السلفية هوية متطرفة بصرف النظر عن عنوان هذه الهوية... دينية... مذهبية... قومية... اديلوجية... ليس هناك سلفية إسلامية وحسب، بل كذلك مسيحية، يهودية... ليس هناك سلفية سنية فقط، بل هناك سلفية شيعية أيضا، ليس هناك سلفية عروبية ولا غير، بل على الجهة الثانية هناك سلفيات قومية أخرى... هناك سلفية ماركسية ولا شك... بل هناك سلفية عشائرية وبالصميم من تكوين المجتمعات الشرقية.
السلفيات تتعدد، مادام هناك فكرة وتطرف معا...
السلفيون في الشرق الاوسط كثر،مسلمون، مسيحيون، قوميون، وكل عنوان من هذه العنواين ينطوي على سلفيات جزئية، وبالتالي، هذا الشرق المسكين بمثابة سلفيات، سلفية تواجه سلفية خارجها، وسلفية تواجه سلفية داخلها، والمعارك طاحنة بين السلفيات في هذا الشرق، بلا هوادة، والغريب أن ينخرط وإلى الأذقان المثقفون في أتون هذه المعارك المخيفة، فهو علماني، لا يعترف بالدين أصلا، ربما ملحد، ولكنه سلفي، يتحرك ويكتب وينشط سلفيا، وليس علمانيا، مما يعني إن السلفية مرض متأصل فينا، في العراق، في لبنان، في مصر، ليس غريبا أن تجد علمانيا إلى حد النخاع ولكنه عضو في حزب ديني سلفي، وليس غريبا أن تجد مستهترا بالدين وتعالميه بل وحتى أصوله الاولى ولكنه ناشط في تكتل ديني أصولي، سواء كان هذا التكتل ينتمي إلى الاسلام أو المسيحية أو اليهودية...
السلفية هذه ليست طارئة، بل هي متجذرة كما يبدو، فليس من المعقول إنها تحدث فجا ة، تخرج إلى الظاهر بهذه القوة والشراسة بلا أسباب سابقة، عميقة وناشطة، يبدو إنها كانت مختفية، تنتظر الفرصة السانحة، واليوم جاء هذه الفرصة...
السلفية هذه ليست مساحة محصورة بحدود متقاربة وبمديات بسيطة، بالعكس، إنها مرض منتشر، ممتد، وبتقادم الزمن تزداد اشتعالا، إنها الظاهرة الغالبة على الاجتماع الانساني في الشرق، وإلّا لماذا الحديث المتكرر عن احتمالات حروب طائفية مذهبية في المنطقة؟ ولماذا الحديث المتكرر عن احتمالات حروب أثنية في المنطقة؟ من أخطر الأمور أن يتغافل الانسان عن الحقائق الواضحة أملا بالخلاص والهروب.
السلفية ليست موجة، السلفية فلسفة وجماهير وقيادات وتنظيمات وأدبيات وسلاح... وهي مترسخة في الضمائر،ومساحاتها الجغرافية البشرية واسعة وتمتد... والأنظمة الحاكمة في هذا الشرق قد تميل إلى هذه السلفية أوتلك، حسب المصالح، وهذه المصالح تتركز في القوة والمصلحة، وهناك أجندة خارجية تخطط للاستفادة من هذه السلفية، فكرا وتحريكا، وبالتالي، نحن غارقون في بلاء السلفية...
أحزاب وتنظيمات الاسلام السياسي التي تدعي الاعتدال سرعان ما تتحول إلى سلفية مقيتة مجرد أن تتعرض للمحك، خاصة عندما تستلم الحكم، بل مجرد أن تقترب من دفة الحكم، لم يخف ذلك الاخوان المسلمون في مصر، ولا الحركات الاسلامية في ليبيا، ولا غيرهما، الكنائس التي تدعو إلى المحبة ربما تكون أكثر من غيرها تحريضا على الحقد، بل تتفنن في إثارة الفتن والمشاكل بين المسلمين والمسيحين، دعاة ورموز مذاهب يدعون إلى التقارب والتوحد ولكن لا يتورعون من التكفير المتبادل، ومن ثم، السلفية هي المتوطنة في الضمائر، وهي الراسخة في الاعماق....
نظام الحزب الواحد يكرس السلفية، نظام الحكم الاسري والعشائري يثير الدفائن السلفية، النظام الديكتاوري ينفخ الروح بعروق التعصب والتحزب للمذاهب والاديان والقوميات والاثنيات، التفاوت الطبقي من شانه يشجع على الاحتماء بالعشيرة والمذهب والدين مما يحفز على الانشداد السلفي للعشيرة أو الدين أو المذهب أو القومية، الظلم الاجتماعي يهيا بجدارة للسلفية تفكيرا وتنظيما ونشاطا...
الشرق الاوسط أروع نماذج الحكم الفردي والعائلي والعشائري والحزبي الضيق والطائفي الموسوم بعناوين واضحة صريحة!
فلماذا لا تجد السلفية موطنها المناسب في هذا الشرق المسكين؟ بل لماذا لا يكون الشرق الممول المناسب للسلفية بحد ذاتها في كل أنحاء العالم إن كانت هناك فرصة أو مناسبة ؟
حقا، يفكر بعضهم أن تشتعل المنطقة بحرب ضروس، كي تتطهر من مرض السلفية هذا، وحقا، يرى بعضهم أنّ لا خلاص من هذه السلفية إلّا بحرب طاحنة تعلمنا بان السلفية هي البلاء والعماء!
لست مع هذا الراي المثير، ولكن هل عدمت هذه الامة مثقفون صادقون يطرحون فكرهم بقوة وشجاعة؟
ما يحدث في العراق من مأسي قتل وتشريد سلفي الجوهر، وهذه المعارك والمحارق بين المسلمين والاقباط سلفي الجوهر، وما ينتظر ليبيا من قتال بين مسلمين متشددين وعلمانيين كما يقولون سلفي الجوهر، والقتال بين قبائل اليمن سلفي الجوهر...
أعرف أن بعضهم سيقول: إن العلة تكمن في الانظمة وليس الشعوب، واقول لهذا البعض: وهل الانظمة إلّا نسخة من شعوبها....