مثيل هذا العنوان ـ إجمالا ــ تكرر من قبل الكاتب في موقع ايلاف عبر مقالات صريحة للغاية، كانت تعالج القضية الامنية العراقية، خاصة بعد أن كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يؤكد ومن زاوية تعداد (منجزاته) المهمة من أن الأمن أصبح حقيقة صارخة في العراق، بل ربما يحسده عليه الآخرون، فيما تعقب مثل هذه التصريحا ت موجة عارمة من المفخخات الرهيبة التي يروح ضحيتها العشرات بل المئات من العراقيين السيئي الحظ، يعاود الكاتب تحذير رئيس الوزراء من مغبة هذه التصريحات ويطالبه بخطاب أكثر عقلانية وموضوعية، ولم يهتم لكثرة التعليقات التي راحت تصب عليه الشتائم والسباب، ومنها أن الكاتب حاقد على المالكي! وكأن الكاتب يحلم بمنصب كبير أو سيارة فارهة أو كثبان من المال الحرام، وهو ما لم ولن يحلم به أبدا!
بعد شهرتقريبا من تسلم السيد المالكي زمام الحكم في العراق وفي لقاء مع الإعلامي اللبناني (إيلي) في بغداد قال له بالنص: ـ
ـ القاعدة انتهت في العراق، واوعدك بعد شهر أو شهرين تأتي الى العراق وسوف اصطحبك معي بلا حماية!
ابتسم ايلي ابتسامة ذكية تشير خفية إلى بساطة السيد المالكي وعدم خبرته، وقد كتبت في حينها، أن القاعدة موجودة ولن تغادر العراق، وهي ظاهرة تناسلية إذا صح التعبير، ولم أهتم مرة اخرى إلى شتائم وسباب (أشرار أو بسطاء أو منتفعي حزب الدعوة)...
واليو م حيث امتنع السيد المالكي من الإدلاء بمثل هذه التصريح الدال على سذاجة فكرية وثقافية وسياسية، هل سيطلع علينا بعد هذا الصمت بتصريح الأمن العراقي المستتب؟
السؤال الأهم هنا من قبل الكاتب، تُرى هل الوضع في العراق يبشر بوعد أمني مدني تختفي فيه هذه المجازر التي تكاد تكون يومية؟
لا...
لماذا؟
أولا: أن ظاهرة العنف في العراق هي جزء من ظاهرة العنف في المنطقة، العراق ليس جزيرة معزولة، خاصة بعد أحداث سوريا المرشحة كما يبدو للتصعيد أكثر فأكثر، والغريب ان السيد المالكي الذي كثيرا ما كان يفتخر بانجازته الامنية لم يلتفت إلى هذه الحقيقة المرة.
ثانيا: الاختلافات بين الافرقاء في ما يسمى العملية السياسية عامل مهم في بقاء الوضع في العراق غير مستقر، وقد كشفت قضية طارق الهاشمي عن هذه الحقيقة المرة بشكل واضح وجلي، وطارق الهاشمي هنا مثال وليس النهاية.
ثالثا: التدخل الخارجي في العراق جار في الصميم، وهو تدخل صراع وتصفية حسابات كما هو معلوم، والعراق ليس بالقوة التي تجعله قادراً بجدارة على ايقاف هذا التدخل،كيف وهناك تدخل من قبل هذه الدول حتى على صعيد تعين محافظ بل موظف صغير.
رابعا: عدم توفر جهاز عراقي استخباراتي على درجة متقدمة من المهنية والحرفية، وهو الامر الذي طالما تشير إليه بعض أوساط الحكومة، بما فيها المساندة لرئيس الوزراء.
خامسا: سياسة الدولة المستندة على استمالة العشائر للاسف الشديد، فإن هذه العشائر فيما لم تنفحها المال والقوة، قد تسلك سلوك العنف الخفي والعلني،وكلنا يعرف أخلاقيات رجل العشيرة العراقية منذ العهد الملكي وحتى هذه اللحظة،لقد كانت سياسة استمالة العشائر بالمال سياسة شيطانية مضرة للغاية.
سادسا: إختراق الاجهزة الامنية من قبل رجال العهد البائد، وعملاء الدول المجاورة، وهي حقيقة كثيرا ما تشير إ ليها مصادرالسلطة بما في ذلك وزراة الداخلية والدفاع.
