طالما تردد (أمة محمد) بانها (الأمة المرحومة)، وكيف لا، ومحمد صلوات الله عليه وآله وصحبه وسلم رحمة مزجاة، والقرآن لا يهتم بصفة من صفات الله بقدر اهتمامه بصفة الرحمة،
هذا الخطابُ اصبح مهزلة المهازل، إن نظرةً بسيطة سريعة على ما يجري في هذه الأمة، تكشف لك عن مقولة مضادة تماما، هذه الأمة ملعونة...
تُرى أين هذه الرحمة المدَّعاة؟
مجازر بغداد؟
حرب الشوارع في اليمن؟
القتلى بالمئات في سوريا؟
الدماء العزيرة في الصومال؟
الوضع الذي يُنذر بخطر جسيم في لبنان؟
وهل الرحمة هذه إلاّ تنتظر مصر والجزائر والمغرب والسعودية والاردن والسودان؟
العلاقات بين دول هذه الأمة قائمة على التآمر والتقاتل والتعادي والتنافس على الشر والعدوان، العلاقات بين طوائف هذه الأمة يسودها الخوف المتبادل والرعب المتوجَّس تجاه الآخر، العلاقات بين أحزاب هذه الأمة عبارة عن مصالح مؤقتة تجر دماء ما بعدها دماء، العلاقات بين أبناء أديان هذه الامة انتقام وثار وعدوانية والغاء، العلاقات بين أبناء الدين الواحد، المذهب الواحد، البلد الواحد، العشيرة الواحدة تناحر وتنباذ واحتراب...
هذه هي الأمة المرحومة !
رواية واحدة يرويها أبو هريرة ــ عميد الرواية السنية ـ تسببت في تاسيس تاريخ دموي مرعب في زمن هذه الأمة،رواية واحدة يرويها أبو مخنف ـ عميد رواية الطف ـ تسببت في خلق تاريخ أحمر صارخ، ما زال يتدفق في (دنيا) هذه الأمة المرحومة، البخاري والكافي، ابو هريرة وجابر ين يزيد الجعفي، صفات الله، الحلال والحرام، كلها تحولت إلى آليات قتل وليس بناء، تحولت إلى سكاكين وسيارات مفخخة وعبوات ناسفة، إلى لغة ا قصائية قاتلة حاذفة....
أمة بكاملها تنخدع برواية أبي هريرة أو رواية أبي مخنف أو رواية سيف بن عمر، وتقومُ القائمةُ كتابةً وقراءةً وتأليفاً وخطاباً وحوارا، ثم شتائم وسباب، ثم قطيعة، ثم قتال وما أدراك من قتال؟!
رواية واحدة يُدّعى أنها نبوية أو إمامية تصبغ ايامنا بالحداد والحزن، دماء وما بعدها من دماء...
آية نختلف في تفسيرها لان اللغة تحتضن الاختلاف وتقره وتؤسسه نتقاتل بها ومن أجلها وفي سبيلها، وبالتالي، تكثر الرايات السود، وتنتعش تجارة الاكفان، ويعجر حفار القبور عن إداء واجبهم وإن بثمنْ مغرٍ، ومجز أكثر من اللازم..
أيُّ أُمة هذه وتاريخها مكتوب في القرن الهجري الثاني فتعده وثيقة صادرة من الله، لا يشوبه خطا ولا وهم ولا نسيان، أي أمة هذه وحديث نبيها الكريم مدون بعد سنة من هجرته الكريمة وإذا بها تتفوق على القرآن إيماناً وثباتاً ووثوقا، وتكون سبب حروب وحروب فيما القرآن غائب، والعقل يدافع عن الجنون، وتختلط الاوراق، فتُخلق فرق جديدة، ومذاهب جديدة، يتجدد البلاء القديم ويضاف إليه بلاء جديد، وهكذا دواليك، طيلة ألف واربع مئة سنة...
الأمة المرحومة يغيب فيها السلام، وتسود محله الحرب، يشيع فيها الخوف المتبادل، والشك البَدْوي هو الاساس، والثقة ضائعة تائهة؟
حقا، ينتابني ذعر فيما أرى أخبار السقيفة ـ على خلاف في صحتها أو صحبة بعضها ــ وقد تحولت إلى آلية قتل وحذف وتفكير بين ملايين الناس، ربهم واحد، ونبيهم واحد، وقرآنهم واحد، حقا، ينتابني ذعر وأنا اسمع عن مجزرة في عائلة كاملة في باكستان أو افغانستان لانه أحد أفراد هذه العائلة انتقد ابا هريرة أو انتقد صحابيا أوا نتقد أماما من إئمة اهل البيت !
لا اريد أن ادخل بنقاش عقيم، حيث ينبري أحدهم ليقول لي:هذا ذنب المسلمين وليس الاسلام،وهذه جريرة العلماء وليس الناس، وهذه مسؤولية الثقافة البائسة، وليس ثقافة العصر الذهبي لبغداد وحلب والاندلس، اسطوانة مشروخة مللناها وسئمناها، فهل من جديد غير هذا الروتين القاتل المزعج؟
أمة منكوبة...
أمة ملعونة...
لا يحركها علم عميق، ولا فكر نيِّر، ولا هموم كبيرة، ولا طموحات ضخمة، بل يحركها حديث أبو هريرة، ورواية السقيقة وأخبار احمد بن حنبل، وثورة فلان وعلان، والقرآن بينهم عضين !
الدفاع عن الثورات في مصر واليمن وتونس مقدس واجب ولكن ماذا عمَّا يجري في سوريا حيث ملايين يطالبون بحقوقهم وأنهاء مرحلة الحزب الواحد والرجل الواحد؟
صمت !
طارق الهاشمي تثبت عليه تهمة القتل والذبح يتحول إلى أمة باسرها، ولكن ماذا لو أن احمقا من الطرف الثاني أجرم عُشْر ما أجرمه طارق الهاشمي؟
عويل...
تهويل...
حرب (جهادية) تحرق الاخضر واليابس...
كلنا مذنبون...
وكلنا يتحمل المسؤولية...
تراث خليط من خبث وطيب، لا نستسيغ منه سوى الخبيث، بل نحاول جهد الامكان أن نحول طيبه إلى خبيث...
فهل هذه أمة مرحومة؟