إذا كانت السياسة فن الممكن، فهي كذلك فن اغتنام الفرص، والفرصة إذا لم تُستثمر ربما تلعن الذي لم يستثمرها، ليس لانها تمر مرّ السحاب وحسب، بل لان عدم الاستفادة منها قد يتسبب بخاسرة وخسارة كبيرة...
رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي توفرت له فرص رائعة كان بالامكان أن تعينه على تولي هذه المسؤولية الخطيرة، فيما لو تفنن في الاستفادة منها،ولكن السيد المالكي ومن خلال تتبعي لسياسته لا يجيد هذه اللعبة...

1: كان بامكان السيد المالكي أن يحيط نفسه بخيرة مستشاري العراق في النفط والسياسة والزراعة والصناعة والثقافة، كان بامكانه أن يستعين بهم للتخطيط والترسيم، والقرار الاخير له بطبيعة الحال باعتباره رئيس الوزراء، سوف لا يخسر شيئا في مثل هذه الخطوة، فهي على أقل تقدير تضفي الهيبة على حكومته وتوفر له فرص التواصل مع إمكانات علمية هائلة، وتفتح له مجالات التواصل مع عالم مفتوح، فهؤلاء الخبراء دولة... ولكن كان السيد المالكي يتهرب من أي كلام معه بهذا الخصوص، فيما احاط نفسه بعشرات المستشارين من غير الخبرة، ولا العلم، لمجرد الانتماء الحزبي أو الاسري للاسف الشديد، ولكن لماذا كان المالكي يتهرب من التفاعل مع هذا المقترح حيث يتساءل الكثيرون عن ذلك؟

2: كان بامكان السيد المالكي أنْ لايستجيب لنصيحة وزيرة الخارجية الامركية رايس بأن يحيط نفسه ويحشد مكتبه من منتسبي حزبه، لو كان من ذوي الخبرة السياسية لجعل هذا الطاقم خلف الكواليس، فيما يحشد مكتبه بمختلف الاتجاهات السياسية والدينية والمذهبية وحتى العرقية، لقد كانت صورة مكتبه مفزعة، مثيرة للاشئمزاز، فاقعة بمعنى الكلمة، هذا الاجراء لو اتخذه من البداية لاضفى على شخصيته طابع الحياد والابوة العراقية، ولاكتسب شعبية أكثر سعة واعمق حضورا عبر تعدد وتنوع طاقم عمله في مكتبه، وهذه قضية ليست صعبة الاستنتاج في مجتمع شرقي مثل العراق.

3: كان بامكان السيد المالكي أن يحقق حضورا متصاعدا وباستمرار لو إنه وجه ضربات موجعة لرموز الفساد الذين اتضحت جرائمهم بما لا يدع مجالا للشك، مثل هذا الاجراء يجعله اشبه بالقديس في ضمائر الناس ودواخلهم، ولكن للاسف الشديد، بدل ذلك تولى حماية هذه الرموز، بشكل وآخر، لقد ضحى بالحقيقة من أجل الحفاظ على فاسدين كبار، لقد ضحى بالمصلحة العامة من أجل حماية صديق قديم، أو حزبي عريق، هذه الامور اصبحت واضحة تماما، حتى لو كانت هناك شكوك وليس يقين بالتهم الموجهة لبعض هؤلاء، حتى لو كان الامر كذلك، كان الواجب على السيد المالكي أن يتخذ القرارات التي من شانها توكيد حرصه الشديد على مصالح العراق، وكان أمامه عليا يوصي بان لا يُولى من تحوم حوله أدنى شبهة، فكيف ينسى السيد المالكي نصيحة إمامه علي بن أبي طالب للاشتر في وصيته له؟

4: كان بامكان السيد المالكي أن يختار شخصيات معروفة تاريخيا بعلاقتها الوطيدة والحميمة بحكام الخليج العربي، ولكنها شخصيات عارفة، علمية، موضوعية، مطلعة على واقع العراق، ويجعل منهم واسطة عقد وصلة بحكام الخليج العربي، وهو يعرف تمام المعرفة أن مثل هذه الوسائط ذات تاثير في توجهات الانظمة في الخليج العربي، إن المالكي عندما يرسل وفدا حزبيا إلى بعض الدول الخليجية إنما يكشف عن عدم وعي بكيفية التعامل مع الانظمة الخليجية، كان الواجب على السيد المالكي أن يحيط نفسه بطاقم معروف بعلاقاته الحميمة والتاريخية بانظمة الخليج، ويتعامل مع هذه الانظمة من خلال هذا الطاقم، ربما لا يتحقق ما يرضي خلال مدة سريعة، ولكن على المدى الابعد يتحقق ما يرضي وإن بنسب بسيطة، والسياسة تتطلب نفسا طويلا.

