغيره انطلاقا من هذه التقديرات التي وضعها اولف بولما في الحساب والحكم، وما لنا نذهب بعيدا، وهناك أكراد من الوزق الثقيل على هذا التصور،كما هو منقول عن السيد جلال الطالباني ومحمود عثمان.
الذي اريد أن اخلص إليه من كل هذا، أن الحلم يبقى حيا في النفس، وفي الضمير، ولكن هذا الحلم رغم مشروعيته يجب أن لا يدعو للاستعجال، والتوقيتات الحازمة، بل يجب أن ترافقه واقعية مكثفة، قوامها، ان الطريق طويل وشاق...
يتبع
- آخر تحديث :
التعليقات