سابعا: عدم حسم موضوع الوزارات الشاغرة،وفي مقدمتها وزارة الدفاع والداخلية، وحصرها لهذه المدة الطويلة بيد رئيس الوزراء، حيث كبرت مهماته حتى لا ينوء بها أكبر عبقرية سياسية في العالم.
ثامنا: غياب العقاب الرادع القوي والحاسم بحق من تثبت عليه تهم الإرهاب، فهذه السياسة تشجع من تسول له نفسه بمثل هذه الممارسات المجرمة.
تاسعا: عدم إدارة وزارة القضية الامنية من قبل لجان مشتركة،أي تشترك فيها كل أطياف الشعب العراقي، بما في ذلك من يسمون بالاقليات.
عاشرا: التقسيم الخفي للعراق، العراق اليوم مقسَّم بالعمق، إن ابن النجف لا يمكنه ان يعيش في تكريت، وابن تكريت لا يستطيع أن يعيش في النجف، هذه الحالة تربك الوضع الامني بلا شك.
أحدى عشر: عدم خضوع الكثير من مناطق العراق للمركز بالمعنى الإداري الحقيقي، من يجرؤ على القول بان الموصل أو ديالى تخضع لبغداد وفق معايير الدولة بالمعنى العلمي الحقيقي؟
إثنا عشر: الإرهاب تحول إلى ثقافة في العراق للأسف الشديد، القاعدة اليوم فكرة وليس مجموعة فلول، والاحتقان الطائفي موجود في عمق المجتمع العراقي.
ثالث عشر: المحسوبية والمنسوبية في التوظيف، فلم يعد سرا أن نائب في البرلمان أو وزير لا يرعوي عن توظيف أو تشغيل ابناءه وبناته واقرباءه في أدق مفاصل الدولة، من امثلة هؤلاء طارق الهاشمي والنجيفي والمؤمن خضيرالخزاعي والشيخ خالد العطية وغيرهم كثر والحمد لله،هذه الحالة تربك الوضع الامني وإن من بعيد.
رابع عشر: البطالة، فرغم انتشار ظاهرة الغنى الفاحش لدى أصناف معينة من أبناء الشعب العراقي،خاصة المحسوبين على صناع القرار السياسي في الحكومة، فهناك من يفتش عن لقمة خبز في القمامة، وقد كشفت تحريات الجهات المسؤولة الكثير من حالات الارهاب بسبب الجوع والعوز المادي.
خامس عشر: انهاك القوى الامنية لتامين ظاهرة الاحتفالات الدينية المليونية على مر السنة، وقد لوحظ بشكل صارخ اشتداد الهجمات الارهابية أثناء هذه الاحتفالات، حيث تتوفر اسباب الاستفزاز من جهة ووممكنات استغلال الفراغ الامني في المناطق غير المشتغلة بهذه الاحتفالات بل ذات المناطق نظرا لكثرة الناس وازدحام المحتفلين حيث يسهل الاختراق ىزرع العبوات وما شابه.
سادس عشر: تسيب الحدود، بدرجة وأخرى، مما يسهل تسرب الارهابيين وذوي الأعمال التخريبية.
سابع عشر: انخفاض مستوى الوعي لدى الناس، فهم في شغل شاغل عن اخبار الا جهزة الامنية عن المظاهر المشكوكة، وهو عائد بالاساس الى انعدام الثقة المتبادلة بين الحكومة والناس بشكل عام.
تاسع عشر: عدم تمتع الأجهزة الامنية باللياقات المناسبة للعمل الامني باعتراف بعض مسؤولي هذه الاجهزة، مع العلم أن الكثير من التعيينات تتم وفق معايير طائفية أو شخصية أو حزبية.
عشرون: وكما يقال إن هناك بعض المدارس في بعض المحافظات توزع على الطلاب كتب دين مشحونة بالحقد الطائفي، وتشجع على العنف في التعامل مع الآخرين!
أحدى وعشرون: وجود الكثير من العناصر الحكومية ذات المواقع المتقدمة في هيكلية الدولة تتبنى الإرهاب وتسهل مداخل ومخارج العمليات الإرهابية، والذي يزيد الخطب أن سيارات المسؤولين غير خاضعة للتفتيش تقريبا، وإذا كانت خاضعة لا يجرؤ المسؤولون العاديون عن حفظ الأمن على تفتيشها خوفا من بطشهم.
