في الوقت الذي تطالب فيه المعارضة السورية بضرورة التدخل الدولي القوي والصريح لحل الازمة في سوريا، وفيما هناك تخوف من أكثر من طرف من نتائج مثل هذا التدخل حتى من جهة الولايات المتحدة الامريكية، طرحت بعض الانظمة العربية مشروع تسليح المعارضة تحت شعار حماية الذات والمدنيين الذين يتعرضون لعمليات قتل جماعية مروعة في الكثير من المدن السورية، وقد لاقى المشروع استحسان المعارضة بطبيعة الحال، حيث ما زال المشروع قيد الدراسة والتداول.
المعارضة في سوريا متسلحة، فليس من المعقول انها غير متسلحة وهي تدخل في معارك طاحنة مع الجيش النظامي السوري، وقد مضى على هذه المعارك قرابة عام، ولكن بلا شك ليس على مستوى التسليح الثقيل، وعندما تطرح بعض الانظمة مشروع التسليح إنما على مستواه الثقيل بدرجة ما، وإلاّ ماذا يعني التسليح في مثل هذه الظروف، وليس من شك أيضا إن تسليح المعارضة بالسلاح الثقيل وإنْ نسبيا سوف يؤدي إلى مزيد من المواجهة بين الطرفين كما ونوعا، أي مزيد من الدماء والخراب والهلاك...
واشنطن من جهتها لوحّت بشكل خفي الى تفهمها للمشروع المذكور، اي تسليح المعارضة، وذلك في إشارة منها إلى ان الجهود الدبلوماسية والسلمية لأخراج سوريا من أزمتها الحالية متلخصة برحيل الاسد أولاً وقبل كل شيء، فإنَّ الخيارات الاخرى مطروحة، ويستبعد محللون سياسيون مهتمون بالشان السوري إنْ يكون من هذه الخيارات المطروحة التدخل العسكري، وهو ما اشارة اليه إدراة اوباما في أكثر من مناسبة، رغم إن بعض المحللين يستهينون بمثل هذا الاستبعاد إذْ سبق وأن تكرر مع الحالة الليبية، لأمر الذي يدعو بعض المراقبين إلى صرف الكلام الامريكي ـ الخيارات الأخرى ـ إلى تسليح المعارضة، وإنّه الخيار الحقيقي المطروح أمريكيا.
تسليح المعارضة في سوريا ليس صعبا، بل هناك عوامل كثيرة وفاعلة تجعله سهلا يسيرا، منها الحدود الطويلة بين سوريا وجاراتها ممن يتعاطفون مع المعارضة السورية، تركيا بالدرجة الاولى، كما أن هناك تعاطفا او تجانسا مذهبيا بين الطابع العام للمعارضة السورية وبين التركيب السكاني لبعض البلدان المجاورة ، ومعلومات متسربة حسب محللين عارفين بالشان السوري تفيد أن هذا التعاطف تُرجم علنيا في بعض الاحيان، وذلك على شكل تأييد ودعم مادي!
إن الدعوة أو طرح مشروع تسليح المعارضة من قبل أنظمة عربية فاعلة وقائدة ومؤثرة في الجامعة العربية يعني بكل وضوح أن هناك حربا أقليمية في سوريا لسبب بسيط أن أنظمة أخرى تقف إلى جانب النظام وتمدُّه بالقوة، وهي ليست أنظمة أقليمية فحسب، بل أنظمة دولية كبرى، في مقدمتها روسيا والصين وفيما لو نال مشروع تسليح المعارضة حصّته من التأييد الأقليمي والدولي ودخل فعلا حيِّز التنفيذ، فإن مستقبلا مخيفا ينتظر سوريا، وطنا وشعبا وتاريخا، وهناك شبه إجماع بين المحللين السياسيين أن الحكومة السورية قوية والمعارضة قوية أيضا، وليس هناك أي علامة تشير إلى قرب نهاية الحكم في سوريا ولا أي علامة تشير إلى استكانة المعارضة، فكيف إذا تم تسليح المعارضة أو بالاحرى إذا تمَّ تصعيد منسوب تسليحها، لان التسليح حاصل أصلا؟
الضحية الأولى من هذا الصراع العالمي والاقليمي على سوريا وفي سوريا هم السوريون، أهل سوريا، بلا تمييز، وإذا استمرت المقاتلة بين المعارضة والحكومة سوف ينعكس ذلك بشكل مثير ومخيف على العلاقات بين طوائف ومكونات المجتع السوري، بل هناك من المعلومات ما يفيد بان مثل هذه الحالة موجودة في سوريا، وإن عمليات القتل المتبادلة سارية وربما فاعلة جدا!
محللون مهتمون بالشأن السوري وعلى اطلاع بما يجري هناك يستبعدون أي تفاهم وسط بين المعارضة والحكومة، خاصة وأن المعارضة استجمعت تأييدا دوليا واقليميا واسعا، والحكومة مازالت تمسك كثيرا من اوراق الاستمرار والصمود، والمعادلة المُستخلَصة من هذه التشابكات المعقعدة إن نزيف الدم السوري سوف يستمر!
والسؤال المطروح...
هل سيأخذ مشروع تسليح المعارضة حظه من التنفيذ؟
إن طرح مثل هذا المشروع بشكل علني وسافر يعني بكل بساطة إنه ماض، حتى لو لقي معارضة من أطراف أخرى، مهما كانت مستويات هذه الاطراف، ولكن ما قيمة هذا السؤال كما يقول بعض المحللين والتسليح جار فعلا؟
ان ما يجري في سوريا ليس حربا بين معارضة ونظام وحسب، ولا بين طوائف فقط، بل كلا الحاليتين انعكاس لحرب أقليمية وعالمية... ربما تمتد إلى معظم بلدان الشرق العربي...
وكان الله في عون الناس...