بداية، لا يعني عندما أقول بان السيد علاوي مشروع تأزيم وليس مشروع حل دفاعا عن الحكومة خاصة برئيس وزراءها وفريق عمله حتى وإن كان اقرب الناس اليّ بصورة من الصور ــ وأعني ما أقول ــ ولكن هي الحقيقة التي تفرض نفسها من خلال مواقف السيد علاوي بشكل عام وهو جزء من العملية السياسية في العراق.
إن العراق يحتاج اليوم إلى المعارضة الايجابية وليس السلبية، مهما بدت من حكومة المالكي من سوآت ومخاطر ومفارقات وتناقضات، وهي بلا شك كثيرة وعميقة وخطيرة، ولكن السياسة فن الممكن وليس الاصرار على ما لا تسعف الظروف على تحقيقه وإنجازه، وكنت أقول وما زلت أقول، لو أن السيد علاوي رفض مشروع مجلس السياسات الاستراتيجية واتجه إلى ساحة البرلمان بطاقمه وفريق عمله يحاسب الحكومة بدقة وموضوعية لانجز الكثير للشعب العراقي، ولدخل التاريخ من بابه الواسع.
مشروع مجلس السياسات الاستراتيجية مسمار صديء في جسم العملية السياسية لانه ولد مشوها، عاجزا، ليس هناك أي مبرر دستوري أو سياسي أو قانوني يجيزه ويبرره ويسوغه، بل هو أشبه بالمخلوق الشاذ، حيث لم نعهد له شبيها أو نظيرا في الانظمة السياسية الديمقراطية.
نتاج مسخ بكل صراحة، وعندما قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بان مجلس السياسات الاستراتجي إنما جيء به إرضائيا للسيد علاوي كلام صحيح، ولعل هذا التقييم من نوادر إصابة المالكي وتصويباته في سياق جملة هائلة من تقيماته السياسية والامنية حتى بات التصور المضاد لما يقيمِّ ويقول هو الاستنتاج الصحيح لكل من تابع تصريحاته ومناوراته عبر هذه المدة الطويلة من تصديه للحكم.
إن حكومة السيد المالكي لا تعاني من نقص هنا أو هناك، بل هي حكومة مشلولة، ينخر في جسدها الفساد والخراب، ومهزلة العقود الوهمية لم تعد خافيه من أنها تشكل جريمة تطال صلب هذه الحكومة المنخورة المترهلة، فإذا ما انطلق علاوي من هذه النقطة بالذات، ومارس عمله السياسي على ضوءها وفي ضوءها سوف يحقق لنفسه وكتلته مكاسب تهيئه بكل سهولة إلى استلام زمام المسؤولية في الانتخابات القادمة.
الشارع العراقي اليوم يتطلع إلى قيادة تضع النقاط على الحروف، تنطلق من وسط الشعب، تمارس دور النقد بقيمه الموضوعية، ملتزمة بمطالبه وطموحاته ولم يتطلع إلى شخصيات تفتش عن مواقع في داخل الحكومة، أو داخل العملية السياسية، وعلاوي للاسف الشديد لم يدرك هذه المعادلة، فانصرف بكل همه وهمومه إلى أن يكون ذا موقع رسمي لا موقع شعبي، وبهذا استحق نقمة الشارع العراقي كما هو نوري المالكي وكما هو حال أكثر الرموز المشاركة في العملية السياسية.
لم يعد سرا إن ترشيحات وزارة الدفاع والداخلية باتت ساحة تصفيات واحراجات ومماحكات، والمسؤول الاول السيد رئيس الوزراء وعلاوي في آن واحد، والمتضرر الوحيد هم العراقيون من دون تمييز على الاطلاق.
للمالكي أجندته الخارجية من جارة شرقية وغيرها ولعلاوي أجندته الخارجية من جارة جنوبية وغيرها، والصراع دائر بين منافسين اقليميين والادوات المالكي وعلاوي ونحن يتامى السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، وكلا الطرفين مشغول بمنطق المؤامرة وضدها، فيما العراق يتمزق.
لقد بات واضحا إن السيد علاوي مدعم إقليميا، والمؤسف إنه بدل أن يستثمر هذا الدعم في تعديل المسار راح يستثمره في حرف المسار إليه كليا وذلك مهما كانت النتائج خطيرة بل وربما تهدد العراق برمته...
إن الموقف السليم من السيد علاوي هو تعديل المسار الخاطيء لحكومة المالكي بالاستفادة من هذا الدعم لا حرف المسار إليه، إن السيد علاوي بدل أن يكون قوة ضاغطة بالاستفادة من هذا الدعم تحول إلى قوة حذف... إلغاء... اسقاط.... إنهاء...
الوقت مازال في صالح السيد علاوي ليمارس دور تعديل المسار بالاستفادة حقا من هذا الدعم، وبالتعاون الجدي الموضوعي مع اصدقائه بمن فيهم الذين خرجوا عليه، واختلفوا معه...
إن المفروض بالسيد علاوي أن ينسى مشروع مجلس السياسات الاستراتيجي وينصرف بالعمق إلى الشارع العراقي، ومن خلال حضور البرلمان، عبر خطاب سياسي جديد،، بنيوي... نقدي... مفصّل... يتحاور مع الجميع داخل قبة البرلمان... يستثمر علاقته الاقليمية والدولية لطرح مشاريعه الحيوية التي من شانها مصلحة العراق والعراقيين بلا تمييز أو استثناء.
مشكلة السيد علاوي هي عقدة رئاسة الوزراء كما هي عقدة المالكي، وإذا كان علاوي قد خسر الكثير من اصدقائه والعاملين معه بسبب هذه العقدة، فإن المالكي بسببها قد فلّش تحالفا ستراتيجيا مهما، ولو إن المالكي لم يتصرف تحت ضاغط هذه العقدة لكان البرلمان اليوم يضم كتلة باكثر من مئة وستين مقعدا، مما يعني حلا مريحا لاكثر مشاكل العراق...
علاوي دمّر كتلة بكاملها... والمالكي دمر تحالفا بكامله... والعراق نهبا بين طموحين ساذجين يحترق...
وعتبي على منْ تحول إلى بوق دفاع عن علاوي أو المالكي فيما كنا ننتظر منهم مواقفا أكثر نزاهة وشجاعة...