أثنا وعشرون: بعض خطب الجمعة تحرض على العنف والتجاذب الطائفي وسمعت بإذني بعضها علنا في أيام الجمعة.
ثالث وعشرون: تظهير بعض الممارسات المذهبية الخالصة في أجهزة إ علام الدولة الرسمية وعلى رأسها الفضائية العراقية، حيث يستفز الآخرون، وهذا من حقهم، ولا أغالي أن الفضائية العراقية ساهمت مساهمة كبيرة في تجذير ظاهرة العنف بشكل وآخر، وسبق أن كتبت في ذلك مفصلا في موقع إيلاف.
رابع وعشرون: انحدار المسؤولين تجاه المستوى الهابط من حيث السلوك المعنوي،حيث السرقات والمحسوبيات والمنسوبيات، وقد يتصور بعضهم لا علاقة بين هذا والارهاب، وهذا الاعتقاد فاسد، لان مثل هذا السلوك الظالم يولد حقدا طبقيا ووظيفيا واجتماعيا، وينعكس على شكل عمليات عدوانية بصورة وأخرى.
خامس وعشرون: تدني مستوى الخدمات خاصة الكهرباء، وربما يتصور بعضهم أيضا إن لا علاقة بين هذا وذالك، والجواب ذاته على الاعتراض السابق فيما يخص السلوك الشائن للمسؤولين الكبار.
سادس وعشرون: ولاء بعض الكتل كلا أو بعضا لهذه الدولة الجارة أو تلك، لأي مبرر كان ولأي سبب مُساق.
سابع وعشرون: التسيب الدراسي، وكثرة العطل المدرسية، فإن الفراغ في مثل واقع العراق يخلق فرص الانسياق في خانة الجماعات الارهابية كما هو معلوم، خاصة مع إنعدام فرص قضاء أوقات الفراغ في مجالات ترفيهية بريئة.
ثامن وعشرون: محاولة البعض وبطريقة فجة ومفضوحة للسيطرة على كل مفاصل الدولة، ومؤسساتها المستقلة، حيث يخلق وضعا سياسيا يساهم في تعقيد الوضع السياسي العراقي.
تاسع وعشرون: عدم الالتفات الى هشاشة وعدم موضوعية وعلمية المواقف السياسية من قبل كبار الدولة إلاّ بعد حين، رغم أن كل الدلائل تشير إلى وجوب التصدي لها أو تركها أو معالجتها باسرع وقت، وذلك استهانة بالناس، واعتماد القوة الغاشمة والتوسل بلغة التهديد والوعيد.
ثلاثون: العلاقة القلقة بين المركز والاطراف.
هذه الاسباب بعضها قريب وبعضها بعيد، وربما بعضها مترتب على بعض، أو مشتق من بعض، ولكن يمكن اعتبار كل منها على حدة، أي سببا قائما برأسه، وهي كل متشابك مع بعضه، ومن الصعب تجزئته....
سوف يبقى الامن هشا، مادام هناك خلل في تركيبة الاجهزة العسكرية، بنية وتدريبا وعلما واخلاصا، وما دامت البطالة تنخر في قطاعات كثيرة من أبناء الشعب العراقي، ومادام الخطاب الارهابي متسيد في صلوات الجمعة واجهزة الاعلا م، ومادامت الكتل السياسية غير أصيلة عراقيا، وما دام الصراع بين هذه الكتل مصلحيا حزبيا، وليس بمثابة تنافس شريف من أجل العراق وشعب العراق، وما دام بعض المسؤولين الكبار متغلغلين في عمق الدولة من جهة وعلى علاقة عضوية بالإرهاب فكرا وممارسة، ومادمت الخدمات متردية متهالكة...
إن قضية الامن في العراق قضية بنيوية شاملة، ومعالجتها تحتاج إلى جهود جبارة تشارك بها كل أجهزة الدولة ذات العلاقة بما فيها وزارة التربية، والقضاء على هذه الخلية الارهابية أو تلك لا يعني حلا جذريا .
كتبه ويتمنى الموت لحظة لحظة خلاصا من هذه الحياة المرة.