سيدي رئيس وزراء العراق نوري المالكي عادت التفجيرات، وكانت دامية، وكانت متوزعة على جغرافية العراق بامتياز، جاءت بعد يوم من مدحك للاجهزة الامنية، يعني، وبصريح العبارة، كما هي العادة، مجرد أن تخرج على الملأ وتفتخر بانجازك الامني، يجيبك الساقطون القتلة بسيارات مفخخة وعبوات لاصقة واغتيالات لخيرة النخب العراقية، وتسكت فترة، تصنت، تتخفى، ثم تخرج لتعلن عن الانجاز الامني الكبير، فيكون ذات ا لجواب، دم، اشلاء، خراب، دمار... ومن حقي أن اسالك الآن على أثر التفجيرات الاخيرة، كم يوم سوف تسكت، وتصنت، وتختفي، لتعلن مرّة جديدة عن الانجاز الامني، لا لشيء، ولكن صدقني عسى أن ياخذ الناس حذرهم من (أجوبة تفجيرية جديدة).
لقد كتبت في ايلاف قبل اسبوعين تقريبا مقال عن رئيس الوزراء العراقي المالكي واوهامه الداخلية، واشرت بتركيز مكثف على هذه المفارقة، أي كل تصريح من تصريحاته المفعمة بالفخر والاعتزاز لانجازته الامنية حتى ينثال الرصاص وشضايا القنابل الموقوتة لتحصد ارواحنا الرخيصة بل التافهة، بل العفنة!
جاءت عمليات التفجير هذه بعد مائدة افطار دسمة كان قد حضرها السيد رئيس الوزراء وكل المسؤولين الكبار في الدولة في ضيافة مسؤول هو الآخر، وكانت الموائد فاخرة مثيرة مشهيِّة وبالموازاة كان الارهابيون يعدون لتفجيرات اليوم...
كانت رائحة الشواء تتحدى المسافات الطويلة، وكانت مذاقات أصناف الاطعمة تغري حتى المصابين بداء السكري، فيما كانت الكلاب والذئاب المفترسة تشم رائحة رؤوس بشرية سوف تتناثر هنا وهناك، بفضل جهوزية القوات العسكرية خاصة الداخلية المسؤولة عن أمن البلد واهله ومؤسساته، ولست أدري هل اقيمت الصلاة قبل الافطار أم بعده،خاصة وقد حضرها شيوخ وسادة يستحقون عن جدارة واقتدار أن يأموا المدعويين صلاة جماعة خاشعة تضج ملائكة الرحمن من هيبتها وسناءها وكمالها وجمالها...
أي مفارقة يا رب!
وغدا...
صدقوني... غدا...
سيخرج علينا السيد رئيس الوزراء ليلعن عدم الحاجة لاي قوات أخرى، امريكية بل حتى ملائكية، لحفظ الامن،حفظه بالكامل، ولا حوار أو نقاش حول المنطقة الخضراء، لانها محمية بجند الله، مادامت موائد الافطار فيها تزكم رائحة الملائكة، وتُسكر معلمي الاخلاق، وذاك الذي لم يكذب منذ أن عرف بأن الله يمقت الكذب!
لست أدري أي مقياس يملكه السيد رئيس الوزراء نوري المالكي لحساب منسوب الامن ومستواه ومداه وسعته وعمقه، لست اختصاصا في هذه الامور، ولكن بودي أسال هذا السؤال، خاصة وإنهم يقولون أن السيد المالكي يملتك حسا أمنيا، وكان قد اعلن أنه سوف يتفرغ للقضية الامنية بامتياز في حكومته الجديدة...
ليس من الصعوبة أن يستنتج المراقب إن القضية الامنية في العراق مشكلة عسيرة الحل، وإن عوامل استمرارها بل وتفاقمها بل وتفجرها بين حين وآخر مسالة مفروغ منها، فأي أمن يمكن أن يستتب في العراق والحكومة ذاتها تعترف بان قواتها العسكرية ملغومة ؟ وأي أمن يمكن أن يستتب في العراق ودول جارة وغير جارة تملك أجندتها القاتلة في العراق،من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه ؟ واي أمن يمكن أن يستتب في هذا البلد المنكوب وكل الوزارات العسكرية ما زلت تعاني أزمة، ليس أزمة وزير كما يحلو للسيد رئيس الوزراء أن يبرهن على ذلك، بل أزمة وزارة بكل مفاصلها، أزمة حكومة بكل مفاصلها، وأي أمن يمكن أن يستتب في العراق وحكومته نصفها متمثل برئيس الوزراء، وربعها يمثل مصالح قومه لا أكثر ولا أقل، وربعها الاخير حكومة ومعارضة في آن واحد...
اتعجب من السيد رئيس الوزراء أن تفوت عليه هذه الحقائق وهو الذي اخذ ينظِّر في خطبه الاخيرة لثورات الربيع العربي!
أتعجب من السيد رئيس الوزراء أن تفوت عليه هذه الحقائق وهو كما يقولون كان قائدا ميدانيا، يقاتل نظام صدام حسين!
سيدي رئيس الوزراء، الامن ليس مستتبا في العراق، وسوف يبقى، العراق في اوضاعه الجديدة مشاكل داخلية ومشاكل خارجية، نهب وسلب، عقود وهمية، شهادات مزورة، حدود قلقة، فساد إداري ومالي وسياسي....
وأنت تعرف جيدا بداية الحل...
لقد فَّلشت أكبر كتلة برلمانية وانت تعرف إن البرلمان المستقر إنما بكتل كبيرة وليس بكتل متناثرة... وقد فلَّشت حزبا بكامله، وأنت تعلم أن الحزب التاريخي الكبير قوة للوطن...
وقد فّلشت أكبر تحالف بين قوى مؤثرة فاعلة،وأنت تعلم بان مثل هذه التحالفات هي التي توسس لتوازن القوى...
ثم...
خطابك السياسي بدا من قولك إن الانترنيت مكب نفايات وحتى تنظيرك الاخير لثورات الربيع العربي، حيث تدعو الجماهير العربية أن لا تثور لان بناء الحكومات والدول من جديد ليس سهلا، وإذن لماذا رضيت بالغزو الامريكي للعراق ؟.
وعادت التفجيرات سيدي رئيس الوزراء...
وغدا مائدة افطار على شرف متدين أو وطني آخر...