طالما نقرأ ونسمع عن سني تحول الى مذهب التشيع، وفي مقابل ذلك شيعي تحول إلى مذهب التسنن،وتقام لذلك الندوات والاحتفاءات في الفضائيات، وفي الاثناء يتقدم السني (المستبصر) بشرح وبيان مبررات تشيعه العقلية والموضوعية، وفي المقابل يتقدم الشيعي (المُهتدي) بشرح وبيان مبررات تسننه العقلية والموضوعية، ومراجعة لما يقوله السني المستبصر، والشيعي المهدتي ذاته الذي نسمعه دائما وبدون ملل ولا كلل، على ألسنة خطباء ومحاورين ومتحاججين، لا زيادة ولا نقصان، سواء هنا أو هناك، اسطوانة مشروخة معادة مملة متعبة!
لقد تحولت مسالة التبشير الشيعي في الوسط السني والتبشير السني في الوسط إلى مشكلة كبيرة، وباتت تهدد هذه الامة (المرحومة!) بصراع مذهبي طائفي غوغائي مدمِّر، وقد تدخل في صلب المعركة علماء كبار من الطرفين، القرضاوي وشيخ الازهر من جهة وعلماء شيعة من ايران وربما العراق من جهة اخرى!
ليس لاحد أن يمنع احدا من الدعوة إلى مذهبه، فهذا حق من حقوق الانسان، والاسلام دعوة في الاساس، بل معظم الاديان والمذاهب والاديلوجيات دعوة، إنْ لم يكن كلها، فلماذا يخاف الشيعةُ من السنة أن يدعوا إلى مذهبهم، أي مذهب أهل السنة والجماعة، حتى في عمق الوسط الشيعي، ولماذا يخاف السنةُ من الشيعة أن يدعوا إلى مذهبهم،اي المذهب الجعفري، حتى في عمق الوسط السني مادامات الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن؟
عملية غريبة بطبيعة الحال في العالم الاسلامي،وهي دليل على اننا تلقينا الاسلام والمذهب بفعل عوامل خارجة عن موازين الاعتقادي التي تصر على الوعي المسبق والدليل المقنع، وأننا نخاف لغة العقل، والانتماء عبارة عن تاريخ وليس مستقبل.
الغريب أن تتحول عملية الدعوة الى الدين أو المذهب أو الاديولجيا إلى اشكالية تجر إلى احتقانات واصطفافات دينية وطائفية، أي ذات الدعوة بما هي، بصرف النظر عن الداعي والمدعو، وبصرف النظر عن مادة الدعوة وننتيجتها، ولكن هنا نقطة جديرة بالانتباه حقا، خاصة فيما يتعلق بالتبشير المذهبي، فإن هذا النوع من التبشير قد يتسبب في مشاكل كبيرة وخطرة فيما تتبناه دولة بعينها، كأن تكون إ يران حيث تسعى إلى تشييع سنة بمديات جماهيرية كبيرة، وكأن تكون السعودية حيث تسعى إلى تسنين شيعة بمديات جماهيرية كبيرة، ويبدو لي أن خوف بعض العلماء من سنة وشيعة من عملية التبشير المتبادل إنما بلحاظ هذه النقطة،أي عندما تتبنى دول وأنظمة مثل هذا التبشير المتعاكس، فهو يخلق فتنة، وياخذ أبعادا سياسية واقتصادية، وكثيرا ما يوظَّف لاغراض سياسية، ولم تعدم من هؤلاء المحذِّرين سواء كانوا سنة أو شيعة الإشارة إلى هذه النقطة.
إن عمليات التسنين بجهود دولة معروفة يبدو قائمة ومستمرة، كما أن عمليات التشيِّيع بجهود دولة معروفة يبدو قائمة ومستمرة،و كلا العمليتين تجران الوبال على هذه الامة (المرحومة ّ!)،والمستفيد الوحيد من العملية هي الانظمة السياسية، وليس السني الذي تحول إلى التشيع، ولا الشيعي الذي تحول إلى التسنن.
التبشير المذهبي على مستوى دول وأنظمة بلاء وشر، لا يجلب للمسلمين غير الاحتقان ثم التنابذ، ثم القتال، فما لهذه الانظمة والمسلمين؟
هذه الانظمة تبشيرها سياسي اكثر من كونه دينياً أو مذهبيا، لنكن أكثر صراحة،تبشيرها سياسي وليس شيعياً ولا سنيا، وفيما تصرف الاموال الطائلة في هذا المجال من قبل هذه الدولة أو تلك، من قبل هذا النظام أو ذاك، إ نما الغرض السياسي هو الجوهر، والفكر آلية، والناس وقود، والمستفيد هو الدولة بحكامها ورموزها،والنظام بهيكلته وعصائبه...
مسالة الدعوة (المذهبية) المتعاكسة مهمة الناس، الحاملون للفكر،وليس مهمة دولة أو حكومة أو نظام، والخوف من التبشير المذهبي المتعاكس إنما يتحقق لو تحول إلى سياسة دولة، هدف نظام، أمّا على نطاق فردي فليس فيه ضير، بل هو طبيعي، وقمعه أو التخوف منه يشكل أحد وسائل القمع الفكري.
وكلمة أخيرة وأنا استعجل نصيبي من هذه الحياة المتعبة بكل صدق... كلمة أخيرة...
هل ا نتهينا من كل مشاكلنا لنحول سني إلى شيعي أو شيعي إلى سني؟
أمة متعبة حقا!