5: كان بامكان المالكي أن يتسلح بجهاز اعلامي يديره اعلاميون كبار، يملكون خبرة إدارة العقول، وليس اعلاميين اميين، ثقافتهم ثقافة جرائد، وبعضهم لا يجيد حتى كتابة خبر فني بسيط، المالكي زهد بقيمة الاعلام بدرجة مثيرة، ومستشاروه الاعلاميون تشهد الخبرة بانهم عالة على الاعلام، وللاسف الشديد أن تتحكم قيم المحسوبية والمنسوبية في اختيار هؤلاء المستشارين، الاعلام يدير العقول، يتلاعب بالعالم، فيما يصف المالكي الانترنيت بانه مكب نفايات!
إنها كارثة بطيعة الحال، ولا استبعد إن افتقار السيد المالكي لطاقم اعلامي ماهر فوت عليه كثيرا من الفرص، بما في ذلك فرصة الدفاع عنه بلغة اعلامية جديرة بالاحترام، وكلنا يتذكر معركته الخاسرة مع موقع كتابات، فيما الذي ادار المعركة طاقمه الاعلامي.

6: كان بامكان السيد المالكي ان يتسلح بخطاب سياسي علمي، خطابه السياسي جلب عليه مشاكل كثيرة، بل تحول هذا الخطاب إلى إدانة وسبة، فهو كثير المجازفة بالوعود، وكثير المجازفة بالتوقعات، وفيما تاتي النتائج معاكسة وبشكل مثير للغاية، تقل هيبة حكومته، ويتضاءل إيمان الناس بقدراته السياسية، إن حسن الخطاب جزء لا يتجزا من شكبة شروط النجاح في العمل السياسي، ومما يدعو للدهشة حقيقة أن خطابه كثيرا ما يتناقض بين يوم وآخر، ففيما يصف حكومته بانها حكومة الوحدة الوطنية، يشتكي من حكومته بالذات من أنها مفروضة عليه طائفيا وعنصريا...

7: كان بامكان السيد المالكي أن يصب القسم الاكبر من جهده على قضية مركزية خلال مدة حكمه التي تعدت السنوات الست، كان تكون الكهرباء، أو الامن، حتى لو كانت على حساب قضايا أخرى، ولقد صرح اثناء توليه الحكومة في الدورة الاولى، ومن خلال برنامج الحكومة بان مهمته الاولى ستكون القضية الامنية، الامر الذي يدعم الرأي الذي طرحته، ولكن جاء هذا الموقف متاخرا، كان المفروض أن يكون هذا التوجه منذ البداية.

8: كان بامكان السيد المالكي أن يصارح الشعب بين فترة وأخرى بما يعاني من مشاكل ومصاعب بالارقام والاسماء والمواقف،مثل هذه السياسة تكون في صالحه، وتجيش الناس إلى صفه، وتضع اعداءه ومن يعرقل مشاريعه الوطنية بين يدي غضب شعبي.

9: كان بامكان السيد المالكي أن يحسم موقفه بين أمريكا وإيران، يعرف السيد المالكي أنه غير قادر على إدارة اللعبة بين أمريكا وإيران، وفيما لو حسم الموقف يوفر على نفسه الكثير من المتاعب، ويوفر لنفسه ممكنات أكثر واكبر، ولكن محاولة اللعب على وتر الصراع بين أمريكا وايران كلفه كثيرا، ولم ينفعه بشيء.

10: كان بامكان المالكي أن يأمر حزبه باقتسام فوز حزبه بمجالس المحافظات مع المجلس الاعلى، كي يكسب معنويا على صعيد الشارع، ويخفف من مسؤولية حزبه فيما لو فشلت التجربة وهو ماحصل للاسف الشديد، ويضطر المجلس للتعاون معه بشكل وآخر.
والسؤال...
هل مازالت هذه الفرص موجودة؟
الجواب عند المالكي قبل غيره